حين يصمت الضمير، ينطق الشر
بقلم: رانية مرجية
تاريخ النشر: 30/05/25 | 5:54
في زمن تتداخل فيه الأصوات وتتزاحم فيه المصالح، يغدو الضمير عملة نادرة، وحين يغيب الضمير، يغيب الخير، وتُطفأ أنوار الحق في القلوب قبل العيون. نعم، دون الضمير يموت الخير، لأن الضمير هو ذاك الصوت الخفي الذي يربط الإنسان بإنسانيته، ويوقظه من غفلاته، ويعيده إلى جادة الصواب حين توشك قدماه أن تزلّا.
الضمير ليس رفاهية فكرية، ولا ترفًا عاطفيًّا، بل هو أساس الوجود الإنساني المتوازن، وهو حجر الزاوية في بناء المجتمعات السليمة. كل قانونٍ دون ضمير هو سيف بلا شرف، وكل عدالة بلا ضمير هي زيفٌ مقنّع. وهل يُعقل أن ننشد السلام في عالمٍ غابت عنه الضمائر واستُبدلت بالأنا المتضخمة والمصالح الضيقة؟
أكتب هذا المقال وأنا أرى يوميًا كيف يتغاضى الكثيرون عن الحقيقة، لا لأنهم لا يعرفونها، بل لأن ضمائرهم قد كبُتت، أو ربما نامت في سباتٍ عميق. كم من ظلمٍ مورس باسم القانون، وكم من فقرٍ تعمّق لأن أصحاب القرار لم يصغوا لصوت الضمير؟ وكم من كلمة حق خُنقت في الحلق لأنها لا تناسب هوى السلطة أو السوق أو الطائفة؟
الخير لا يُولد من القوانين وحدها، بل من ضميرٍ حيّ يؤمن أن الإنسان أغلى من المادة، وأن الكرامة ليست منّة بل حق. الخير لا يتنفس إلا في قلوبٍ لا تساوم، ولا تسكت على الجريمة حتى وإن أتت في لباسٍ أنيق.
وإنّي لا أجد أعظم شهادة على هذا المعنى من سيرة مناضلين ومناضلات حملوا ضمائرهم فوق أكفّهم، ورفضوا أن يخونوا أنفسهم مهما اشتدّ الألم. فهؤلاء، وإن خسروا أحيانًا في مقاييس الربح الدنيوي، إلا أنهم انتصروا إنسانيًّا، لأنهم اختاروا ألا يبيعوا ضمائرهم في سوق النفاق.
إننا اليوم بأمسّ الحاجة إلى تربية ضمائرنا، كما نربي عقولنا وأجسادنا. نحن بحاجة إلى مناهج تعليم لا تخرّج فقط متفوقين في الرياضيات واللغات، بل تُنشئ جيلاً يستحي أن يغضّ الطرف عن الظلم أو أن يضحّي بالحق لأجل مكسب عابر.
ففي غياب الضمير، يضيع الوطن، وتضيع القيم، ويصير الناس آلاتٍ تتحرك بلا روح، وتنتج بلا محبة، وتعيش بلا معنى. فلنُصغِ لصوت الضمير، لأنه وحده القادر على إحياء الخير في زمنٍ يوشك أن يُطفئ أنفاسه الأخيرة