الغزيون في مواجهة سلاحي الجوع والعطش

بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي

تاريخ النشر: 05/05/25 | 20:50

وكأن الغارات الجوية والقصف المدفعي والصواريخ المدمرة، والطيران الحربي المتطور والمسير الدقيق، والحرب الوحشية الطويلة التي تكاد تنهي شهرها الثامن عشر، ولا يبدو أنها ستتوقف أو ستنتهي قريباً، وفق تصريحات نتنياهو وتطلعاته، لا تكفي العدو الإسرائيلي لإشباع نهمه المريض، وإرضاء غريزته القذرة، وتحقيق أهدافه الدموية، ووضع حدٍ لمخططاته الخبيثة في قتل الشعب الفلسطيني وتدمير حياته والقضاء على مستقبله، وانتزاعه من أرضه وطرده منها وإقصائه عنها، وقد قتل من أبناء غزة وأصاب بجراح واعتقل ما يربو عن مائتي ألف فلسطيني، وألحق أضراراً مباشرة بأكثر من مليوني مواطنٍ من أبناء غزة، دمر بيوتهم، وخرب مناطقهم، وقوض مختلف جوانب حياتهم وأركان عيشهم.

لجأ العدو الإسرائيلي منذ السابع من أكتوبر وحتى اليوم إلى تشديد الحصار الاقتصادي المفروض على قطاع غزة منذ العام 2007، فغدا الحصار الذي كان شديداً وقاسياً، منذ أكثر من خمسة أسابيع، أشد وأقسى، وأكثر ألماً ووجعاً، مع التأكيد أن ما سبقه على مدى أكثر من عامٍ بعد معركة الطوفان كان قاسياً أيضاً، لكن تخللته بعض الفترات التي سمح فيها بإدخال القليل من المؤن والمساعدات الغذائية والطبية والدوائية، والقليل من الوقود وغاز الطهي، أما اليوم فإن الحصار المفروض على قطاع غزة، براً من الجانبين المصري و”الإسرائيلي” وبحراً قد أصبح خانقاً جداً، وقاتلاً للرجال قبل النساء والأطفال، ومهلكاً للأصحاء قبل المرضى والمصابين، ومدمراً للصحة العامة لجميع سكان قطاع غزة بلا استثناء.

الأوضاع في قطاع غزة اليوم غايةً في الفحش والسوء، ولا يمكن لإنسانٍ عاقلٍ أن يقبل بها ويرضى عنها أو يسكت عن معاناة أهلها، فالعدو الإسرائيلي يجوع ويعطش عامداً وقاصداً أكثر من مليوني مواطنٍ فلسطيني، ويحرمهم من كل شيء يلزمهم للبقاء على قيد الحياة، فلا ماء صالح للشرب ولا آخر يصلح للخدمة، ولا وقود يشغل المضخات والمولدات لاستخراج المياه الجوفية، ولا توريد للمياه من الجانب الإسرائيلي، وقد قام بردم الآبار وتدمير المحطات وتخريب الخزانات حتى لم يعد لدى سكان غزة شربة ماءٍ تبقيهم على قيد الحياة.

الحرمان من مياه الشرب يفوق بكثير حرمان المواطنين من كسرة الخبز ولقمة العيش، رغم أهمية الأخيرة وضرورتها، فالصحة العامة لسكان قطاع غزة تدهورت جداً وساءت كثيراً، وباتت أجسادهم نحيلة واهنةً ضعيفة، وأشكالهم محزنة كئيبة، وسحناتهم سوداء مريضة، وأشكالهم قد تغيرت، فبدا الصغير فيها كبيراً، والشاب كهلاً، والشيخ عجوزاً متهالكاً لا يقدر على شيء، وأصبحت حياة الأطفال مستحيلة، والحوامل والمرضعات قاسية، إذ لا يجدن ما يقيم أودهن ويحسن صحتهن، ليصبحن قادرات على تغذية أجنتهن أو إرضاع أطفالهن، إذ لا يجدن ما يكفي للحفاظ على صحتهن فضلاً عما يلزم لرعاية أطفالهن.

وقد أقدم العدو الإسرائيلي في الأسابيع الخمسة الأخيرة على منع المؤسسات الدولية والهيئات الخيرية من العمل في قطاع غزة، فحرم أهله من النزر اليسير الذي تقدمه لهم، ومنعها من إدخال ما يلزمها للمساهمة في إطعام الأطفال ورعاية النساء الحوامل والمرضعات، وكان قد قصف المخابز ودمرها، وحرم ما بقي منها وهي قليلة لا تكفي سكان قطاع غزة، من الطحين والوقود اللازم لتشغيلها، حتى غدا قطاع غزة كله بلا خبز بالإضافة إلى حرمانه من كل ما يؤكل أو يشرب، إذ بالإضافة إلى الحصار الخانق، فإنه يمنع كل أشكال الزراعة أياً كانت، ويدمر المزروعات ويحرق الأشجار، في الوقت الذي لا يستطيع المزارعون زراعة أرضهم أو رعايتها بسبب القصف المستمر والغارات الدائمة التي تستهدفهم وأرضهم ومحاصيلهم.

وقام بمحاربة “التكيات” والمطابخ الخيرية البسيطة التي دأبت الهيئات الخيرية وغيرها على القيام بها، وتقديم الطعام مطبوخاً بكمياتٍ قليلةٍ إلى أعداد كبيرة من السكان، في مختلف مناطق قطاع غزة حيث بات الجميع في حاجةٍ إلى القليل من الطعام والشراب ليبقوا على قيد الحياة، وإن كانت حياتهم قد أصبحت صعبة وقاسية، إذ لا يوجد عندهم من الطاقة ما يجعلهم قادرين على الحركة والتنقل وحتى الوقوف على أقدامهم.

العالم كله يرى ويشاهد الصور المنقولة من قطاع غزة، ويعلم تماماً أنها جريمة دولية ضد الإنسانية، وأن الكيان الإسرائيلي يقترفها عامداً ويصر على اقترافها علناً، ويرفض الكف عنها، إلا أنه يصمت ويسكت عن الممارسات الإسرائيلية غير الإنسانية بحقٍ شعبٍ بأكمله، يقتله جوعاً ويميته عطشاً، ويمارس ضده مختلف أنواع الجريمة، ولا يتوسل إليه لرفع الحصار وإدخال المؤن والمساعدات، بل يقسو على المحرومين، ويضغط على الجائعين، ويمارس القهر على العطشى والمرضى والمحتاجين، ليعلنوا استسلامهم، ويقبلوا نهايتهم، ويعترفوا للعدو بما يريده منهم، وبما عجز عن نيله منهم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة