*عرب إسرائيل *

بقلم: الإعلامي محمد السيد

تاريخ النشر: 23/03/24 | 17:34

كنت كغيري من العرب الذين يعيشون في إسرائيل أرفض تسمية “عرب إسرائيل” وأقدم نفسي كفلسطيني أو من عرب ٤٨ وتصل بي الجرأة ان أجاهر بهكذا مسميات في المحافل والرأي العام الإسرائيلي، على عكس غيري من الذين ينافقون بتسمياتهم ففي زيارات الدول العربية ومدن الضفة يركز على فلسطينيته وفي إسرائيل وخاصة الدوائر الحكومية وأهمها الخدماتية فلم يكتفِ بتسمية “عربي اسرائيلي” بل يقزم التسمية إلى الطائفية. هكذا كنا جميعنا وكانت ألسنتنا لم تتوقف عن توجيه الشتائم للحكومة وانتقاد سياساتها مستغلين هامش حريةٍ زائف منحته لنا سياسة الدولة العميقة التي لم تُحاسبنا على كلامنا بل وشجعتنا بطرق مختلفة على إطلاق العنان لإلسنتنا ضد سياسات الحكومات، وأفردت لنا المساحات في وسائل الإعلام الإسرائيلية للتعبير عن الرأي لما لذلك من أهمية لإظهار إسرائيل كدولة ديمقراطية تفسح المجال لكافة مواطنيها على اختلاف دياناتهم وقومياتهم لقول كلمتهم حتى لو كانت توجه أقسى العبارات للحكومة وسياساتها. وكانت لجنة المتابعة شغلها الشاغل إعلان الإضرابات على كل صغيرة وكبيرة وإقامة المظاهرات التي تتشقق فيها حناجر الخطباء الذين يكيلون الشتائم للحكومة والتي يقف على رأسها دون ان يحاسبهم أحد. وكان اعضاء كنيست إسرائيل العرب لم يتوقفوا عن الصراخ إلى درجة تحويل منبر الكنيست إلى مسرحيات هزلية وسخرية وألفاظ مؤلمة ضد زملائهم اليهود. كنا نكذب على انفسنا وعلى جمهورنا وعلى شعوبنا العربية وخاصةً شعبنا الفلسطيني ، إلى ان تم اكتشاف حقيقتنا بعد احداث السابع من اكتوبر ، في ذلك اليوم تنكرنا لكل شعاراتنا وصمينا آذاننا وأغمضنا عيوننا وبدأنا نتنافس على إظهار الولاء لإسرائيل التي تقودها اكثر الحكومات عنصرية ، ومنا من ذرفت دموعه تعاطفاً ، وأكثرنا وطنيةً سكت ولم يدلِ بتصريح ، كلنا وبدون ارغام اخترنا تسمية لطالما تنكرنا لها ، كلنا واقول كلنا أثبتنا اننا “عرب إسرائيل”، لأن الذي يرفض هذه التسمية لم يصطف منذ السابع من أكتوبر إلى جانب طرف بل اثبت بسكوته موافقته على ما تقوم به دولته التي يتمسك بهويتها وجوازها في حربها ضد غزة. منذ السابع من اكتوبر لم أكتب مقالاً واحداً إلا اليوم وتعطلت اقلام كافة زملائي من الذين اختاروا اليوم تسمية “عرب إسرائيل” عن كتابة المقالات “الجريئة” التي اكتشفنا اليوم انها أقرب إلى الجُبن والنفاق لأنها كُتبت في زمن الرخاء الذي لا نُحاسبُ عليه، واكتفينا باللجوء إلى التحليل وتبادل الأكاذيب وجَبُنَت قيادات العرب في إسرائيل عن التصريحات وتحول النائب العربي إلى عضو كنيست اسرائيلي او صهيوني واقلعت لجنة المتابعة عن ذِكرِ إعلان الإضراب بل وحَرَّمَت استخدام هذا النوع من الإحتجاجات وفرضت على نفسِها القيود الذاتية. هذا الصمت لن يدوم طويلا، فبعد ان تضع الحرب أوزارها وتنجح دولة “عرب إسرائيل” بدعم العالم كله تقريباً على إعادة نظام روابط القرى وهذه المرة فقط في قطاع غزة لأن الضفة روابطها متينة وقد تُشرفُ هي على غزة فالسباق بدأ نحو الأموال التي ستُضخُ لإعادة إعمار غزة، عندها سنرى قادة عرب إسرائيل تنطلق ألسنتهم من على منابر الكنيست الإسرائيلي ولجنة المتابعة ومن مقاطعة رام الله التي تُعتبر وُجهتهم للتصريحات الوطنية الخاوية. سيعودون إلى حقيقتهم المزورة ويتنكرون مجدداً لتسمية”عرب إسرائيل”وستُزلزِلُ منابر المساجد خطابات بعض الأئمةِ الذين كانوا يُعانونَ من بَحةٍ في حناجرهم وتعافوا منها اليوم، ستَصِلُ الجُرأةُ ببعض “الوطنيين” إلى المطالبة بمحاكمةِ إسرائيل دولياً ، وقد يستغل بعض أعضاء الكنيست العرب حصاناتهم لإبداعاتٍ جديدة تجعل الساذجين من الناخبين يجددون الولاء لهم ليعيشون في مسرحيةٍ اخرى ، وقد يُقدِمُ رئيس لجنة المتابعة على استغلال مناسبةٍ وطنيةٍ تبقيهِ على كرسيهِ الشبيه بكراسي العرب الذين نؤيد منهم من يمُدُنا بالمال ونُهاجم من يمنعه عنا. هكذا تحولنا إلى أبواق لتمرير أجندات، لكن بعض الأنظمة العربية لم تعد تحتاج ابواقنا لأنها باتت اكثر قرباً منا إلى “دولتنا”. فليعلم العالم ان قيادات العرب في إسرائيل أو بتعبيرٍ أدق معظمها أثبتت اليوم بلا أدنى شك أنها عربيةٌ اسرائيليةٌ بامتياز وأن موقف منظمة التحرير الفلسطينية برفض اللقاءات مع قيادات “راكاح” و”حداش” في مطلع السبعينيات باعتبارها اسرائيلية قد يتجدد ، فراكاح وحداش هما تسميتان صهيونيتان لأكبر الأحزاب العربية الإسرائيلية المتمثلة اليوم بالجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة والحزب الشيوعي الإسرائيلي اللذان خسرا السطوة والغطرسة التي اعتادا عليها وسقطت معاقلهم في معظم القرى والمدن العربية وكانت ضربتهم في مقتل تلك التي جرت في الناصرة بعد أن تهاوى عرشهم ، لكنهم وبفضل دعم سلطة رام الله تمكنوا من البقاء في رئاسة لجنة المتابعة دون إجراء انتخابات لها. والحركة الإسلامية التي تُعتبرُ امتداداً لحركة “الأخوان المسلمين” تعيشُ حالةً من الضياع بعد ان انشقت على نفسها فالتزم جناحٌ منها الصمت بعد اخراجها من القانون توطئةً لتحجيمها ، وانصهر جناحٌ في السياسة الإسرائيلية وبات قريبٌ منها كقرب الجبهة والحزب الشيوعي اللذان سبقاها إلى ذلك بعقود . هكذا عززوا تسمية “عرب إسرائيل” الكاتب: إعلامي فلسطيني وكاتب صحفي مختص بالشأن الإسرائيلي قانوني حاصل على اللقب الثاني.

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة