على شرفة حيفا وشرّ البليّة

جميل السلحوت

تاريخ النشر: 22/11/23 | 6:54

عن دار الرّعاة للنّشر والتّوزيع في رام الله، ودار جسور الثّقافيّة في عمّان، صدرت هذا العام 2023 مجموعة “على شرفة حيفا” القصصيّة للمحامي الحيفاوي حسن عبّادي، وتقع المجموعة التي تحوي 38 قصّة في 108 صفحات من الحجم المتوسّط.

عرفنا المحامي حسن عبّادي النّاشط في قضايا الأسرى، من خلال مشاركاته في أكثر من منتدى ثقافيّ. وها هو يخوض في هذ الكتاب في مجال القصّة القصيرة.

أثناء قراءتي للمجموعة توقّفت أمام العنوان “على شرفة حيفا”! وعندما رأيت ما كتبته السّيدة سهام عبّادي زوجة الكاتب المحاميّ على الغلاف الأخير:” من على هذه الشّرفة أطلقنا العنان لأفكار كانت حبيسة الموقف فصارت قصصا، منها ما أضحكنا ومنها ما أحزننا وأوجعنا، هذه القصص تحكي عصارة مرارة هذا الشّعب الشّقيّ.”

توقّفت ثانية أمام ضمير جمع المتكلّم ” أطلقنا العنان….”، فهل شاركت السّيّدة سهام زوجها في كتابة هذه القصص، أم اكتفت بطرح الأفكار، أم كانت تراجع وتدقّق وتنصح وتقترح؟ لكنّها في الأحوال كلّها ذكّرتني بمقولة “وراء كلّ رجل عظيم امرأة”. لكن قبل هذا وذاك ما المقصود ” بشرفة حيفا”؟ فالكاتب بالتّأكيد من حيفا، فهل يقع بيته على قمّة الكرمل أم على سفوحه؟ وهل لهذا البيت “شرفة” حقّا؟ وماذا تعني “شُرْفة”؟ وقد جاء في معجم المعاني الجامع:” أشْرَفَ الشيءُ: عَلاَ وارتفع

أَشْرَفَ على الْمَدينَةِ: اِطَّلَعَ عَلَيْها مِنْ فَوْقُ، أَيْ مِنْ مَكانٍ عالٍ

أشْرَفَ عليه: تولاَّه وتعهَّده

أَشْرَفَ الْمَكانَ : عَلاهُ.”

واقتران “الشّرفة” بحيفا له دلالات كثيرة، والمعنى في قلب الكاتب، أو كما كتبت زوجته عن هذه القصص:” أرجو أن تُفهم بقدر ما هي عميقة”! ورجاؤها هنا يضعنا أمام تساؤلات تبعدنا عن “الجمل التّفسيريّة” التي تُفسد أيّ نصّ أدبيّ، لكنّها تترك القارئ؛ ليفهم النّصوص حسب وعيه وثقافته.

وإذا عدنا إلى “القصص” الواردة في هذا الكتاب فإنّنا نجد أنفسنا أمام تساؤلات حول تصنيفها، فهل هي قصص أم حكايات أم تقارير إخباريّة؟ وفي الواقع فإنّها خليط من هذا كلّه، وإن كان يغلب عليها الفنّ الحكائيّ، وهذا ما وقع فيها الكاتب نفسه عندما ابتدأ الكاتب غالبيّة نصوصه بـ “كان وكانت”، وهذا من صفات الحكايات الشّعبيّة التي تبدأ بـمصطلحات مثل:” كان يا ما كان في سالف العصر وقديم الزّمان….”، ويعزّز هذا الرّأي أنّ عناوين بعض هذه النّصوص جاءت أمثالا أو أقوالا شعبيّة، والتي لم يخلُ السّرد منها أيضا، والّذي جاء انسيابيّا مشوّقا كما هي الحكايات الشّعبيّة، وطبعا هذا الرّأي لا ينتقص شيئا من قيمتها. لكنّه يقودنا إلى تساؤلات أخرى منها التّساؤل حول المصدر الذي استقى منه الكاتب نصوصه هذه منه؟ والإجابة على هذا السّؤال يؤكّد مقولة ” أنّ الكاتب ابن بيئته”، والكاتب المحامي حسن عبّادي ابن هذا الشّعب يعيش أفراحه وأتراحه ويحمل همومه، ومن هذا الواقع الاجتماعيّ بكلّ تعقيداته وتناقضاته استمدّ مضامين نصوصه، فصاغها بطريقته الخاصّة وهذا هو الأدب الواقعيّ. وإذا ما تساءل البعض عن الجديد في هذه النّصوص، فإنّنا نُذكّر بأنّ الأدب “هو ذاك الكلام المنمّق الجميل الذي إذ قرأه الجاهل ظنّ أنّه يُحسن مثله”. واللغة المباشرة التي تبتعد عن الغموض والتّعقيدات اللفظيّة لغة أدبيّة أيضا، وللتّذكير فإنّ المتنبّي شاعر العربيّة على مرّ العصور كانت لغته مباشرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة