نصائح أب لأبنه طالب العلم , بمناسبة بداية السنة الدراسية الجديدة

بقلم : يوسف جمّال - عرعرة

تاريخ النشر: 27/08/23 | 22:23

 

أمّا يا بني .. وقد بلغت من العمر سناً , تستطيع فيه أن تسبح في بحار العلم
والمعرفة .. وتستطيع بصنارتك وشباكك أن تصطاد بما يقدمه هذا البحر, من غذاء
للروح والجسم .. فخذ قاربي ومجدافي وصنارتي وشبكتي واقتحمه .. ولكن لا بدَّ لي
– يا بني – ان أضع في جعبتك بعض النصائح , لعلها تكون لك عوناً في خوضك
غمار هذا البحر:
النصيحه الاولى : تعلَّم من التاريخ .. تاريخ وطنك .
يا بني – لقد كان ميلادي في أيام سوداء قاهرة .. لقد فتحت عيني لأرى نور الشمس
فوجدته كان قد سُرق.. احتميت في حضن أمي , فسمعت دقات تنطلق من قلب
مكسور. لقد سرقوا مرعى بقرتنا “ست البنات” , وتركوها جائعة عاجزة عن ملئ
درتها بالحليب, كي تعوض جفاف ثديي أمي , اللذان ضمرا من ندرة الطعام , بعد
ان استولوا على القمحات , والعدسات , والبصلات .. نظرت الى وجه أبي, فقرأت
على الوديان والحفر والأخاديد المرسومة عليه , كلَّ أحاسيس القهر والظلم والعجز
والذّل والهوان.
.. وولدت هذه الدولة على أنقاض رضاعتي وطفولتي .. ولدت في الزمن المغتال.
أما أنت – يا ولدي – فقد أسعفك الحظ , ان ترى عيناك النور في زمن استطعنا فيه
نحن الذي بقينا في وطننا ان نرسو في قاع الوادي .. نمسك بأظافرنا المهترئة
بحجارته , كيّ لا يجرفنا تيّاره الجارف.
فيّا ولدي- خذ قدر ما تستطيع من أسباب العلم والمعرفة , فإنك ان ملأت عقلك منها
فان ثقلك سيزيد, ولا تستطيع تيارات وأمواج البحر, ان تجرفك وترميك في بلاد
المنافي والتشريد.
أما يا بني – وقد جاءت الدولة العبرية.. فصبغت كلَّ ما حولنا بأصباغ غريبة,
فقلبت الأسماء والمسميّات, وأصبحنا نشعر أننا غرباء في وطننا , فصارت الروحة
מנשה.! ,ومرج بن عامر יזרעל ! ,وحليب بقرتنا اصبح יוגרת! وفطير زعتر
أمي أصبح حراما علينا!

وحشرونا في صفوف لم نر فيها النور لا تدخلها الشمس, وعلمونا فنون العصا قبل
ان نتعلم فنون المعرفة, وأرسلوا لنا ألواناَ من المعلمين لا ينطقون إلا بما يقوله
السلطان, وذلك خوفاً على معاشهم ومعيشتهم, فأنشدنا مهللين لنعم دولتنا الفتية ,
ورقصنا على أنغامها الغريبة.
فتاريخنا معهم – يا بني – علّمنا دروساً وعبرّا, نستطيع بها أن
نعمِّق جذورنا في أعماق هذه الأرض , ونحمي ثمار فروعنا عليها
. وصيّتي الثانية .. أخرج من سجن التغريب .
يا ولدي – أخرج من سجن التغرِّب والتغريب ,التي تريد دولتنا العبرية نفيَّك فيها,
وامحَّ الألوان القاتمة الغريبة التي تريده الدولة ان تصبغ بها عيونك, وعد الى
الروحة ,ومرج بن عامر, والكفرين, وعكا ويافا, واصنع من زعتر بلادنا فطيرا
للروح والجسد, .غنِّ لجبالها وسهولها وهضابها ,ولنسمات وديانها. إخرج من
مناهجهم وابن لك منهجا جديدا , يكمل ما سطَّره أجدادنا ,على صفحات أراضيها
وسمائها.
إعرف- يا بنيَّ – أنّي أدعوك لتركب مركبا صعباً زاخراً بالمشاق
, ولكن هذا قدرك الذي ولدت فيه ومن أجله.
النصيحة الثالثة .. لا ” ترقص” على أنغامهم !
يا ولدي – قالوا أننا شعب بلا وطن, و نريد أن نقيم لنا دولة في وطن بلا شعب..
هكذا روَّجوا لجريمتهم في بقاع العالم.
هكذا علمّونا في المدارس. قالوا لنا في مناهجهم, وعلى لسان المعلمين الذين
اشتروا ألسنتهم بتهديد قطع الأرزاق.
ذبحوا أرواحنا, وأجبرونا على الرقص حول النار, وأدخلونا الى حلبة المصارعة,
نتصارع وندمي أجسامنا وأرواحنا .
فيّا ولدي – أخرج من منهاجهم, وطُفْ في أرجاء الوطن. واقرأ تاريخه المسطَّر
بأحرف من نور على شمسه التي لا تغيب, وعلى الجبال التي لا تركع, وعلى
السهول التي تنطق إخضرارا . زُرْ ضريح القسام وصلِّ ركعتين, واحفن قبضة من
تراب مرج بن عامر, واصنع منها خبزاً, فهي “مغمَّسه” بدماء الفلاحين ,الذين
خرجوا يدافعون عنه بالشاعوب.
وزُرْ بحر عكا, واجلس واستمع الى أمواجه, وهي تحكي سيرة الصيادين , الذين
دافعوا عن شاطئه, وكبِّر مع مآذن القدس, التي ارتفع منها نداء “النشاما” ,الذين هبوا
للدفاع عن أسوارها.

النصيحة الرابعة : تسلَّح لا تبكِ- يا ولدي – وأنت تقرأ وطنك,
فوطننا تشبّع بدموع البكاء, فهوتجلس معه وتستمع الى حكايا

بالعلم !

واعلم- يا ولدي – أنهم بالعلم والمعرفة استطاعوا أن يستولوا على الوطن. ويبنوا
دولة تصنع “عزَّها” وغناها من حجارة أنقاض بيوتنا ودمائنا المسفوحه. سلطّوا

علينا كشافات علمهم , فأعموا أبصارنا وشلّوا حركتنا.

فخذ – يا ولدي – بأسباب العلم والمعرفة قدر ما تستطيع .. لملمه من مصادر العلم
وأروقه المعاهد , إن البقاء في هذا العالم هو للأقوى علماً. وانغمس في شعاب
البحث العلمي , حتى تجد لك ولشعبك مكاناً في هذا العالم.
لقد تخلّفنا عن الركب, وابتعدنا عن قافلة الشعوب المتقدمة, وطالت واتسعت المسافة
,التي تفصل بيننا وبينهم.
ومن – يا ولدي- من غيرك وغير أبناء جيلك , سيُلحقنا بركب
الشعوب المتحضر .
النصيحة الخامسة : إبتعد :
ابتعد – يا ولدي – عن النار التي تشتعل في مجتمعنا العربي , مهددة بحرق الأخضر
واليابس ..
ابتعد عن شلالات الدم التي تغرقنا ..
ان قوة روحنا وعزمنا التليد ,الذي بنيناه وورثناه من جيل قادر على تخطّي المآسي
التي نمرّ بها .
أن شعبنا قادر على هذا بفضل جهودكم يا أبنائنا .
تشبّثوا بالأمل ولا تفقدوه .
أخاف أنه لم يبق لنا غيره .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة