إعادة توجيه

تاريخ النشر: 12/09/10 | 22:26

بقلم يوسف جمل

قرأت رسالة الأب الياس زحلاوي الموجهة إلى القسيس الأمريكي تيري جونز الذي دعا لحرق القرآن الكريم على نطاق العالم يوم الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) القادم ,هذه الرسالة تضمنت توجهاً  ودعوة لزيارة سوريا للوقوف عن كثب على التعايش بين الأديان وعلى الدور الذي يؤديه أمثال هذا القسيس في نشر المحبة والخير والتعايش بين المسلمين والمسيحيين بخلاف ما يدعو إليه هذا القسيس الأمريكي في زرع بذور الأحقاد والبغضاء والشر بخلاف ما يرتجى ويفترض أن يقوم به من جهد لحقن الشرور والعداوات ونشر المحبة والتسامح بين بني البشر بكونه رجل دين قدوته في ذلك المسيح عليه السلام .

ويؤكد الأب زحلاوي على الدور المفروض والمهمة العليا للدعوة الملحة للناس إلى التعايش في احترام ومحبة وتعاون بدلاً من الدعوة إلى تأجيج الأحقاد والتناحر . ويتساءل الأب زحلاوي في ما يريده تيري جونز من دعوته سوى المزيد من الأحقاد بين الشعوب التي يدعو إليها كل من في مصلحتهم استمرار الخلافات وإشعال نيران الكراهية وري بذور الشر بين بني البشر.

وتزامناً مع ذلك أطل علينا الراب عوباديا بتصريحات تندد بالعرب وبإشعال نيران الحقد والكراهية والمزيد من العداوة والقتل والتي لا يمكن أن تصدر من رجل دين آخر قدوته في ما ينادي به موسى عليه السلام , فالأنبياء رسل محبة وخير وتسامح وعفو وتعايش لأنهم يؤمنون بالله الذي هو العفو الرحيم الغفور, ولأنهم يعرفون حرمة دم الإنسان, وفي كل الشرائع ينادى بعدم القتل ويدعى إلى التفاهم والتنازل والعدل إيمانا بما تنادي به الأديان التي يقفون على رأسها كرجال دين شيوخ وكهنة وقساوسة.

لقد وجدت في رسالة الأب زحلاوي الجواب الشافي أيضاً للراب عوباديا فاستحسنت أن أنقلها وأعيد توجيهها إليه ببعض التصرف الذي لا يغير في المضمون فأتوجه إليه قائلاً :-

هل تراك استسلمت لأسرائيليتك بدلاً من أن تستسلم ليهوديتك ؟؟؟

ما الذي تريده من دعوتك هذه ؟؟

أن تؤجج مزيدا من الأحقاد بين الشعوب ؟

وهل في ذلك ما ينسجم مع موسى عليه السلام الذي تمثله في نظر نفسك ونظر الكثيرين ؟؟؟

قل لي هل في شخصية موسى عليه السلام وفي كلامه وفي سلوكه وفي مواقفه كلها ما يبرر إن من قريب أو من بعيد مجرد التلميح إلى نفور ما أو حقد ما أو بغض مابين الناس جميع الناس ؟؟؟

أونسيت أن موسى عليه السلام كان في كليته محبة وغفران وسلام وهو نبي لله الذي خلق كل البشر ؟

أو نسيت أو تناسيت أن موسى عليه السلام عندما كان يدعو الناس كانت رسالته رسالة من عند رب واحد لا يرضى بالظلم ولا بالعنف ولا بالقتل ولا بالأحقاد والكراهية فمن تراك تمثّل ؟ ومن تراك تريد أن تهدي بدعوتك تلك؟؟

أما كفى ما جرى ويجري من قتل وتدمير وتشريد وتجويع لمئات الملايين من الناس في شتى أرجاء الأرض بدءا من فلسطين وثم العراق وأفغانستان والبوسنة هذا بالإضافة إلى المصائب والزلازل والفيضانات والفقر والجوع والأمراض التي تحل ببشر مثلك لا تملك من تفضيل عليهم عند الله لأنك بشر وهم بشر مثلك على الأقل .

ألا ترى معي أنك بدعوتك تلك برهنت على غربتك الحقيقية عن موسى وعلى حاجتك الملحّة إلى إعادة اكتشافه من جديد كي تكون رجل دين حقا يدعو بنهج عيسى وموسى ومحمد عليهم أفضل الصلاة والسلام للمحبة الشاملة وللاحترام التام لكل إنسان وللالتزام الكامل بتعاليمهم الرائعة التي تدعو جميع المؤمنين به دون استثناء وإلى الوقوف دائما في صف الفقراء والمظلومين والمحرومين ؟؟ ونشر العدل ومساندة الضعفاء وسد رمق الجائعين والعطاشى وذلك على الأقل من باب أن أحداً منا لا يضمن البقاء في منصبه ووظيفته وعندها يرى ما الدور العظيم الذي ضيعه , وكذلك لأن أحداً منا لا يضمن استمرار قوته وهيمنته وسيطرته وفي الشعوب الغابرة لك ولنا عبرة  وكذلك لأن أحداً منا لا خلود له في هذه الدنيا وسيسأل عن ما كان يعمله وعن ما كان يدعو إليه وسيحاسب عليه حساباً دقيقاً عسيرا.

الراب عوباديا يوسف .

هل لك أن تقول لي بكل صدق لو جاء موسى اليوم في صف من تراه سيقف ?!

أفي صف الأقوياء المتغطرسين الظالمين الذين يهيمنون على العالم وينهبون خيراته دون شبع ويستبيحون القوانين والمعاهدات الدولية كلها ويقتلون الناس في أوطانهم ويدمرون البيوت فوق أصحابها ويشردونهم في أرجاء الأرض؟؟؟

أم سيقف في صف هؤلاء المظلومين والمحرومين والجياع والمشردين ؟؟

وهل تراك نسيت ما سيقول موسى نفسه في يوم الدين وعيسى ومحمد وكل الأنبياء عن الظالمين والمجرمين والقتلة والسارقين والمحرضين والذين يدعون إلى الشر وينادون بالتفرقة والاستعباد وأكلة حقوق الغير وكلهم كانوا رسل خير ولم يكن في رسالاتهم توجهاً واحداً للشر ولم يبح أحدهم الزنا والكذب والقتل ولم ينادي بالكراهية والظلم والاستبداد لأنها رسالات سماوية من عند رب لطيف رحيم.

لقد جاء الصوم والصلاة والزكاة والصدقات والرفق والتسامح والصبر والبذل في كل الأديان متناغماً مع باب الخير فلا يصوم أو يتصدق أو يصبر أي بشر منا قاصداً بذلك أبواب الشر ولا داعماً لسلب أو نهب أو قتل بل طاعة لرب قادر سميع بصير , أشار فقط إلى انتماء كل إنسان إلى بني البشر جميعا وإلى وقوفه مع المحرومين والمستضعفين والمظلومين في الأرض.

فما بالك أنت الراب اليهودي الذي يؤمن برب واحد وبرسالة موسى تحث وتدعو وتنادي بالقتل وسفك الدماء والظلم وتنشر العداوة بين بني البشر مع أنه كان من باب أولى بكونك زعيما ورجل دين أن تقف في وجه الظلم وتحارب الظالمين مهما كانوا ومهما كانت قومياتهم أو أديانهم أو انتماءاتهم والذين امتد ظلمهم حتى شمل العالم ؟؟؟؟

ألا تخشى المثول أمام الله في يوم الدين وأنت مثقل بما يثقل ضمائر أمثالك الذين أعمتهم آلهة السلطة والمال والقوة والتخمة ؟؟

هل تراني أظلمك إن رأيت أن نقمتك على الإسلام هي التي تبرر دعوتك المستهجنة تلك إلى قتل العرب والمسلمين وإبادتهم ؟؟

ولكن دعني أسألك ماذا تعرف عن العرب والإسلام ؟؟

يبدو لي أن في خلفية دعوتك من الجهل بموسى وبالديانة اليهودية الحقة  ما يحملني على الاعتقاد بجهلك بالإسلام والمسلمين وبالعرب عامة مسلمين ومسيحيين ؟؟؟

ويكفيك خطأ التعميم الديني والعرقي على جميع من ينتمي إلى العروبة والى الإسلام وحتى لو كان فيهم من لا يتماشى مع رؤيتك في نهجه وعداوته ودعوته إلى مثل ما تدعو إليه فهذا لا يبرر حكمك على الكل بالتعميم ولا يمكن أن يكون حكماً عادلاً أو منطقياً كرجل دين يفترض أن يكون من ضمن ما يضع نصب عينيه العدل وتحريم الظلم لأن الله جل جلاله حرم الظلم على نفسه ولن يظلم ربك أحداً.

صدقني ليس في نيتي أن أدينك وليس في نيتي البتة أن أدخل معك في أي سجال ديني سواء منه ما يتناول المسيحية أو الإسلام أو اليهودية إنما دعني أقترح عليك عملا تقوم به يجعلك رمزا بأن تكون رسول محبة للبشرية وصوت خير وميزان عدل وصدق كالعديد من بني البشر الذين حملوا على عاتقهم لواء السلام من مسيحيين ويهود ومسلمين بل أيضاً ممن ينتمون إلى ديانات أخرى قاموا وعاشوا وماتوا على نداء الرب بالخير والمحبة والسلام .

حملوا رسالات وبذلوا كل ما استطاعوا لتقريب القلوب وحقن الدماء وإسعاف الجرحى وإطعام الجائعين وسد رمق المحتاجين وظلت أسماؤهم محفورة في القلوب وفي صفحات التاريخ المشرقة ونالوا رضى الله بسعيهم إلى كل ما عملوا احتراماً وطاعة للخالق الذي لا يرضى بظلم البشر ولا بظلم بشر لبشر .

أدعوك بهذا لمد يد الخير وستجد لك في كل مكان في هذا العالم من يسارع إلى التكاتف والتعاضد لبداية طريق طويل ومشرق معاً وما أحوج العالم اليوم إلى طرق مشرقة !

تعال فطريق الخير والمحبة والسلام في انتظارك.

 

‫2 تعليقات

  1. اخي الكريم حياك الله وحيا نباك, وكل عام وانت بخير وعنوان العطاء.
    كل الاحترام لك يا استاذي على مقالاتك الاجتماعيه الهادفه, وجزاك الله خيراً يا ابن الاجاويد.

    مجتمعنا العربي في هذه البلاد يعاني من تدهور خطير وازدياد العنف ومن شلال الدم الغير مبرر.

    واجب المجتمع بكل مؤسساته وعناصره ان يضعوا نصب اعينهم هدفاً واساليب جديده وعديده لحل جميع القضايا المتنازع عليها.

    هيا بنا اخوتي نغرس في نفوسنا القيم الانسانيه ونتحلى باخلاق حميده مع العدل, الخير, المحبه, الغفران, السلام والتسامح ضد الظلم والتعصب.

    انني ادعو من خلال موقع بقجه الاخوه المتعلمين والمثقفين, ورجال الدين مالكي اللغه والمعرفه والتجربه للكتابه ليرشدوا الجميع الى الطريق الصحيح.

  2. بارك الله بك استاذ يوسف على هذا المقال الذي يجسد واقعا مأساويا نعيشه وسط اناس يطلقون من افواهم كلمات جوفاء عنصرية مليئة بالحقد والكراهية وممن… من رجل دين !!! بينه وبين الدين فجوة عميقة حيث ان جميع الأديان كما قلت تدعو للتسامح واحترام الغير والمحبة وهو يدعو للظلم ويستهين بالأخرين…فويل لكل صاحب رسالة يخونها..!!!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة