قصة قصيرة: خبر صحفي

ميسون أسدي

تاريخ النشر: 05/11/22 | 11:22

كان ذلك في صبيحة يوم الثلاثاء من أيام شهر تشرين الأول، حيث تساقطت أوراق الأشجار العالية وصنعت ركامًا جميلا على نوافذ مبنى صحيفة “البستان”. جلس عبد اللطيف صاحب الفكر المتوقد والفكاهة اللاذعة، يراجع ويحرّر المواد التي وصلت لصفحته الأدبيّة التي تصدر في عدد يوم الجمعة. فجأة علا صوته وقال: من أين جاء هذا الخبر؟ فدنت منه سكرتيرة التحرير ونظرت إلى الخبر في غمضة عين، ثمّ قالت: هذا الخبر من الشاعرة أمل النافع.
فقال عبد اللطيف: ماذا أصابها، هل جنّت، كيف وصلت إلى هذا المستوى؟
******
مفاد الخبر: تخريب ندوة شعريّة للشاعر الفلسطيني أدهم جمال، بعد تدخّل جهات سياسيّة خارجيّة لعرقلتها. جرت الندوة في معهد التربية للآداب والفنون بحضور ما يقارب سبعين شخصًا، وتدّعي أمل النافع، أن التدخل كان بصياغة ونوعية الأسئلة الموجهة للشاعر بغطرسة وعجرفة.
كان عبد اللطيف يعرف جيّدًا من يدير هذا المعهد ومستواه الثقافي العالي ومدى نجاح كل فعّالية أدبيّة أو فنيّة يقوم بها بعيدًا عن السياسة.
على الفور، قام بالاتصال بالمسؤول عن الندوات الفنيّة والأدبيّة في المعهد، وبعد الاستفسار عن الحدث، قام المسؤول بإسماع عبد الطيف عشرات الرسائل الصوتية والكتابية التي أرسلتها الشاعرة أمل النافع إلى البروفسور عماد، الذي يترأس الفعاليات الأدبيّة في المعهد، بعد أن اغلق كلّ خطوط الاتصال في وجهها ورفض الاستماع إلى رسائلها أو قراءتها حتّى لا يرد عليها بنفس مستواها. معظم الرسائل تبدأها بـ “أيّها الوغد الحقير”. ليس هذا فحسب، بل وصلت منها رسالة إلى إدارة المعهد تشكو بها تصرفات هذا البروفسور الجلف الذي عمل على إفشال أمسيتها باستضافة الشاعر الفلسطيني الذي تعشقه عشقًا جمًّا، وادعت برسالتها أن هناك جهة اخرى تدخلت ومنعت حضور المشاركين للندوة وادعت أيضًا، بأنّ هذا البرفسور قد تحرّش بها جنسيّا في اليوم الذي دعته إلى الغذاء على حسابها الشخصي عند التحضير لهذه الندوة، وغيرها من الاتهامات بحقّ هذا البروفسور.
*****
أوضح المسؤول ما جرى قائلا: اتصلت أمل النافع بالبروفسور عماد لأجل عقد ندوة لهذا الشاعر الفلسطيني ورحّب بالفكرة شرط أن يقرأ كتبه ويرى إذا كان يستحق بحق دعوته لندوة في المعهد. وفعلا، بعد أن اطلع البروفسور على كتب الشاعر، اشاد به وبحق أنه جدير بالندوة في المعهد. سألته أمل النافع:
– كم عدد الأشخاص الذين يمكنهم المشاركة في الندوة؟
– ممكن حتّى ألف شخص، فالقاعة كبيرة جدًّا.
– ألف شخص قليل، فالشاعر يستأهل آلاف من المشاركين، له الكثير من القرّاء والمعجبين في العالم العربي.
من جهتي سأدعو أعضاء المعهد وعددهم ستون شخصًا. وبإمكانك دعوة أصدقائك ويمكن للشاعر دعوة اصدقائه.
أضاف المسؤول: في يوم اللقاء، افتتح البروفسور عماد الندوة، مرحّبًا بالضيوف واعطى المدعوّة أمل النافع الحق بأن تلقي كلمة تعريف عن الشاعر وانجازاته، ثمّ أدار البروفسور الندوة بطلاقة ومهنية. وهو المعروف كصاحب باع طويل بإدارة مثل هذه المناسبات، ولكن أمل النافع كانت تتدخل في كل شاردة وواردة، تنتقد البروفسور، وتعدّل اسئلته وتصحّحه محاولة أن تدير الندوة بدلا منه. كانت متسلطة تسلطًا لا يطاق، فأسكتها عدّة مرّات بطريقة أدبيّة، ولكنها أخذت بين الفينة والأخرى، خلال الندوة تكتب له ملاحظات لهاتفه: “لا يحق لك بان تسأل هذا السؤال”، “هذا السؤال ليس في محلّه”، “اختصر بحديثك أيها البرفسور”، “اعطِ فرصة للضيف ان يحكي أكثر”.
كانت مستبدّة استبدادًا أحمق لا يطاق. امطرت البروفيسور بوابل من الملاحظات خلال الندوة حتّى ضاق بها ذرعًا، ولاحظ جميع المشاركين بأنّها تحاول السيطرة عل مجرى الأحداث ولكن البرفسور لم يسمح لها. وما أن انتهت الندوة حتّى قام البرفسور بإغلاق كل جهات الاتصال بها وودّع ضيوفه وفرّ هاربًا من أمامها.
لم يرد على أي من رسائلها أو اتصالاتها، لكنها لم تتركه لحاله، بل زادت على ذلك بأن كتبت رسالة مطولة للقيمين على معهد التربية للآداب والفنون عبّرت عن استيائها من الندوة بكلمات لاذعة ومهينة، موضحة بأنّ جهات خفية عملت على إفشال الندوة ومنع الحضور من المشاركة، ووجّهت اتهامات عديدة وقحة لا حياء فيها ضد البروفسور وضد معهد التربية للآداب والفنون الذين يسمحون لشخص كالبروفسور عماد أن يتولّى منصبًا ليس جديرًا به.
*******
سأل الصحفي عبد اللطيف: وماذا فعلت إدارة المعهد؟
تمّ استدعاء البرفسور إلى جلسة استماع في المعهد ليرد على اتهامات أمل النافع وليدافع عن نفسه. فقال البروفيسور عماد:
– أنا التزمت بأن يشارك أعضاء المعهد في الندوة وفعلا شاركوا، ومن طرف الشاعر وطرف أمل النافع شارك تسعة فقط وهذا كان كل الحضور. توقّعت أمل المئات وهذا لم يحصل للأسف… ثمّ شرحت أمل النافع وجهة نظرها. بدت امامهم مصحوبة بنوبات هستيريا. لم يصدّقها أحد من اعضاء اللجنة المستمعين إليها.
لم يصدّقوا أعضاء الإدارة روايتها، بأن البروفسور حاول التحرّش بها، فقد سمعوا نفس الادعاء الذي قدّمته في أماكن أخرى من أجل الانتقام من أشخاص معينين. والبروفسور رجل ذو سيرة حسنة جدّا في الجامعة، صموتًا، لا عن شك وحذر، ولا عن خجل أو وجل، ولا عن تجهم بالطبع والمزاج، بل لأنه انسان يفيض قلبه حبّا للبشر، ونفسه مشتاقة إلى نور الحب ضد ظلمات الكره والبغض. وللشاعرة الكثير من الاعداء بسبب تهم وجهتها لهم في السابق وكلهم شهدوا لصالح البروفسور وضدها… لخصت اللجنة اقوالها بعد ان استمعت اليهما وبرأت ساحة البروفسور.

*******
بعد ان استمع الصحفي عبد اللطيف للتوضيح من المسؤول، أمسك بالخبر ومزقه ورماه إلى سلة المهملات. التفت إلى سكرتيرة التحرير وأخبرها بما حدث. فجأة، تذكرت سكرتيرة التحرير بأنّه كان لأمل النافع قصة مشابهة في الجريدة قبل عدّة سنوات، حيث تمّت دعوتها للتطوع والمشاركة باستقبال وفد شعراء أجنبي يزورون البلاد والقت كلمة باسم شعراء بلادنا، واستغربت هيئة التحرير بأنها طلبت بغطرسة خبيثة وعنجهية شيطانية مبلغا ضخمًا مقابل محاضرتها.
في ذات اليوم، خلال تفحّص عبد اللطيف لوسائل الاعلام الالكترونية وجد ان الخبر قد عمم ونشر في عدّة مواقع الكترونية.
*******
بعد مضي عدّة أشهر على هذه الحادثة، تفاجأ البرفسور بحضور أمل النافع لمعهد التربية للآداب والفنون للمشاركة في مؤتمر هو يترأسه، فاعتقد في البدء بأنّها ستكون مستمعة في إحدى حلقات المؤتمر، ولكنّها اقتربت منه ومدّت يدها لتصافحه وكأن شيئًا لم يكن، فقام بالمثل. تفاجأ أكثر بانّها جلست بين الحضور لتستمع إليه شخصيّا. وفي استراحة الغداء جلست على طاولة قريبة منه، محاولة بذلك التقرّب منه لغاية في نفسها، لكن البروفيسور أدار لها ظهره، فهو ما زال يتذكر كلماتها إليه: “ايها الوغد الحقير”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة