وقفات مع كتاب: الشرح الوافي للتفعيلات والقوافي (2) / تأليف: يوسف أبو خيط- الطِّيرة

بقلم: الشَّاعر العَروضي محمود مرعي

تاريخ النشر: 09/09/22 | 15:43

كلام الـمؤلِّف بين مزدوجين (())

سأدع التَّدقيق الإملائي والنَّحوي إِلى نهاية حلقات الرَّدِّ لكثرتها.

أعترف أنَّني عَلى امتداد مطالعتي في العَروض الَّتي تمتدُّ ثلاثة عقود ثُمَّ تخصُّصي
فيه، لـم أقرأ عبثًا
في علم العَروض كَهٰذا الكتاب، والَّذي لـم أجد- بعد قراءته- أنَّ مؤلِّفه يمتلك معرفة
تؤهِّله
للخوض في علم العَروض، ولا يعدو الكتاب أن يكون لشخص هاوٍ لـم يحالفه الحظُّ
ففشل فشلًا
ذريعًا، ومنذ بداية الكتاب أدركت أنَّ الـمؤلِّف وضع العربة أمام الحصان وحاول
السَّير، ولأنَّ
الحصان يجرُّ العربة ولا يدفعها فقد اختلط الأمر عَلى الـمؤلِّف، فجاء بشرح القوافي
بداية
الكتاب، وحقُّه أن يكون في آخر الكتاب، وجاء بشرح الزِّحافات والعلل في آخر
الكتاب وحقُّه أن
يكون في بداية الكتاب قبل شرح البحور والأوزان، أضف إِلى ذٰلِكَ ما وقفتُ عليه
من أخطاء
فاضحة في شرحه للأوزان، لا يقترفها من كانت له خبرة في علم العَروض،
فالـمؤلِّف يكتب في
العَروض ويُنَظِّر، وحين يكتب القصيد يكسر أوزانه ويخلط الأوزان ببعضها، ولا
يفعل شاعر خبر
الأوزان مثل هٰذا الفعل.

2

أقول لكِّل مؤلِّف: وقت الامتحان يكرم الـمرء أو يهان، ولن يفيدك لو مدح أهل
الأرض جميعًا كتابك، بينما حين نقرأه نجده عكس ما كتبوا عنه.

نتابع مع كتاب (الشرح الوافي للتفعيلات والقوافي)، ونقف عند حديث الـمؤلِّف عن
الخليل بن أحمد، رحمه الله، وقد وجدنا الـمؤلِّف لـم يفعل أكثر من نقل معلومات، لا
يعزوها إِلى مصادر، مع أنّ جزءًا منها منقول عن موقع (ويكيبيديا) وهو موقع دائم
الحتلنة في معلوماته والإضافة، والنَّقل غير ممنوع، لٰكِنَّ الأمانة العلميَّة تفرض
الإشارة إِلى الـمصدر، فليس الكلام من بنات أفكار الـمؤلِّف، ونشير إِلى أنَّ ما
نقتبسه من مادَّة الكتاب لن نتدخَّل فيه ضبطًا وتشكيلًا، وقد يأتي اقتباس طويل،
ونلتمس العذر من القارئ، فالمؤلِّف يكتب بطريقة عشوائيَّة غير منظَّمة، ونبدأ:
((من هو الخليل بن أحمد الفراهيدي؟
الخليل بن أحمد الفراهيدي البصري (100هـ 170هـ – 718م 786م)
عربي من الآزد، ولد في عُمان وتوفي في البصرة.
قال تلميذه النضر بن شميل: "أقام الخليل في خص له بالبصرة، لا يقدر على فلسين،
وتلامذته يكسبون بعلمه الآموال".
تلقى العلم على يديه العديد من العلماء الذين أصبح لهم شأن عظيم في اللغة منهم:
سيبويه، والليث بن المظفر الكناني، والآصمعي، والكسائي، و…
الخليل بن أحمد من أهم علماء المدرسة البصرية، ومؤسس علم العروض، وواضع
معجم العين للعربيّة، له كتب "معاني الحروف"، وجملة آلات الحرب والعوامل
والعروض والنقط.
قام بتغيير رسم الحركات التي كانت التشكيلات على هيئة نقاط بلون مختلف عن
لون الكتابة، ليتمكن القارئ من التمييز بين تنقيط الحركات وتنقيط الإعجام، فجعل
الفتحة ألفاً صغيرة مائلة فوق الحرف، والكسرة ياءً صغيرة تحت الحرف، والضّمّة
واوا صغيرة فوقه.
أما إذا كان الحرف منونًا كرر الحركة، ووضع شينًا غير منقوطة للتعبير عن الشدة،
ووضع رأس عين للتدليل على وجود الهمزة وغيرها من الحركات كالسكون،
وهمزة الوصل، وبهذا يكون نظامه قريباً من نواة النظام المتبع اليوم.
قيل أنه ينتسب إلى فرهود بن شبابة بن مالك بن فهم ومالك بن فهم، أحد ملوك عمان
قبل الإسلم بألفي عام تقريبً ا، بعد حادثة سيل العرم على قوم سبأ)).
الفقرة الأخيرة (قيل إنَّه…) مكانها بعد الفقرة الأولى في الـمقتبس (عربي من الأزد،
ولد في عُمان وتوفي في البصرة). هكذا ينتظم سلك الكلام، ثُمَّ بعض الـمقتبس زائد
وليس مكانه في كتاب في العَروض، ويكفي التّعريف بالخليل (قام بتغيير رسم
الحركات التي كانت التشكيلات على هيئة نقاط بلون مختلف عن لون الكتابة،

3

ليتمكن القارئ من التمييز بين تنقيط الحركات وتنقيط الإعجام). هٰذِهِ الـمعلومة كافية
وما زاد بعدها يمكن للقارئ البحث عنه.
ذكر الـمؤلِّف أَنَّ للخليل كتبًا، ولم يقل (من كتبه)، أي إنَّه حصر مؤلَّفات الخليل فيما
ذكره: (معجم العين، "والصَّحيح إنَّه أوَّل معجم عالميٍّ، وليس عربيًّا فقط/(م.
م)"،معاني الحروف، وجملة آلات الحرب والعوامل والعروض والنقط/ الصَّحيح
النَّقط والشَّكل/م.م)، وقد فات الـمؤلِّف ذكر عدَّة أسماء مؤلَّفات إضافيَّة للخليل، كتاب
النَّغم، كتاب الإيقاع، الـمنظومة النَّحويَّة قاربت 300 بيت، وتمَّ تحقيقها في كتاب،
كتاب العَروض وهو جزءان: الفرش والـمِثال، وفيهما عَروض الخليل وبسط
نظريَّته في العَروض، وقد كان أحدهما في قصر أحد الأمراء في الأندلس، وكان
الجواري يتلهَّونَ به، وأحضر الجزء الثَّاني من الـمشرق عبَّاس بن فرناس، وقد كان
الجزءان بحوزة ابن عبد ربِّه الأندلسي واختصرهما، وهو يذكر ذٰلِكَ في العقد الفريد
(ج6 كتاب الجوهرة الثَّانية، وفيهما البحر السَّادس عشر الـمتدارك، وقد أبقى ابن
عبد ربّه في شرحه العروض اسمي الفرش والـمثال عناوين في كتابه ولم يغيِّرهما،
واتَّهم الخليل بالخروج عَلى أوزان العرب لأنَّه أثبت الـمتدارك). يذكر ابن عبد ربِّه
أَنَّهُ نظر في كتاب الخليل في العَروض واختصره، فيقول في بداية (كتاب الجوهرة
الثَّانية/ في أعاريض الشِّعر وعلل القوافي): " فأكملت جميع هٰذِهِ العَروض في هٰذا
الكتاب- الَّذي هو جزآن، فجزء للفرش وجزء للمثال- مختصرًا مبيِّنًا مفسِّرًا؛
فاختصرت للفرش أرجوزة، وجمعت فيها كُلّ ما يدخل العَروض ويجوز في حشو
الشِّعر من الزِّحاف [….] واختصرت الـمثال في الجزء الثَّاني في ثلاث وستِّين
قطعة، على ثلاثة وستِّين ضربًا من ضروب العَروض، وجعلت الـمقطَّعات رقيقة
غزلة، ليسهل حفظها على ألسنة الرُّواة؛ وضمَّنت في آخر كُلِّ مقطَّعة منها بيتًا قديمًا
متَّصلًا بها وداخلًا في معناها من الأبيات الَّتي استشهد بها الخليل في عروضه،
لتقوم به الحجَّة لـمن روى هٰذِهِ الـمقطَّعات واحتجَّ بها" (العقد الفريد: 6/233). وفي
موضع آخر بعد تمام الدَّوائر قال " وقد أكملنا في هٰذا الجزء مختصر الـمثال في
ثلاث وستِّين مقطَّعة، وهي عدد ضروب العَروض «لاحظ قوله "مختصر الـمثال"،
أي أَنَّ الـمثال كتاب مستقلٌّ قد اختصره/م. م»، والتـزمنا فيها ذكر الزِّحاف والعلل
الَّتـي يقوم ذكرها في الجزء الأوَّل الَّذي اختصرنا فيه فرش العَروض «هنا أَيْضًا:
اختصرنا فيه فرش العَروض، وهو إقرار أَنَّ الفرش وَالـمثال ليسا له بل
اختصرهما/م. م»، ليكون الكتاب مكتفيًا بنفسه لـمن قد تأدَّى إليه معرفة الأسباب
والأوتاد ومواضعها من الأجزاء الثَّمانية الَّتي ذكرناها في مختصر الفرش. واحتجنا
بعد هٰذا إلى اختلاف الأبيات الَّتي استشهد بها الخليل في كتابه، لتكون حجَّة لـمن
نظر في كتابنا هٰذا؛ فاجتلبنا جملة الأبيات السَّالـمة والـمعتلَّة وما لكلِّ شطر
منها"(العقد الفريد: 6/287).

وينقل السُّيوطي (849- 911 هـ/ 1445- 1505م) قول الزُّبيدي في الخليل "ثُمَّ
ألَّف على مذهب الاختـراع وسبيل الإبداع كتابي الفرش والـمثال في العَروض؛

4

فحصر بِذٰلِكَ جميع أوزان الشِّعر، وضمَّ كُلَّ شيء منه إلى حيِّـزه، وألحقه بشكله،
وأقام ذٰلِكَ عن دوائر أعجزت الأذهان، وبهرت الفطن، وغمرت الألباب"( تاريخ
علماء الأندلس: 1/82).

ويذكر السَّخاويّ (831 – 902 هـ/1428- 1497م) في ترجمته لـمحمَّد بن بهاء
الدِّين السُّنْقُريّ أَنَّهُ "قرأ على عبد القادر بن شعبان إمام جامع أصلم: الكافي في
العَروض والقوافي، والخزرجيَّة وغيـرها من كتب العَروض، والفرش للخليل،
ومختصره لابن عبد ربِّه"(الضَّوء اللَّامع: 7/206). ويذكر ابن عبد ربّه نظره في
عروض الخليل واختصاره له:

"فَلْسَفَةُ الخَليلِ في العَروضِ.. وَفي صَـحيحِ الشِّعْرِ وَالـمَريضِ

وَقَدْ نَظَرْتُ فيهِ فَاخْتَصَرْتُ.. إِلى نِظامٍ منهُ قَدْ أَحْكَمْتُ

مُلَخَّصٍ مُخْتَصَرٍ بَديعِ.. وَالبَعْضُ قَدْ يَكْفي عن الجَميعِ" (العقد الفريد: 6/ 240).

أمَّا الـمُتدارك عند الخليل، فيقول ابن عبد ربِّه بعد أن اطلَّع على الـمُتَدارِك في
عَروض الخليل وخالفه بإقصائه، لِأَنَّهُ يشير إلى إثبات الخليل له:

"وَبَعْدَها خامِسَةُ الدَّوائِرِ.. لِلْمُتَقارِبِ الَّذي فِي الآخِرِ

يَنْفَكُّ منها شَطْرُهُ وَشَطْرُ.. لَمْ يَأْتِ فِي الأَشْعارِ منهُ الذِّكْرُ"(العقد الفريد: 6
/251).

والـمتدارك يقع في الدَّائرة الخامسة مع الـمتقارب.

ويتابع ابن عبد ربّه:

"هٰذا الَّذي جَرَّبَهُ الـمجَرِّبُ.. من كُلِّ مـا قالَتْ عَلَيْهِ العَرَبُ

5
فَكُلُّ شَيْءٍ لَمْ تَقُلْ عَلَيْهِ.. فَإِنَّنا لَمْ نَلْتَفِتْ إِلَيْهِ

وَلا نَقولُ غيـر مـا قَدْ قالوا.. لأَنَّهُ من قَوْلِنا مُحالُ

وَأَنَّهُ لَوْ جـازَ فِي الأَبْياتِ.. خِلافُهُ لَجازَ فِي اللُّغاتِ

وَقَدْ أَجازَ ذٰلِكَ الخَليلُ.. وَلا أَقولُ فيهِ ما يَقولُ

لأَنَّهُ ناقَضَ فِـي مَعْناهُ.. وَالسَّيْفُ قَدْ يَنْبو وَفيهِ ماهُ

إِذْ جَعَلَ القَوْلَ القَديِمَ أَصْلَهُ.. ثُمَّ أَجازَ ذا وَلَيْسَ مِثْـلَهُ" (العقد الفريد: 6 /251).

ونتابع مع المؤلِّف في تعريفه العَروض:

((العَروض
تعريف علم العروض: هو العلم الذي يبحث في أوزان الشعر وقوافيه، وقد وضعه
الخليل بن أحمد الفراهيدي، قياسًا على ما ورد في شعر العرب الأقدمين، الذين
عاشوا في عصر الإستشهاد.
فوائد علم العروض: – ابراز على قراءة جيدة.

– يساعدك على حفظ الشعر وضبط روايته.

– يساعدك على ضبط المفردات والتراكيب، وتوجيهها توجيهًا من خلال ضبطها.

– يصقل الموهبة الشعرية)).

6

لـم يذكر الـمؤلِّف سبب تسميته العَروض، أمَّا القول الرَّاجح في هٰذا فلأَنَّ العَروض
أحد أسماء مكَّة الـمكرَّمة، شرَّفها الله، وقيل إنَّ الخليل أُلهمه فيها، وكما تعرض
ذنوب العباد في مكَّة في الحجِّ والعمرة، كَذٰلِكَ يعرض الشِّعر عَلى العَروض ليتبيَّن
صحيحه من مختلِّه، والعروض غير متعلِّق بالقوافي، فهو علم الأوزان، أمَّا القوافي
فعلم آخر وكلاهما اقترنا ببعض لتعلُّقهما بالشِّعر، وليسا نفس الـموضوع، لِذٰلِكَ
فتعريف المؤلِّف (هو العلم الذي يبحث في أوزان الشعر وقوافيه) تعريف خطأ.

كَذٰلِكَ، لا ندري ما علاقة أشعار الأقدمين بعصور الاستشهاد؟ (قياسًا على ما ورد
في شعر العرب الأقدمين، الذين عاشوا في عصر الإستشهاد) هٰذا تعريف خطأ،
فالشعر سابق عَلى عصور الاستشهاد الَّتي استمرَّت بعد وفاة الخليل ب 100 عام
أو أقلَّ قليلًا، والخليل اعتمد أشعار الجاهليِّين في شواهده، قبل أن يُعرف شيء اسمه
عصور الاستشهاد، وهي عصر استشهاد علماء اللُّغَة في أمور النَّحو وما يجوز
اعتباره شاهدًا من شعر العرب في النَّحو، وفي اللُّغَة، لكنَّ الشِّعر قديم جاهليٌّ.

العَروض علم يُعرف به صحيح الشِّعر من مختلِّه، وليس معدًّا ليساعد عَلى حفظ
الشِّعر، ولا صقل الـموهبة الشِّعريَّة، بل للتَّدريب عَلى نظم الشِّعر نظمًا سليمًا.

(يتبع)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة