كلام في أمسية! الرسالةَ في النصّ الأدبيّ

سعيد نفّاع

تاريخ النشر: 28/06/22 | 8:28

الأخوات والأخوة
بعد أن رأى “سادنُ الروح” النورَ وقرأته، نشرت برقيّةً فيسبوكيّة قلت فيها:
“سادنُ الروح” لفهيم أبو ركن والاستهلالُ والمقدّمةُ والعمقُ – برقيّة!
لا أدري إن كان “فهيم” وحين أطلق العنانَ لكتابه “سادن الروح” “هندسَه” ليكون خليطًا من شعر ورواية ومسرحيّة، ليرى الناقدُ منير توما في مقدّمتِه للكتاب أنّا أمام “جانرَ” أدبيٍّ فريدٍ تصحّ فيه تسميةٌ منحوتةٌ يقترحها: “شِعرُوسِيّة”؛ شعر، رواية، مسرحيّة. تبنّاها الكاتب.
لست في صدد مقالٍ نقديّ وإنّما وكما قلت في العنوان فإنّي في صدد إرسال برقيّة لا عنوانَ محدّدٌ لها، لأقول:
أوّلًا: فهيم فعلًا يتفرّد في هذا الكتاب تفرّدًا لافتًا.
ثانيًا: فهيم كان أعمقَ وأشمل في كتابه من الاستهلالِ والمستهلّ، والمقدّمةِ والمقدّم.
ثالثًا: فهيم أخذ عنّا دورَ القارئِ والناقد في إضاءته على شِعروسيّته!
سننطر ونرى حظّ فهيم من النقد، وأنا متشائم، فهو، أيّ فهيم، يفتقر في زمننا النقديّ لمقوّمات المنقود!!!!!
هذا ما كتبت وأضيف:
لست في صدد تقديم قراءةٍ نقديّة للكتاب فهذه متروكةٌ للزميلين جهينة ورياض والشيخ حسام. ولكنّي رأيت في هذه الأمسيةِ أن أطرح موضوعًا كنت تناولته قبل سنواتٍ في مقالة حملت العنوانَ: “هل الرسالةُ الأدبيّةُ في إنتاجنا تعاني الضُّمورَ؟!”، فقلت وها أنا قائل:
تراودني منذ زمن الفكرةُ، على ضوء ما يشهده مشهدُنا الثقافيّ من تداعيّات عصيّة على الإدراك، ويلحّ عليّ السؤالُ؛ ما هو موقعُ ومكانةُ ومضمونُ الرسالةِ الأدبيّة في النصّ الأدبيّ؟! وهل تُختزل قيمتُه منها؟
…..
يبدو لي إنّ ما يعتور حياتَنا الفكريّةَ والوطنيّة والاجتماعيّة في العقود الأخيرة من ارتجاجاتٍ (درجة 7 وما فوق على سلّم ريختر!)، جعل الانكفاءَ شبهَ الكليّ نحو الذات ديدَنا وبالتالي أسقط على أدبِنا آخذا إيّاه نحو مدرسة أو نظريّة؛ “الفنّ للفنّ”، استراقا وتسرّقا وعلى الغالب كمَثَل الغرابِ ومحاولتِه تقليدَ والحجل، فتضعضعتْ مكانةُ الرسالة الأدبيّة. وقد اتخذ الكثيرُ من النصوص أشكالا لا تتعدّى الصناعةَ الفنيّة وإخراجَها وأداءها، وربّما اتخذَتْها هكذا من حيث لا ندري انسياقا وراء الارتجاجات في المُثل والقيمِ أعلاه، اللّهم في لمحةٍ في النصّ هنا وأخرى هنالك، وضربةِ ريشة في اللوحة هنا ومثلِها هناك، وفي الكثير من الأحيان “تجمّلا”، فتجيء هذه اللمحاتُ والضرباتُ حشوا صارخا يسيء حتّى لمثل هكذا نصّ، فنُّه للفنّ.
…..
وأدّعي: إنّ الرسالةَ في النصّ الأدبيّ، هي الهدفُ الأسمى وبالتالي هي المقياسُ وهي المعيارُ لقيمته وقلّتِها، وقوّتِه وغيابِها، وأهدافِه وضياعِها. الافتقارُ إلى الرسالة غيابا أو تغييبا، أو “كشوحُها”، أو عدمُ وضوح عنوانِها أو عدمُ وضوح ما نريد لهذا العنوانِ ومنه، وهذا هو الأهمّ، كلُّ هذه إن اعتورت النصَّ تجعل من النصِّ الأدبيّ “طقْعَ حَكِي” ومهما جمُل لبوسُه بفاقع الألوان وعلا رَنينُهُ بمُنغّم الألحان، فلن يشفع له لا جمالُ اللبوس ولا عذبُ الرّنين، ولا اتّباعُه أحدثَ النظريّات النقديّة، وعينيّا تلك المستوردةِ من برّة البحار!
…..
نُدرةٌ أو قلّةٌ هم الناسُ الذين يعيشون لأنفسِهم، الإنسانُ بطبيعته يعيش لنفسِه وللآخرين، يعيش لدائرتِه الصغرى فالأوسعَ والأوسع. وِسْعُ دائرته واكتظاظُها وتداخلُ أخريات معها يقررها، عند الميتافيزيقيّين، قدرُ هذا الإنسان والدورُ المنوطُ به من لدُن القوّةِ الأعلى في الحياة وتجاه الأحياء، وعند الفيزيقيّين، تقرّرها إرادتُه وخياراتُه في الحياة.
المُنتِجُ وفي سياقنا؛ باحثا كان أو مفكّرا أو كاتبا أو شاعرا أو فنّانا، وبغضّ النظر إن اعتبر نفسَه من “الأَوّل” أو “الأُخّر” أو كان خليطا من هؤلاء ومن أولئك، دائرتُه هي أوسعُ كثيرا من ذاته، تشملُه وتشملُ الناسَ وحولها دوائرُ أخرى وأخرى؛ عائليّةٌ ومجتمعيّةٌ ووطنيّةٌ وإنسانيّة. نصُّه ليس ملكا له حتّى وهو في أدراجه متأهبّا للانطلاق، واختبارُ رقيِّ ورفعةِ هذا النصِّ ليست مواصفاتُه الأدبيّة النظريّة وإنما في الرسالة التي يحمل، فالأولى، المواصفاتُ الأدبيّة، لن تنفعَ في النصّ بدون الثانيّة والثانيةُ لا تنفعُ بدون الأولى وقد تنفعُ حتّى لو جاءت الأولى “مْبَهدَلة” بعضَ الشيء، ولنا في الكثير من المُبدعين مثلٌ.
…..
أدّعي: إنّ الرسالةَ الأدبيّةَ روحَ النصّ الأدبيّ، هي أولا وآخرا القضايا الأساسُ في حياتنا، والقضيّةُ الوطنيّةُ ومعوّقاتُ رقيِّها هي قضيّتُنا المركزيّةُ كانت وما زالت وتصطخبُ اليومَ أكثر، وإن افتقد النصُّ مثلَ هكذا رسالة، والرسالةُ ليست فقط قولًا هي قولٌ وفصلُ قول، إن افتقدَها قلّت قيمتُه وضعُفت قوّتُه وضاعت حاجتُه. هذا هو المعيارُ الأهمُّ لرقيّ أيِّ نصّ أدبيّ وقبل وفوق كلّ المواصفاتِ الأدبيّة النقديّة وبالذات المستوردة منها، أقولُ هذا ملءَ وعيي وأنا العالمُ أنّ هنالك من النقّاد “الحداثيّين” من يعتبر هذا من المأكولات التي قد أكل الدهرُ عليها وشرب!
هل نصوصُنا الأدبيّة أو غالبيّتُها اليوم، تعاني ضُمورَ هذه الرسالة؟! أو هل تقاسي غيبتَها؟! أو تئنّ تحت تغييبها؟!
…..
أترك هذا للقارئ، ولكنّي أدعو نفسي وأدعوه أن نقيّم العملَ الأدبيّ طبقا ل-“الرسالة الأدبيّة” في النصّ الأدبيّ ومدى ارتباطها بال-“صخبِ” الذي نعيش وطنيّا وقوميّا وإنسانيّا وسياسيّا واجتماعيّا، والأهمُّ حين تحمل الرسالةُ مع الداءِ الدواءَ والهدمَ والبناء، وهذا لا يعني أن نهملَ لبوسَ النصِّ الأدبيّ، وإلا تحوّل الأديبُ إلى خطيبٍ والنصُّ إلى خُطبة، وللخُطَب ناسُها وإن أمكن أن يكونوا أدباءَ ولكن حينها بعباءة خُطباء!
الأخوات والأخوة!
إذا “شرّحْنا” انتاجَ فهيم وعينيّا المتأخّرَ منه الذي قيّض لي أن أقرأَه ومنه “عريس” أمسيتنا؛ سادن الروح، نستطيع أن ندّعي أن فهيم عبر الحدَّ الفاصلَ بين ال”أنا” وال”نحن” عبورًا موفّقًا وعاملًا على ألّا تعاني الرسالةُ الأدبيّةُ في نتاجِه الضمورَ.
فتحيّاتي… وقدُما!
سعيد نفّاع
الأمين العام للاتّحاد العام للكتّاب الفلسطينيّين – الكرمل48
المكتبة العامة- عسفيا، اشهار: “سادن الروح” آخر انتاج الأديب فهيم أبو ركن، 12.6.22

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة