في رحيل المثقف النقدي المغربي محمد مفتاح
بقلم: شاكر فريد حسن
تاريخ النشر: 20/03/22 | 9:51غادرنا الأكاديمي والباحث المغربي وأحد أهرامات النقد العربي محمد مفتاح، تاركًا وراءه العديد من المنجزات البحثية، التي توزعت بين النقد الأدبي والتحقيق، وشكلت مرجعًا هامًا للباحثين والأكاديميين في المغرب والوطن العربي.
يُعد الراحل محمد مفتاح واحدًا من أعلام الثقافة العربية، الذي آثر العزلة والابتعاد عن الأضواء، رغم مكانته ومنزلته العلمية الرصينة وذيوع صيته. وإلى جانب ما تمتع به من خصال ومزايا حميدة وشيم مجيدة وحياء عظيم وعطاء جزيل، اتصف مساره بالثقافة الواسعة العميقة، وفصاحة اللسان، وبعد النظر، وروائع الإبداع والكتابات والمؤلفات.
شكل مفتاح ظاهرة ثقافية، إن لم نقل مدرسة في الحقل الثقافي المعرفي، فكان مثال المثقف العضوي النقدي العصامي، الذي طور مؤهلاته المعرفية واللغوية، وتفاعل إيجابيًا مع المستحدثات المعرفية والمنهجية، وحمل مشروعًا نقديًا ومعرفيًا مفتوحًا على آفاق متعددة، وهو من السباقين الذين انخرطوا في الثورة الهادئة لتقويض النزعة البنيوية واستلهموا أدوات وتصورات جديدة تراهن على إقامة التفاعل بين النص والوضع البشري من جهة، وبين إرغامات الكتابة والقراء من جهة ثانية، وتبني مقاربات سيمائيات موسعة ومركبة في معالجة النص بشموليته ونسقيته، وفتح آفاق جديدة للحوار والتفاهم والتقارب حرصًا على استرجاع الإنسانية إنسانيتها المفقودة.
محمد مفتاح من مواليد الدار البيضاء في المغرب سنة 1942، حاصل على إجازة في الادب العربي ودبلوم الدراسات العليا من كلية الآداب في فاس ودكتوراة في الآداب، أمضى حياته في التدريس معلمًا في الثانوية ثم أستاذًا جامعيًا في كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة الرباط حتى تقاعده، واستاذًا زائرًا في جامعة وينستون الامريكية، وأشرف على الكثير من الرسائل والاطروحات الجامعية.
جمع مفتاح وحقق ديوان لسان الدين بن الخطيب الأندلسي، وصدر له عدد مهم من المؤلفات والمصنفات والدراسات المنهجية المهمة والمضيئة، منها: “الخطاب الصوفي مقاربة وظيفية، في سيمياء الشعر القديم، تحليل الخطاب الشعري استراتيجية التناص، دينامية النص، مجهول البيان، التلقي والتأويل، ومفاهيم موسّعة لنظرية شعرية” وسواها.
ويشهد لمفتاح حضوره العلمي الكبير الوازن والوارف في الساحة الفكرية والنقدية والأدبية داخل المغرب وخارجه، حيث شكلت محاضراته وأبحاثه ودراساته مراجع أساسية للباحثين والنقاد المغاربة والعرب، وهو ما جعل مؤلفاته ومنجزاته في تعدادها وتنوع مجالات بحثها، تنال الجوائز الكبرى العديدة.
برحيل محمد مفتاح تفقد الثقافة العربية باحثًا ولغويًا وأكاديميًا ومثقفًا نقديًا أفنى حياته وعمره بين الجامعة والتأليف، وفي خدمة اللغة والثقافة والفكر العربي والحضارة الإنسانية، ويمثل رحيله خسارة جسيمة وكبرى للأدب والفكر والبحث العلمي.