طعنات الرّمح الوثني

شعر: صالح أحمد (كناعنة)

تاريخ النشر: 17/01/22 | 7:07

عَجَلاتُ الأيامِ دَوائِر
أيّامي تَستَعمِرُ نَبضي
والفَجرُ بَعيدٌ عَن بابي
يَسقُطُ في زَحمَة أسئِلَتي
وَجَعُ الأحلامِ يُعاوِدُني
أجثو عِندَ مَدائِنِ غَيم
يَعصِفُ بي وَجَعُ الزّيتون
كَلِماتي تَسقُطُ فَوقَ جَبيني
أَسأَلُ عُصفورَينِ اتّحَدا …
رَغمَ جُنونِ الطَّقسِ؛ عِناقا!
عَن سِرِّ الغَزوِ الزّبَدِيّ
أُغمِضُ عَن وَجَعِ الأفكارِ ظُنوني
أذوي في كَهفٍ يَسكُنُني
ويَدايَ تُخَربِشُ سِرَّ الرَّعد
***
عَجَلاتُ الأيّامِ حِكايَة
القُدسُ تُحاوِرُ جُرحَ الحِسّ
الغَفلَةُ رُمحٌ وثَنِيٌّ
نامَت عَن لَعنَتِهِ الصَّحراء
هولاكو في أعقابِ هِرَقل
يَسطونَ على المدنِ الكَسلى
تَتَعَمَّدُ في رَملٍ لُغَتي
البَحرُ تَصَلَّبَ فيهِ المَوج
البَحرُ اعتَنَقَ شِراعَ المَوت
البَحرُ انتَحَلَ أغاني الجُثُثِ المَنفيّة
يَعشَقُني البَحر
فأنا أغنِيَةُ الكَلِماتِ المَطعونَةِ بِمَخارِزِ رَعشَة
الرَّعشَةُ شِريانٌ أسوَد
نَيرونُ، هُلاكو، إسكَندَر، كِسرى، قَيصَر…

الأفقُ حِرابٌ تَتَكسّر
دَيجورٌ يَسكُنُهُ رُمحٌ وَثَنيّ
مَسمومٌ لفظَتْهُ الموجاتُ الغَضبى
ويُراوِغُها الحِبرُ الأَسوَد
وأنا يَخنُقُني نِسياني
وبَقايا أَسئِلَتي المَصلوبَةِ في الرّأسِ المَقموع
والبابُ الموصَدُ،
والجُثَثُ المَنفِيَّةُ خَلفَ القَهر
***
عَجَلاتُ الأيامِ غِوايَة
صَحرائي أُنثى
والزَّحفُ يُراوِدُ سَكرتَها عَن لَحظَةِ سَيل
جِنِّيٌّ يُمسِكُ مِعصَمَها
داحِسُ تَبلَعُها الغَبراء
يَصحو الدّيجور !
يَشرَبُ نَخبَ الزّمَنِ السّاكِنِ قَلبَ الرَّمل
للأعمى أكشِفُ خاصِرتي
وَشوشَني صِلٌّ يَتَلَوّى مَيؤوسَ الوَصل:
في القاعِ كُليبٌ يَستَمرِئُ نَزفَتَهُ الوَحل
أهوائي قافِلَةٌ توغِلُ لِحُدودِ الظّلِّ المُستَلقي مِلءَ عُيوني
الزّمنُ سَرابٌ يَجذِبُني لِعُيونِ خَريفٍ مُغتَرِبٍ
وأنا أحدوهُ إلى ظَمَئي
بِسُكونٍ أكبرُ مِن وَزني في كَهفِ اللّيل
أفتَحُ نافِذَتي، وكُلَيبٌ يَستَلقي عُذرًا!
لا أجهَلُ ألوانَ العُذر!
الأعمى يُدركُ لَونَ العَبَثِ الزّاحفِ
خَلفَ حُدودِ الموت!
في الأفقِ سَحاباتٌ تُغرُبُ
تَحتَدُّ سَمائي صافِيَةً
وجُروحي عَطشى للكَلِمات
***
عَجَلاتُ الأيّامِ مَرايا
حَبلُ غَسيلٍ يُغوي قَمَرًا في لَيلٍ مَطعون

يزأرُ ذئبُ البيدِ العاشِق
فَيحاءُ عيونُك تَدعوني لِوَليمَةِ حُب
لَيلٌ، شَبَقٌ، زبَدٌ، رَعد…
في الأفقِ صَهيلٌ يَتَعَثّر
وسَرابٌ خلفَ غُبارِ الوَعد
وبِلادُ الزّيتِ الأسودِ توقِدُ شَمعَتَها بِعُيونِ المَوتى
مِن ثُقبِ الغَيمات..
يَتَراءى مُهرٌ عَرَبِيٌّ يَصهَلُ للمَوت
***
عَجَلاتُ الأيامِ سَبايا
الرَّملُ عُيونٌ مَوغِلَةٌ بِحُروقِ الوَجد
لَيلٌ يَتَصابى فَوقَ ضَبابِ خَليجٍ تَسبيهِ المَوجات
في اللَيلِ تَدورُ حِكاياتٌ
الحِكمَةُ نَخلٌ يَحضُنُه شَفَقٌ يَتَزيّى بِجَديلَة
الغَيمَةُ لَهفَةُ عَذراءٍ، تَرتَقِبُ البَدرَ،
تُبادِلُه سِرَّ الدَّمعات
الصّمتُ صَلاة
لا قَلبَ هُنا يَسكُنُهُ الحُزنُ الغارِبُ عَن مَعناه
تَلتَبِسُ الشّمسُ على مُدُنٍ يَسكُنُها الخَوف
تغزوها زَوبعةٌ صَفراء
قَلبُ الظُّلُمات؛
يَستَجدي غابِرَ أندَلُسٍ لِحُدودِ الوَصل..
تَنبُتُ في كَفّي دالِيَةٌ
يُغويها الصَّمتُ المُتَعَرّي
تَمتَدُّ… إلى السّلكِ الشّائِكِ في الأهوار
يوقِفُها راعي البَقَرِ هُناك
يَرتَعِشُ الصّمتُ عَناقيدا
يَتَلَوّى وَجَعًا قَصَبُ النّهر
يَغتالُ الأمريكِيُّ هناكَ تَعانُقَنا
يَتَوَسّلُ عودٌ خَطَّ الضّفَّة: ضُمّيني…
ينتَصِب اللّيل!
***
عَجَلاتُ الأيامِ خَبايا

طيّاراتُ الغَزوِ تُحوِّم
طِفلي يَتَرَبَّصُ بِفَراشَة
تَتَوَقّعُ أن يَصعَدَ فَجرٌ مِن كَرمِ اللّوزِ صَبايانا
مِن قَلبِ الفَرحَةِ تَنهَضُ أطيارٌ للحُب
يَرجِعنَ شُموسًا مُطفَأَةً بِثِيابٍ بيض
أغصانُ الزَّيتونِ الجَذلى تَغرَقُ بالدَّمع
يَرتَعِشُ المَوتُ عَلى بابي
الفَجرُ الواجِفُ، نافِذَتي، ورُؤاي…
تَتَحَدّاها: أمريكا، والسِّلكُ الشّائِك..
رمحٌ وثنيٌّ يَنغَرِزُ بِخاصِرةِ المشرِق…
يورِثُها الأحزان…
***
عَجَلاتُ الأيام مَزايا
ألوانٌ يَسكُنها اللّيلُ
ريشاتٌ بَعثَرَها القَصفُ المجنونُ…
لأجنِحَةِ الحِلمِ المستَسلِمِ للرّيح
ضُمّيني!
قال الشّفقُ المتسرّبُ مِن جرحٍ أرعنَ؛ للأَرض
ضُمّيني: قالَ لَها …
وانهَمَرَ الحلمُ مِنَ الخَيمَة…
واللَّيلُ طَوَتهُ عَباءَتُها
فَتَسَلَّلَ طِفلٌ مِن شُرفَةِ قَلبٍ مَفتوح
يَستَفهِمُ عَمّا تَفعَلُهُ الدّبابَةُ في حِضنِ الصَّحراء
اللّيلُ جِراءٌ تَتَنابَح
العَتمَةُ رُمحٌ وَثَنِيٌّ…
منصوبٌ فوق قرونِ الثّورِ الخائرِ في وجعِ الصّحراء
النّقبُ الصاعدُ أغيةٌ تَعزفُها الأوتارُ العَذراء
يرنو للشّمس
ويَموتُ الحِسّ
تَكويهِ النّار
نارٌ "صَهيوأَمريكِيَّة"
تَغتالُ عُيونَ الحُرّيَّة
تَغتالُ بَراءاتِ الصِّبيَة

كتُبُ الأطفالِ… مَقالمهُم… أرغفةُ الخُبز …
بَعثَرَها جُندِيٌ أزعرُ، مَنفوخُ الصَّدر
يَتَسَلَّحُ بالفيتو الآثِم
الخَيمَةُ تَهوي تَحتَ النّار
باسمِ الحرّيّةِ تَهوي الخَيمَة
والطِّفلَةُ تَلحَقُ نَعجَتها خَلفَ الكُثبان
تَتَأمَّلُ وَجهَ حَبيبَتِها.. خَيمَتِها
تَتَساءَلُ عَمّا يَفعَلُهُ الصاروخُ الأمريكي في قَلبِ الصَّحراء
تَحتَضِنُ الطِّفلَةُ نَعجَتَها
ويَطولُ نِداء
الرَّملُ الدّافئُ خَيمَتُها
والشّمسُ رِداء
والنّقَبُ بأوتارٍ عَذراء
في ليلٍ هَدَّ سَكينَتَهُ طَمَعُ الأشباح
يَعزِفُ في قَلبِ مَواجِعِهِ أحزانَ القدس
شعر: صالح أحمد (كناعنة)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة