عبد المنعم عواد يوسف الشاعر الإنسان قراءة في الأعمال الكاملة المجلد الأول

تاريخ النشر: 28/08/21 | 9:00

الشاعر الدكتور والروائي المصري / محسن عبد المعطي محمد عبد ربه..شاعر العالم شاعر المائتي معلقة
وَأَنَّهُ الْوَطَنْ ..
يَكْبُرُ حَتَّى يَصِيرَ الدُّنْيَا
يَصْغُرُ حَتَّى يَصِيرَ السَّكَنْ {1}
حينما فتحتُ الأعمال الكاملة للشاعر الكبير / عبد المنعم عواد يوسف وقعت عيناي أول ما وقعت على تلك السطور الشعرية الجميلة فأيقنت أنني أمام شاعر عالمي بكل ما في هذه الكلمة من معانٍ وتأملت دقة التعبير في هذه السطور الواو المعطوفة على محذوف دخول أن على ضمير الغائب ومجيء الوطن خبرا بعد ذلك وما يفيده ذلك التعبير من تعظيم الوطن حلاوة الطباق بين {يكبر – يصغر}{الدنيا – السكن} التعبير بحتى الغائية والتي تفيد مراحل النمو المتعددة للوطن ثم التعبير بالفعل المضارع {يصبح} بمعنى {يصير} والذي يفيد التحول فكأن شاعرنا – برقة أسلوبه وعذوبته- يصور لنا هذا الوطن بطفل جميل في مراحل نموه المختلفة وياما أروع هذا التصوير ثم تأملتُ في المجموعة الشعرية ككل وجدت القاسم المشترك بين القصائد جميعها { عبد المنعم عواد يوسف الشاعر الإنسان } فشاعرنا إنسان بكل ما تحمله هذه الكلمة من معانٍ تتجلى إنسانيته فِي أول قصيدة من الأعمال الكاملة {في وداع صلاح عبد الصبور}
كَانَ يَامَا كَانَ أَنْ غَنَّى مُغَنٍّ لِبِلَادِي
وَاحِداً مِنْ شَعْبِنَا الطَّيِّبِ كَانْ {2}
وَتَأَمَّلْ مَعِي دقة التعبير { كَانَ يَامَا كَانَ } وكأن شاعرنا يرجعنا إلى عصر الطفولة الجميل بما فيه من حكايات تستهوي النفس قبل النوم الجميل ثم تأمل التنكير في {مُغَنٍّ} وما يوجبه هذا التعبير من تواضع رائد الشعر الحديث { صلاح عبد الصبور} والتعبير { وَاحِداً مِنْ شَعْبِنَا } وما يدل عليه هذا التعبير من اندماج { صلاح عبد الصبور} مع الشعب مما يجعل هذا الشعب يحبه وَتَأَمَّلْ مَعِي في هذا الوصف الدقيق لهذا الشعب { الطَّيِّبِ } وما فيه من استمالة هذا الشعب{ لصلاح عبد الصبور} من ناحية ولشاعرنا {عبد المنعم عواد يوسف} من ناحية أخرى وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على أن شاعرنا { فنان } يعرف كيف يجذب المتلقي ولنتأمل معا في سطور الوداع { لصلاح عبد الصبور} :
كَانَ عَذْباً مِثْلَ مَاءِ النِّيلِ دَفَّاقَ الْعَطَاءْ .
وَسَخِيّاً فِي زَمَانٍ لَمْ تَعُدْ أَشْجَارُهُ تُثْمِرُ شَيْئاً مِنْ سَخَاءْ .
وَنَدِيّاً كَصَلَاة الْفَجْرِ كَالْأَنْسَامِ كَالْأَمْلَاكِ طُهْراً وَنَقَاءْ {3}
…………………………………..
إِنَّنَا كُنَّا جَمِيعاً شُعَرَاءْ
بَيْنَمَا كُنْتَ أَمِيرَ الشُّعَرَاءْ
يَا صَلَاحَ الدِّينِ يَا عَبْدَ الصَّبُورْ
يَا عَمِيدَ الشُّعَرَاءْ {4}
وتتجلى إنسانية {عبد المنعم عواد يوسف} في شجاعته وذلك في قوله :
لَا كُنْتَ يَا قَمَر الزَّمَانْ
لَا كُنْتَ لَا لَا يَا جَبَانْ
فَيَخْطَفُ الْعِمْلَاقُ مِنْكَ عَرُوسَةً كَالْبَدْرِ فِي لَيْلِ التَّمَامْ
وَتتجلى إنسانية{عبد المنعم عواد يوسف} في {حوار حول الباب المفتوح} :
أَلَا فَلْتُغْلَقِ الْأَبْوَابُ فِي وَجْهِي فَإِنِّي الْآثِمُ الْعَاصِي
بَكَيْتُ بَكَيْتُ رِيعَتْ سَائِرُ الْأَرْوَاحِ مِنْ صَوْتِي
وَلَاذَ الْكَوْنُ بِالصَّمْتِ
أَيَحْمِلُ قَلْبُكَ الْفَيَّاضُ هَذَا الْحُبَّ لِي وَحْدِي
وَلَا أَدْرِي ؟!!!
أَتُمْطِرُ أَرْضِيَ الْقَفْرَاءَ مِدْرَاراً بِهَذَا الْغَيْثِ
هَذَا الْوَابِلِ الْمُنْصَبِّ كَالنَّهْرِ
وَمَا أَزْجَيْتُ مِنْ شُكْرِ ؟!!! {3}
وما في هذه الأبيات من صفات جميلة : رقة الشعور – الإحساس – الشاعرية – لوم النفس على التقصير – الحب – التواضع – الشكر للمنعم – رهافة الحس – الإنسانية ..
وتصل إنسانية{عبد المنعم عواد يوسف} ذروتها في إحساسه بالآخرين وذلك في قوله :
مَا أَفْدَحَ الْأَعْبَاءَ وَالْآلَامَ فِي هَذَا الْوُجُودْ !!!
مَا أَكْثَرَ التُّعَسَاءَ وَالْجَرْحَى وَأَصْفَادَ الْعَبِيدْ !!!
حِمْلِي عَلَى كَتِفِي ثَقِيلْ ..
يَا ظَالِمِي حِمْلِي ثَقِيلْ ..
وَالدَّهْرُ قَاسٍ يَا حَيَاةْ ..
وَأَنَا شَرِبْتُ عَذَابَهُ حَتَّى الثُّمَالَةْ ..
يَا لَيْلُ يَا حِضْنَ الْعَلِيلْ
حِمْلِي عَلَى كَتِفِي ثَقِيلْ {7}
وَتتجلى إنسانية{عبد المنعم عواد يوسف} في في النسيان والندم عليه وتأنيب النفس على نسيان موعد الحبيبة في قوله :
يَا وَيْلَتَاهُ مِنْ زَمَانِنَا ..
يَشْغَلُنَا بِتَافِهِ الْأُمُورْ ..
يَشْغَلُنَا بِتَافِهِ الْأُمُورْ ..
وَيَقْتُلُ الْإِحْسَاسَ فِي نُفُوسِنَا
يُمَزِّقُ الشُّعُورْ
يَا وَيْلَتَاهُ مِنْ زَمَانِنَا ..
زَمَانِنَا الْمُسْتَهْتِرِ الْعَجُولْ
جَوَادُ عُمْرِنَا النَّفُورْ ..
مَاذَا تُرَانِي قَائِلاً لَهَا .
وَكَيْفَ أَعْتَذِرْ ؟!!!
أَقُولُ إِنَّنِي نَسِيتُ مَوْعِدَكْ ؟!!!
وَتتجلى إنسانية{عبد المنعم عواد يوسف} في إحساسه بأبناء الوطن من غيرهم وذلك في قوله :
عِنْدَ بَوَّابَةٍ بِالْمَطَارِ الْكَبِيرْ
قَالَ لِي وَاحِدٌمِنْ صِغَارِ الْعَسَسْ
لَمْ يَكُنْ حَامِلاً عِطْرَ هَذَا الْوَطَنْ
اِنْتَظِرْ بُرْهَةً
فَتَّشُوا سَائِرَ الْأَمْتِعَةْ
لَمْ يَكُنْ فِي يَدِي غَيْرُ بَعْضِ الْكُتُبْ
دَفْتَرٍ مِنْ غَزَلْ {9}
وَتتجلى إنسانية{عبد المنعم عواد يوسف} في إحساسه بأحزان الوطن وذلك في قوله :
مَنْ لِي بِذَاكِرَةٍ تُعِيدُ إِلَيَّ أَحْزَانَ الْوَطَنْ ؟!!!
حَتَّى يُوَدِّعَ طَائِرُ النِّسْيَانِ آفَاقِي
وَيَصْدَحُ بِي التَّذَكُّرُ
مَنْ يُعِيدُ إِلَيَّ ذَاكِرَتِي فَتَهْدِرُ مِنْ جَدِيدْ {10}
وَيُذَكِّرُنَا قَوْلُ شاعرنا :
آهِ يَا وَطَناً يَعِيشُ بِنَا فَإِنْ مُتْنَا يَمُتْ {11}
بقول شاعر النيل حافظ إبراهيم في قصيدته {مصر تتحدث عن نفسها}:
أَنَا إِنْ قَدَّرَ الْإِلَهُ مَمَاتِي = لَا تَرَى الشَّرْقَ يَرْفَعُ الرَّأْسَ بَعْدِي
وياما أروع التشبيه الضمني لشاعرنا وكأنه يرفع دعوى مضمونها قوله :
لَنْ يَقْتُلُونَا إِنَّنَا نَحْيَا بِهِ
حَتَّى وَإِنْ طَالَ السُّكُوتْ
فقالت له هيئة القضاء : “وما دليلك على دعواك” فقال :
لَا يَسْقُطُ الْبُرْكَانُ إِلَّا كَيْ يُعِيدَ بِنَاءَ دَوْرَتِهِ لِيُولَدَ مِنْ جَدِيدْ
صَمْتٌ لِمِيقَاتٍ وَبَعْضُ الصَّمْتِ يَهْدِرُ كَالنَّشِيدْ {12}
وتكرار لفظة {آه} في هذه القصيدة للتوجع وقوله :
آهِ مَنْ يَنْسَى يَمُوتُ بِهِ الْوَطَنْ {13}
يوحي بتوحيد الوطن مع أبنائه
وقوله :
مِنْ صُلْبِنَا هَذَا الْوَلِيدُ يَجِيءُ
آهِ يُطِلُّ مِنْ رَحِمِ الشَّتَاتْ {14}
يوحي بشدة الفرقة ويتولد من هذا التعبير دعوة للأمة لإعادة التواصل والتوحد لنعيد الأمجاد التي كانت
وقوله :
يَخْرُجُ مِنْ مُحَاصَرَةِ الْمُحَاقِ يَعُودُ يَبْزُغُ مِنْ جَدِيدْ {15}
يوحي بأن الوطن محاصر من أعدائه المتربصين به وما أروع التناسق الصوتي بين لفظتي { الْمِخْصَابَ , صَبَّى } في قوله :
أُمَّاهُ طِفْلُكِ عَادَ
عَرَّى ثَدْيَكِ الْمِخْصَابَ صَبَّى فِي فَمِي طَعْمَ الْحَيَاةِ
أَنَا الظَّمَا {16}
وصيغة المبالغة { مِخْصَابْ } لَهَا دلالتها في أن الوطن قادر على إنجاب العظماء الذين يعيدون إليه حضارته المعطاءة للدنيا كلها .
وما أروع وحدة الأسطر الشعرية في قوله :
أُمَّاهُ ضُمِّينِي إِلَيْكِ أُحِسُّ دِفْئَكِ فِي عُرُوقِي
فِي شَرَايِِينِي يُجَدِّ رَغْبَتِي فِي أَنْ أَعِيشَ لِكَيْ يَعِيشَ بِنَا الْوَطَنْ {17}
ووحدة السطر الشعري في قوله :
غَنِّي أَغَانِينَا تَقُومُ السَّدُّ فِي وَجْهِ الْمَنُونْ .
ويوحي قوله :أُمَّاهُ عُدْتُ إِلَيْكِ بِالطِّفْلِ الَّذِي زَعَمُوهُ مَاتْ {18}
بقصة حقيقية جميلة أشاع الناس فيها عن موت طفل ثم عاد أخوه الأكبر بالطفل حيا فرحا يهنئ أمه على سلامته .
وَتتجلى إنسانية{عبد المنعم عواد يوسف} في إحساسه بالحياة مع حبيبته وخوفه من فراقها في قوله :
خُذِينِي إِلَى شِعْرِ عَيْنَيْكِ قَافِيَةً أَوْ رَوِيَّا
وَهُزِّي عَلَيَّ غُصُونَ الْأَمَانِي
تُسَاقِطُ زَهْراً نَدِيَّا
فَفِي مَهْدِ عِشْقِكِ أُولَدُ
أُخْلَقُ خَلْقاً سَوِيَّا
أُحِبُّكِ مَا دُمْتُ حَيَّا
فَإِنْ عِشْتُ غَنَّيْتُ حُبَّكِ لَحْناً يُرَفْرِفُ فِي مُقْلَتَيَّا
وَإِنْ مُتُّ
فَابْكِي عَلَيَّا
وَقُولِي : لَقَدْ عَاشَ يَرْنُو إِلَيَّا
وَيَغْزِلُ أَحْلَامَهُ فِي الْمَسَاءِ وَحِيداً
وَفِي الصُّبْحِ يُرْسِلُهَا نَغَماً بَابِلِيَّا {19}
وَتتجلى إنسانية{عبد المنعم عواد يوسف} في تجربة الحب عنده بما فيها من أحاسيس دافقة يمكن أن تعبر عن مشاعر أي إنسان في الوجود فهو يرى بعيني حبيبته ولا يتخيل الحياة بدونهما
مَاذَا يَكُونُ الْعُمْرُ لَوْ = لَمْ تَبْرُزِ الْعَيْنَانِ لِي ؟!!!
مَاذَا يَكُونُ سِوَى الضَّيَا = عِ سِوَى احْتِضَارِ الْأَمَلِ ؟!!!
وَتتجلى إنسانية{عبد المنعم عواد يوسف} في إحساسه بالغربة بعيدا عن حبيبته
يَا زَهْرَتِي عَزَّ الْمَزَا = رُ وَكُنْتِ مِنْ عَيْنِي قَرِيبَةْ
إِنْ يَدْعُكِ الْقَلْبُ الْمُتَيْ = يَمُ هَبَّ قَلْبُكِ كَيْ يُجِيبَهْ
رُوحَانِ عَاشَا فِي سَمَا = ءِ الْحُبِّ فِي دُنْيَا عَجِيبَةْ
يَوْمَيْنِ ثُمَّ تَغَرَّبَا = يَا لَلْغَرِيبِ وَلَلْغَرِيبَةْ !!! {21}
ومن أروع ما كتبه {عبد المنعم عواد يوسف} في الحب قصيدة {أمنيات}وَالَّتِي لم أقرأ أروع منها منذ امرئ القيس حتى عصر الحداثة وَلْنَسْتَمِعْ إِلَى مَقطع منها :
حَبِيبَةَ الْقَلْبِ أَنْتِ لَحْنِي = وَأَنْتِ أُنْشُودَةُ الزَّمَانِ
وَأَنْتِ مَنْ صُغْتُهَا نَشِيداً = يَفِيضُ بِالْفَنِّ وَالْمَعَانِي
وَأَنْتِ مَنْ جَمَّلَتْ وُجُودِي = وَأَنْتِ مَنْ أَتْرَعَتْ دِنَانِي
وَأَنْتِ مَنْ أَفْرَغَتْ بِقَلْبِي = ثُمَالَةَ الْحُبِّ وَالْحَنَانِ {22}
وَبَعْدْ فشاعرنا {عبد المنعم عواد يوسف} رَاضٍ كُلَّ الرِّضَا عَنْ حَيَاتِهْ وحبه وفنه وَلْنَسْتَمِعْ إِلَيْهِ يَقُولْ :
أَنَا لَسْتُ أَرْجُو مِنْ حَيَا = تِي غَََيْرَ مَا قَدْ كَانَ لِي
أَمَلاً أَنَارَ لِيَ الْوُجُو = دَ وَيَا لَهُ مِنْ أَمَلِ
عَيْنَا حَبِيبِي وَالْحَنَا = نِ وَزَهْرَتَانِ عَلَى الطَّرِيقْ
قَدْ أَرْشَدَتْنِي لِلطَّرِيقِ وَكُنْتُ أَجْهَلُ مَا الطَّرِيقْ {23}
ـــــــــــــــــــــــــــــ
{1}الأعمال الكاملة صـ 284
{2}الأعمال الكاملة صـ 27
{3}الأعمال الكاملة صـ 28
{4}الأعمال الكاملة صـ 32
{5}الأعمال الكاملة صـ 69
{6}الأعمال الكاملة صـ 90
{7}الأعمال الكاملة صـ 102
{8}الأعمال الكاملة صـ 184, 185
{9}الأعمال الكاملة صـ 207
{10}الأعمال الكاملة صـ 267,266
{11}{12}الأعمال الكاملة صـ 268
{13}الأعمال الكاملة صـ 269
{14}{15}{16}الأعمال الكاملة صـ 270
{17}الأعمال الكاملة صـ 271,270
{18}الأعمال الكاملة صـ 271
{19} الأعمال الكاملة صـ 280,279
{20}الأعمال الكاملة صـ 548
{21} الأعمال الكاملة صـ 556
{22} الأعمال الكاملة صـ 570
{23}الأعمال الكاملة صـ 549

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة