كيفيَّة التَّعرُّف والتَّعامل مع قلق الأطفال في “فترة الكورونا”

تاريخ النشر: 27/03/20 | 8:16

لا بدَّ أن نعي أنَّ أطفالنا يعانون من القلق والتَّوتُّر أثناء هذه الفترة، نتيجة الظُّروف الَّتي نمرُّ بها والمتعلِّقة بفيروس كورونا (COVID-19)، فإنَّهم يستيقظون على هلعنا، وأصواتنا تتهافت، عدد المتوفِّين كذا وعدد المصابين بالمرض كذا.
ولا بدَّ لنا أن نعرف أيضًا أنَّ قلقنا معدٍ “القلق معدٍ رغم أنَّنا نعتقد أنَّه عندما لا نتكلَّم عنه أو أنَّنا لا نفصح عنه، أنَّ أطفالنا لا يشعرون به ، إِلَّا أنَّه على العكس تمامًا، فأطفالنا أكثر النَّاس علمًا ووعيًا بمشاعرنا”. فنحن قلقون على أنفسنا وعلى أطفالنا، لعدم وضوح نتائج واستمراريَّة هذا الحال، كما أنَّنا لا نعرف كيف سيؤثِّر هذا الفيروس علينا وإلى متى سيستمرُّ وإلى أيِّ مدى ستسوء الأحداث.
إنَّ توقُّف الدِّراسة الفجائي وعدم رؤية الزُّملاء والأصدقاء، أمر غير عاديٍّ بالنِّسبة للأطفال، وقد يكون محبطًا للبعض، بالغين وأطفالًا. رغم أنَّنا قد لاحظنا أنَّ بعض الأطفال عبَّروا عن سعادتهم لعدم الذَّهاب إلى المدرسة في الأيَّام الأولى للإعلان عن مدَّة الإغلاق الطَّويلة للمدارس… إِلَّا أنَّ الوضع تغيَّر مع الوقت، كما وأنَّ تواجدهم كأنَّهم في “حجز ” لساعات طويلة في المنزل مع جميع أفراد العائلة الكبار، يسبِّب العديد من الصُّعوبات والمشاحنات، ويمكن أن يكون أحد أفراد هذه الأسرة في حجر صحِّيٍّ، مِمَّا يزيد الأمر صعوبة علينا كأهل وعليهم كأطفال.
كلُّ هذا يؤدِّي بهم للتَّصرُّف بطريقة غير عقلانيَّة وغير منطقيَّة، بعيدة كلَّ البعد عن تصرُّفهم في الأيَّام العاديَّة، ويقومون بردَّة فعل مختلفة غريبة لم يتصرَّفوها من قبل. ومن هذه السُّلوكيَّات الَّتي تصدر عن أطفالنا، النَّاتجة عن القلق وعدم الشُّعور بالأمان:
– التَّعلُّق والرَّغبة في التَّواجد مع شخص كبير / بالغ، يوفِّر للطِّفل الرَّاحة والأمان، أو قد يظهر من خلال التَّعلُّق بلعبة معيَّنة أو غرض معيَّن يوفِّر له الطُّمأنينة.
– إصدار أصوات معيَّنة “تقليد لأصوات الحيوانات أو سيَّارات الإسعاف أو الشُّرطة”.
– البكاء المفرط.
– النُّكوص لبعض التَّصرُّفات الطُّفوليَّة، كمصِّ الإصبع والرَّغبه في النَّوم في غرفة الأهل.
– التَّبوُّل اللَّا إرادي.
– الحساسيَّة المفرطة لبعض الطَّلبات أو الكلمات العاديَّة.
– النَّوم المفرط / الأرق وصعوبة الاستغراق في النَّوم (النَّوم المتقطِّع).
– العزلة لساعات طويلة.
– آلام المعدة وتوهُّم الإصابة بفيروس كورونا.
قد تتفاوت الأعراض من طفل لآخر، وذلك يعتمد على عدَّة عوامل: أهمُّها، العمر أو هل تعرَّض الطِّفل لنوبات قلق سابقة.
قد يدَّعي البعض ويصف الحالة بكلمات تعبِّر عن هذا الحجر المنزلي بـِ ” عطلة صيفيَّة”، إِلَّا أَنَّنا لو تأمَّلناها، فهي تختلف كلَّ الاختلاف وتبتعد كلَّ البعد عن العطلة الصيفيَّة بالفعل.. فهي غير محدَّدة وأهداف الأطفال لم تنته بعد ولم تتحقَّق. كما أنَّ هذه “العطلة” ممنوع الخروج فيها من المنزل، ولا يوجد نزهات، مِمَّا يزيد الأمر تحدِّيًا وصعوبة وعدم استقرار للطِّفل ووالديه،
فعدم معرفة إلى متى التَّعليم في المدراس غير متاح، يجعل الأهل في حالة تأهُّب تامٍّ وضغط شديد، ويتمُّ تحويله على الأطفال والتَّشديد عليهم في إكمال الموادِّ الدِّراسيَّة وإعادة الأمور غير المفهومة، مِمَّا يزيد قلق الأطفال وعدم استقرارهم، فلنجعل الطَّلبات الموجَّهه لهم محدَّدة ودقيقة، مع تحديد زمن دقيق لإتمام المهمَّة مع بعض المرونة.
فقلق الأهل المستنبط من الموقف الحالي/ السُّوشال ميديا/ وسائل الإعلام، يؤثِّر على فعاليَّة الضَّبط الذَّاتي لهم كعامل رئيسي في تداعي الكلمات والجمل أو الإسقاطات الَّتي تحتوي كلمات مثل (موت/ مرض/ انتحار/ تعب/ آخر العالم/كبار العمر بموتوا/ سجن وغيرها) مِمَّا يؤدِّي الى زيادة حدَّة الحال.
فلنغيِّر بعض السُّلوكيَّات الَّتي نمارسها، وإن كانت معاكسة تمامًا لعاداتنا، ونستمرَّ بالعادات الصَّحيحة، فضلًا وليس أمرًا.
بعض النَّصائح والاقتراحات:
1. على عكس العادة، يجب أَلَّا نبدأ يومنا وننهيه على شاشات التِّلفاز الإخباريَّة، وألَّا ندع نشرات الأخبار من مصاردها المتعدِّدة تشغلنا عن نشاطاتنا اليوميَّة، فلنجعل لها ساعة محدَّدة وإن تمَّ مشاركة أطفالنا معنا، علينا أ، نشرح لهم ما نسمع وألَّا ندعهم يتوهَّمون المعنى من تعابير وجوهنا.
فالأخبار لا متناهية وحتى إِنَّ تغطيتها للأحداث تكون بطريقة عاطفيَّة، وتعرُّضنا لها يقلقنا ويقلق أطفالنا، كونها مقرونة بقلَّة خبرتهم وقدرتهم العقليَّة غير النَّامية بآراء الأشخاص وتوقُّعاتهم المستقبليَّة.
2. علينا كأهل التَّحكُّم بأفكارنا وسلوكيَّاتنا معهم، ولنجعل لنا ساعه نحن كبالغين ننفِّس فيها عن انفعالاتنا ومشاعرنا في جلسة خاصَّة، نتبادل فيها الحديث والنِّقاش في الأمور العائليَّة والماليَّة وغيرها ” كالتَّخطيط للأمور المستقبليَّة القريبة” كالمصاريف وقلَّة الدَّخل، توقُّف العمل المؤقَّت، الفصل من العمل وغيرها” وننصح بالنِّقاش في هذه الأمور بعيدًا عن مسامعهم، حَتَّى لا نثقل عليهم بما لا يطيقون، ونحاول إغلاق الجلسة الخاصَّة بطريقة تجعل نفوسنا هادئة، وتساعدنا على مقابلتهم برحابة صدر، مِمَّا يسهِّل علينا التَّعامل معهم بطريقة أكثر واعية ويقظة.
3. القيام ببرنامج يلائم الجميع، بحيث يتمُّ تخصيص ساعات معيَّنة لكلِّ فرد من أفراد العائلة، ليتمَّ عمله على أكمل وجه دون مقاطعة. وعلينا أن نوضِّح لهم أَنَّ وجودنا في البيت يحتِّم علينا العمل أيضًا، وأنَّ لدينا العديد من المسؤوليَّات ولسنا متفرِّغين بشكل كامل، فعلينا- مثلًا- تحديد ساعات العمل كأهل والدِّراسة للإخوة الأكبر سنًّا وساعات للاجتماع العائلي، ومساحة خاصَّة لنعيد بها توازننا من جديد لتجديد الطَّاقة.
4. علينا توفير حبٍّ غير مشروط للأطفال، بما معناه أن نحضنهم ونبتسم لهم مهما كانت الظُّروف، دون ربط ذلك بتصرُّف صحيح منهم أو غير صحيح، مع المحافظة على القوانين المتعلِّقة بالتَّأديب والحزم والالتزام، فالحبُّ غير المشروط لا يعني التَّراخي. فإنَّ الهرمونات الَّتي تفرز أثناء احتضان الطِّفل، تزيد من درجة راحتة واسترخائه مثل إفرازه لهرمون الأوكسيتوسين.
5. عندما يواجهك موقف معيَّن كبالغ “كسماع خبر محزن / مقلق، كموت أحد الأشخاص/ ازدياد نسب انتشار فيروس كورونا” قد تزداد عندك درجة القلق، وأنَّه قد يسبِّب لك الهلع أو الخوف، حاول أن تأخد قليلًا من الوقت لوحدك لممارسة تمارين اليقظة العقليَّة”mindfulness” وتمارين التَّنفُّس “Breathing exercises “، ويمكننا الاستعانة ببعض الموسيقى الهادئة لإكمال هذه المهامِّ، والإرشادات موجودة بكثرة في قنوات اليوتيوب، كما ويمكن ممارسة ذلك مع الأطفال- فقد تعرض البعض منها ممارسات اليقظة العقليَّة في المدرسة- اسـأل طفلك.
6. قلِّلوا من الألقاب والاستهزاء، ارتبط العطاس بلقب كورونا، مِمَّا قد يجعلهم يتجنَّبون العطاس ويكبتونه، لكن علينا التَّذكُّر أَنَّ كتم العطس يؤدي إلى حدوث إصابات في الأوعية الدَّمويَّة وعضلات الرَّأس، وإتلاف الجيوب الأنفيَّة وغيرها، فلا تنتقدوهم بشدَّة وحدِّة، حاولوا توجيههم إلى كيفيَّة التَّصرُّف أثناء العطاس وبعد ذلك، كغسل اليدين ووضع مساحيق التَّعقيم.
7. كن جاهزًا في المرحلة الأولى لأيِّ سؤال واستفسار، واستقبله برحابة صدر، حَتَّى تترسَّخ فكرة أهمِّيَّة الحفاظ على أنفسنا من التَّعرُّض لفيروس الكورونا. ففكرة هضم عقول الأطفال لهذه الفكرة صعبة “كون الفيروس غير مرئيٍّ”، وكأنَّهم يتعاملون مع أمر وهميٍّ فلنحاول تجسيد ذلك من خلال ورشة رسم والبدء بسؤال: كيف تتخيَّل الفيروس؟ اُرسمه… كيف ستقضي عليه… ولنجسد القضاء عليه من خلال الرَّسم الوهميِّ أو رسم بعض الطُّقوس اليوميَّة المطلوبة للمحافظة على النَّظافة.
8. اِمنح الوقت الكافي للأسئلة والاِستفسار لتهدئة الحال، كن يقظًا عقليًّا مع الطِّفل أصغِ واستمع له، ولا تحكم عليه، حاول مساعدته لوصف مشاعره بالكلمات والتَّعبير عن قلقه، لا تستهزئ بكلامه مهما كان غير واقعيٍّ وغير منطقيٍّ، أعطه كامل الاهتمام
وابدأ بتقليل ذلك بالتَّدريج، ووجِّهه للعثور على المعلومات من مصادر موثوقة ملائمة لعمره … قصَّة في فيديو ” دركورونا باللُّغة العربيَّة سيرفق مع المقالة”.
9. وافقه على المشاعر الَّتي يتحدَّث عنها، وشاركه مشاعرك، لكن لا تشجِّعه على الاستمرار بها، وذكِّره بأنَّ عدَّة أطفال يشعرون بنفس المشاعر وهذا أمر طبيعي، مِمَّا يساعد على تهدئة الطِّفل، ويؤدِّي به لزيادة قدرته على معالجة مشاعره يومًا بعد يوم، وتقبُّلها والتَّعامل معها بصورة أكثر واقعيَّة، من خلال تعاملنا معها بشكل عادي وطبيعي دون تهويل . وشاركه ماذا يحبُّ أن يفعل للتَّخلُّص من هذا الشُّعور، مع توجيهك ومرافقتك.
10. كثير من الأهالي يملُّون: الأولاد يملُّون بسرعة. ونسمع في كثير من التَّوجُّهات “نفدت اقترحاتنا” فقد تمَّ طرح بعض الاقتراحات لفعاليَّات متعدِّدة “لا تنفد وغير متناهية “، الَّتي تساعد على التَّركيز في اللَّحظة الحاضرة والبقاء متيقِّظين من خلالها، ننفصل ولو قليلا ونشتِّت انتباهنا عن العالم المقلق مثل: إنشاء لعب لتحسين الذَّاكرة في مواضيع مختلفة، قراءة قصص، حفظ الصلَّوات والتَّراتيل والأناشيد الدِّينيَّة، تعلُّم الشَّطرنج، تحسين لغة معيَّنة (تكريس يوم لكلِّ لغة، يوم اللُّغَة العَرَبِيّة الفصحى، يوم اللُّغَة الإنجليزيَّة/ يوم اللُّغَة العبريَّة …..ونعزِّز كلَّ العائلة في أن تتكلَّم بنفس اللُّغَة ليوم واحد أو لفترة تحدِّدونها معًا) يمكن تعلُّم لغة جديدة عن طريق الكتب أو فيديوهات تعليميَّة أَيْضًا.
11. إن كان الأهل من الأطبَّاء والممرِّضين وأجهزة الأمن، علينا ومن واجبنا إعلامهم بسبب الغياب الطَّويل لنا، وتعريفهم بعملنا والمجالات الَّتي نساهم فيها لجعل بلادنا أفضل، من خلال الحديث معهم أو تكلفة مرافقهم بشرح ذلك، أو مشاركتهم بقصَّة تحاكي أعمارهم، وأن نشغل تفكيرهم بقوَّة والديهم وتأثيرهم الجميل على العالم.
علينا نقل الرِّسالة بطريقة إيجابيَّة ومريحة تزيد تفاؤلهم، لتحسين صورهم الذِّهنيَّة عن مكان تواجدنا “مثلًا ليس إنقاذ النَّاس من الموت- بل جعل النَّاس يشعرون بشكل أفضل، فيشعر طفلك أَنَّكَ بطل/ بعد عودتك: لا تقترب منِّي كلّي فيروس- أعطني لحظة حَتَّ أحضنك بطريقة أفضل… واطلب منه انتظارك والدُّعاء لك، أشعره بمساهمته في قوَّتك.
12. تغيير الأفكار غير العقلانيَّة، حاول أن تعيد تفكير الطِّفل بالأمور بطريقة أكثر يقظة. “ماما/بابا… كلُّ النَّاس بتموت في فيروس الكورونا؟ وإحنا كمان رح نموت” السُّؤال للوهلة الاولى مخيف ومضحك وصادم.. أجب على مثل هذه الأسئلة بأسئلة تعيد تفكيره بما يقول مثلًا: اِبدا بسؤال كم عدد النَّاس في العالم؟ وأعط مثالًا عن نسبة الانتشار ومثلها برسم بسيط. وأدخل لإدراكه أنَّ الفيروس لا يقترب من الأشخاص الَّذين يبقون في المنزل ويحافظون على استخدام المعقِّمات وغيرها..
13. بناء قائمة رصد السُّلوكيَّات الجيِّدة من خلال قائمة رصد السُّلوك/ قائمة التَّعزيز مع تحديد التَّعزيزات معًا (يوجد نموذج أسبوعي في نهاية المقال) الأيَّام الخمسة الأولى، ثمَّ عشرة أيَّام، ثمَّ الخمسة التَّالية، وفي اليوم العاشر ليكن التَّعزيز ذا قيمة أكبر بالنِّسبة للطِّفل.
14. لحلِّ مشكلة عدم الرَّغبة في النَّوم/ الأرق/ علينا ترسيخ الفكرة لدى الأطفال أنَّ النَّوم يساعد على تحسين جهاز المناعة، مما يساعدنا في القضاء على المرض، ويمنع دخوله إلى الجسم . ولحلِّ مشكلة الكسل والخمول.. فقرة رياضيَّة صباحيَّة تغيِّر من أجواء العائلة وفيها نوع من الفكاهة “الذي يُفيق أوَّلًا يقرِّر لعبة/ أكلة اليوم”.
ختامًا: لا تتردِّوا بالتَّوجُّه لمعلِّم من المدرسة، مرشد تربوي ، معالج نفسي، معالج تربوي أو مستشار وذوي الاختصاص، وغيرهم من الكوادر المساعدة هاتفيًّا، ونتمنَّى لنا ولكم السَّلامة، ولا تتردَّدوا في التَّوجُّه بأيِّ استفسار وسؤال، ونحن في الخدمة.

بقلم: لينا بلال أبو حسَّان/ترشيحا
سيكولوجيَّة تربويَّة لقب ثانٍ

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة