نساء القصور على مرّ العصور (الحلقة الرابعة)

تاريخ النشر: 09/12/18 | 9:53

شجرة الدر أو شجر الدر عصمة الدين أمّ خليل. عندما تتحول الغيرة إلى وحشٍ مفترس وتثق بأنّ العرب بعد الإسلام يقبلون بحكم المرأة على مضض. أنصحك أيّها القارئ أن تتعلم من قصص التاريخ الحكمة و أن الأيام تتجدد ولكن بألوان مختلفة وحلل جديدة. هل المرأة جديرة بقيادة الحكم؟ سنقدم مثالاً على امرأة مسلمة استطاعت بفطنتها وذكائها أن تسمى ملكة المسلمين لا نعلم شيئاً عن طفولتها ولكن هذه الجارية التي اشتراها السلطان الصالح نجم الدين الأيوبي ويبدو أن سوق النخاسة وبيع الجواري كانَ منتشرا في ذاك الزمان وهي عدالة السماء تمنحها فرصة الحرية والانعتاق من العبودية وقد خفق قلب الملك وطرب بصوتها الرنان وتمايل مع غنجها ودلالها ليعلن زواجه وتنجب له ولده خليل وتكنى بأم خليل. كانت بلاد مصر في ذاك الزمان في حالة صراع مستمر والسلطان الصالح نجم الدين الأيوبي في معارك طاحنة ومستمرة، ووفاته في هذه الظروف هي فقدان لمقاليد الحكم وهذا لا ترضاه زوجته المعروف عنها بمشاركة زوجها الحكم وتقديم النصيحة بذكاء يشهد له التاريخ أخفت خبر وفاته بالتعاون مع قلة من قادة الجيش وتمّ دفنه في قلعة جزيرة الروضة بسريّة تامة. وأعلن عن تدهور حالته الصحية وكانت تدخل الطعام لغزفته يوميا كي لا يشك أحد بموت السلطان. وعندما شعرت بأن خبر موته لا بد من انتشاره استدعت ولده وأعلنت توران شاه ولي عهد للسلطنة المصرية. وظهر في عهدها القائد المعروف الظاهر بيبرس الذي هزم الصليبيين في المنصورة. توران شاه بدأ يطالب شجرة الدر بأموال والده وهددها بالقتل ولكن المماليك أصحاب الكلمة أعلنوا شجرة الدر ملكة المسلمين بعد قتل توران شاه وبذلك انتهى حكم ليبدأ حكم جديد مع شجرة الدر والمماليك وكان الدعاء لها في المساجد ( المستعصمية الصالحية ملكة المسلمين والدة خليل أمير المؤمنين) أرادت أن تكسب رضى أمير المؤمنين المعتصم ولكنه رفض الفكرة وكتب لهم ( إن كانت الرجال عدمت عندكم فاعلمونا حتى نسير إليكم رجلا) وهذا دليل على صعوبة تقبل الفكر الإسلامي العربي للمرأة الحاكمة. ومن الناحية العلميّة يجب الاعتراف بذكاء وفطنة هذه المرأة و هذا الصعود السريع وهذه القدرة الادارية العالية الكفاءة لشجر الدر تقودنا لتساؤل مهم :هل المرأة أكثر ذكاءا من الرجل ؟!! نعم إنه سؤال محيّر…الحقيقة أنّ محاولة إيجاد إجابة علمية لهذا التساؤل كانت مع تشارلز داروين صاحب نظرية أصل الأنواع والذي ذهب بالقول إن أدمغة النساء أصغر من نظيرتها في الرجال وهو ما تؤيده الأبحاث الحديثة الحالية من أن دماغ المرأة أصغر ب ٨٪ من حجم دماغ الرجل و لازالت تتباين الدراسات العلمية إلى يومنا هذا ما بين المنتصرة لتفوق ذكاء المرأة وأخرى تدفع باتجاه تميّز ذكاء الرجل مستخدمين طرق للقياس مختلفة إلا أن اتجاها يرى أن الذكاء بين الجنسين متقارب ففي دراسة بقيادة د.ستيوارت ريتشي بجامعة ادنبره باستخدام التصوير بالرنين المغناطيسي للدماغ للجنسين وجد أن أدمغة النساء تميل لامتلاك قشرة مخّية أكثر سماكة من الرجال، ما يعني ارتباطا بالقدرات الإدراكية ومعدل الذكاء العام، بينما تميل أدمغة الرجال أن تمتلك مناطق تحت قشرية أكثر سمكا، كمنطقة قرن آمون (التي تلعب دورا كبيرا في الذاكرة والإدراك المكاني) ..

هجوم كبير على حكمها ومعارضة بأن المرأة لا يحق لها السلطة فلم تجد شجرة الدر بدا من التنازل عن حكم مصر ولكن لمن ؟!! …كان المماليك منقسمين بين زعامتين قويتين هما عز الدين ايبك وفارس الدين اقطاي فمال قلب شجر الدر إلى ايبك وتنازلت له عن الحكم إلا أن الأمر لم يرق إلى المماليك فحاولوا تقليص سلطات ايبك بتولية أحد أبناء البيت الأيوبي وهو الملك الأشرف موسى بن يوسف بن يوسف بن محمد وكان في السادسة من عمره لتكون سابقة أخرى في التاريخ المصري وهي تولي حاكمين على عرش مصر …لكن سرعان ما استتب الأمر لايبك بمقتل منافسه اقطاي وعزل الملك الأيوبي الطفل فاتجه ايبك إلى توسيع نفوذه فقرر الزواج من ابنة صاحب الموصل بدر الدين لؤلؤ مما اجج شعور الغيرة عند شجر الدر.
‎يقودنا هذا إلى تساؤل ؟ هل هناك تفسير علمي للغيرة التي تشعر بها المرأة عندما تنافسها امرأة أخرى ؟! وما الذي يدفع الرجل للزواج بأخريات ؟!!
الإجابة على التساؤل الأول تحمله لنا دراسة على صفحات مجلة biology letters من أن الغيرة ترتبط بارتفاع نسبة هرمون الأستروجين في فترة الاباضة !!..بينما الإجابة على التساؤل الآخر تحمله لنا دراسة من جامعة شيفيلد البريطانية من أن الزواج بامرأة ثانية يمنح الرجل ثقة بالنفس وراحة أكثر كما يجعله يعيش لفترة أطول !!!
شجرة الدر والتي قررت ان تنتقم لكرامتها فخططت لقتل زوجها ايبك بمعاونة بعض المماليك فقتل أثناء استحمامه بقلعة الجبل…حاولت بذكاء التنصل من اية صلة لها بمصرع زوجها إلا ان زوجة ايبك الأولى قررت أن تنتقم من شجر الدر فأمرت بضربها بالقباقيب حتي الموت ثم القيت عارية من سفح قلعة الجبل ويقال بقيت لأيام في العراء بعد موتها ليرق بعض الناس لحالها ويواروها الثرى …وهكذا استدل الستار على ملكة ملكت أرض النيل يوماً وكانت النهاية مأساوية.
أستاذة راغدة شفيق محمود الباحثة السوريّة في علوم اللّغة
د.محمد فتحي عبد العال كاتب وباحث مصري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة