سرُّ سلوى .!

تاريخ النشر: 29/07/18 | 12:54

لماذا لم تترك سرَّنا دفيناّ في اعماقنا , فيدفن معنا ..
لقد بلغنا من السِّن عتيّا ..
لماذا أبيتَ , إلّا أن تكشف حبَّنا لسلوى ..
لماذا أبيتَ , إلّا أن تخلط أوراقاً ,هاجمها الخريف , فاصفرَّت وسقطت على التراب , وتوحَّدت معه ..
لماذا أحييتَ ذكريات حسبناه رميم ..
كانت لك سلوى تعيش معها ..
وسلوايا تطرق بابي بين حين وحين ..نتبادل المناجاة التي تملأنا سحراً في أحيان , ونبكي هول مصابنا في أحيان أخرى ..
فهي لا تأتيني إلاّ في الليل .. عندما يلفُّ الليل جسمه بعباءته السوداء , وينام في حضن السكون .
ولا تغادرني إلاّ بعد , أن تتعبني , وأنام خارج فراش حلمي ..
مشكلتنا – أنا وأنتَ – أننا لم نرَ وجه سلوى قط ..
قطعنا المسافات الطوال , تنقلنا من مكان الى مكان .. أمكنة لا تحصى .. نبحث عنها ..
من رأوا وجهها , قالوا انه أبيض كبياض زهرة القرنفل ..تزينه عينان سوداويتين أخذتا من غسق الليل ..وخدين بلون برتقال يافا ..
جاءتنا أخبارها , أنها في مخيم الدهيشة , تشرب الغاز المسيِّل للدموع الذي أدمنته ..
فطرنا – أنا وأنتَ – الى هناك ..
فوجدناها تذوب , بين مئات الصبايا , اللواتي يرمين الحجارة ,على جنود الإحتلال ..
فسألنا طفل ,كان يوزع البصل على المتظاهرات :
من تكون منهن سلوى ؟
فأجاب : كلهن سلوى ..!
فرجعنا نبحث عن سلوى ..
لأوَّل مرة أخبرك , أني عرفت سرَّك , الذي حاولت إخفائه عنّي .. زيارتك لسجن الدامون ,بحثاً عن سلوى , بعد ان بلغك وقوعها في ظلماته ..
أأخفيته عنّي , كي تظفر بزيارة لها .. فترتفع درجة عنّي في درجات حبِّها ..
أم أنك أشفقت عليَّ , من عذاب رؤيتها مقيَّدة في سجنها ..
أتريد أن تعرف , من أين وصلتني أخبار زيارتك لها ..!؟
منها ..!
وصلتني رسالة منها , فيها اعتذار لنا ,عن عدم تمكنها من مقابلتنا , عند وصولنا الى السِّجن ..
لقد كانت تشارك السجناء والسجينات , إضرابهم عن الطعام ..
كانت في وضع ,لا تستطيع الوقوف والمشي ..
كانت على يقين ,أنني كنت في رفقتك , في زيارتك لها ..
تقول أنك قررت , ان تفشي سرَّنا معها , بعد ان جاءتك في المنام .
طلعت عليك مع نجمة الصبح .. بين لملمات رحيل الليل , وتسلِّل أسراب طلعات النهار الأولى ..
كنت في عزِّ نومتك الأخيرة ..
فتجلَّتْ لك ..
كنت تلبس بدلة عروس بيضاء , تجرُّ وراءها ذيول منها خلفها ..
وعلى رأسها طرحة ,تسللت من خصلات من شعرها الأسود ..
سأَلَتكَ ..
أترافقني الى شاطئ يافا ..!؟
فسكتَ ..
اليوم يوم عرسي , وأريد أن أتجلّى على رماله , و على ألحان أمواجه..
فوقفت ومددت يدك , لتكشف عن وجهها ..
فاختفت ْ..
وعندما قلت لك , ربما كان عريسها على حصانه الأبيض , ينتظرها على شاطئ يافا ..
لم يعجبك هذا , وهربت منّي الى أحلامك ..
سمعنا – أنا وأنت – أنها تطوف في أزقة مخيَّم عسكر , توزِّع الأعلام على أطفال المخيَّم ..
فيممنا شطره ..
أخذت معك زهرة من البرقوق الأحمر .. قطفتها من جبلنا – جبل الخطاف ..
وعندما وصلنا المخيَّم , وجدنا الأعلام ترفرف في أيدي أطفاله ,
وعندما سألناهم عنها , أجابونا أنها غادرت المخيَّم منذ لحظات , لأن اليوم يصادف , ذكرى بداية الانتفاضة .. وهي تتنقَّل من بلد الى بلد , لمشاركة أهلها , في الاحتفال بهذه المناسبة ..
فتأكدنا أننا لن نلحق بها ..
إلتقينا بمظاهرة بلعين بشابات وشباب من الخليل ونابلس والقدس والناصرة..
وعندما سمعت , أن جميعهم يهتفون باسم سلوى .. بدت عليك إمارات الغيرة, والغضب ..
إنّي أعرفك .. أنت تريد سلوى لنفسك فقط .!
وأنت تعرف جيِّداً ,أن سلوى تحبُّ كلَّ من أحبَّها .. وهم كُثر ..
وأن سلوى لها قلب مفتوح , لكل الذين يريدون ارتياده .!
وسألتني ..
لماذا نبحث عنها .. وهي تبحث عن الحبِّ في قلوب :
النازحين والمشرّدين والمضطهدين من بيننا .
فقلت لك :
هذه سلوى ..
إما تحبُّها كما هي .. أم تبحث عن سلوى ثانية , في ديار أخرى ..!

وقلت لي مرة :
لعلنا نبحث عن حلم .. يقترب منا , حتى تكاد أصابعنا تلامسه .. فيتبخَّر ويطير بعيداً عنّا ..
فسكتُ ..
ولم تقل شيئاً ..!
هل أدمنت أحلام سلوى ..!
حتى أنك لم تعد تقدر , ان تعيش بدونها .!؟
اقتربتْ منّي سلوى .. حتى أنها نامتْ تحت زيتونتنا ..نامت لتحرس الزيتونات ..
بعد أن شاركتْ أهل بلدنا , في ردِّ المستوطنين , الذين هاجموا كروم زيتون البلد ..
وفي الصباح , رأتها أمي تقطف غصناً منها وتمشي ..
وعندما قمت من نومي , قالت لي أمي مبشِّرة , كأنها وجدت السعد :
” لقيت لك عروس .!” .
لماذا تطيل الجلوس , على حافة نهر الأردن , وتعزف ألحان حبِّ سلمى الحزينة !؟
فالنهر جفَّ , ولم تعد الحوريات , تخرج من قاعه , وترقص على صفحاته ..
النهر يبكي سلمى بلا دموع ..
هل تنتظر , حتى تعود سلوى الى النهر , وتعيد جريان الماء فيه , الى ما كان عليه .!
سلمى حورية خرجت من النهر, ودارت في البلاد , لتداوي الجراح , ولم تلتق بها لتداوي جرحك .!
فهي كالبرق في حلك الليل , تومض وسريعاً تختفي ..

سيظلُّ جرحك يدمى حتى , ترى وجه سلمى ..
حتى تعرف سرَّها
حتى تكشف لك عن وجهها
قد تجدها في سوق الخليل , تبحث عن ألأطفال المشردين ..
وقد تجدها عند أم الشهيد , تسقي نعنعتها ..
وقد تجدها تحمل حقيبة طفل , شوهته أسلحة الإحتلال , في طريقه الى المدرسة ..
هند حلم يعيش فيك ..إبحث عن سرِّه ..

يوسف جمّال – عرعرة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة