بالْطُو

تاريخ النشر: 29/05/17 | 16:51

على الرّصيفِ المُتجمّد من الجليدِ خطا ذاك الشاب يفكّر: ماذا لو لم تقبل تلك المرأة البائعة أن تعيد هذا البالطو الذي اشتريته يوم أمس؟ لكنْ إذا أبتْ أن تردّ المبلغ فلتمنحني بسعره بالطُو آخر. مرّ ذاك الشابّ بمحاذاة متسوّلةٍ ترتدي ثياباً رثّة تشحذ بطريقة مهذّبة. رنتْ إلى المالِ في يديه، فعَلَت محياه كآبة. المتسوّلة قادرة على أن تبتاع خمسة بالطوهات، وربّما أكثر، بربح نصف يوم شغل! انتبهتْ المتسوّلة إلى تحديقه بها، وسارع إلى تخبئة المالِ في جيبه. فقالتْ بصوتٍ مرتفع: الله يحمي شبابَك اعطف عليّ. أشاح ببصره عنها، وتابع طريقه صوب متجرِ الثّياب. لم ينتبه إلى صاحبِة المتجر، التي كانت تسير وراءه عائدة من المطعم. ألقتْ المتسوّلة السلام على صاحبة المتجر كالعادة، وعلى غير عادةٍ ردّت صاحبة المتجر هذه المرّة، ثمّ دنتْ منها، وقالت للمتسوّلة لها لأوّل مرّة: مرّي إلى عندي على المتجر بعد قليل، يوجد لكِ عندي شيء. فسرّتْ المتسولة وراحت تدعو لها، فأكملتْ صاحبة المتجر سيرها ووصلت إلى متجرها.
ألقى التحيّةَ على صاحبة المتجر عندما دخل ذاك الشاب. ردّت صاحبة المحل مرحبا، وأمعنت النظرَ فيه، فتذكّرته، فقال لها: يوم أمس ابتعتُ من عندك هذا البالْطُو، ولم يجسر أن يقولَ لها يرغب بإعادته، وقال أريد أن أغيّره إذا سمحتِ. أخرجتْ صاحبُة المتجر البالْطُو من الباكيت النايلوني لتتفحّصَه، وقالتْ له: لا يتبدل، وألقته على كاونتر أمامه، فسأل عن السّبّب. فقالتْ له: انظر ماذا أنت عملتَ به؟ فالْبالطو كما تراه ها هو مجعلك ومكرمش، يصعب أنْ أبيعه مرة أخرى. حاول ذاك الشابّ أن يستجمع وبدأ بالبحثَ عن كلمات قد تغيّر من رأي صاحبة المتجر. في هذه الأثناء دخلتْ المتسوّلة، وكانت تنتظرُ خروجه. شعرَ ذاك الشابّ أنه على وشكِ الخسارة، فدنا من صاحبةِ المتجر وقال لها: صدقيني لا يوجد معي نقودٌ لكيْ أبتاعَ بالْطو آخر. فصاحتْ صاحبة المتجر أنتَ أتيتَ إلى هنا لكيْ تتسوّل، واستدارتْ، وفتحت الباب في إشارة منها بأنها لا تريد الكلام معه.
سار خارجا من المتجرِ وحاول قدر استطاعته أن يمنع الدّموع، التي ملأت مقلتيه من أن تذرف. منحتْ صاحبة المحل المتسولة نقودا ليست بقليلة، فدستها في جيبها وشكرتها بسرعة وخرجت. نادت عليه المتسوّلة، فالتفتُ وقالتْ المتسولة خذ. تجمّد ولم يمد يده، فقالت هذا ثمن البالْطو، وقبل أن يتفوّه شيئا أردفت المتسوّلة: صاحبة المتجر أرسلتهم لكَ .
قبض النقودَ، وقال هذا المبلغ أكثر، فقالتْ المتسولة: هي ندمتْ، لأنها غلطتْ معكَ، وبعثتَ لك زيادة على المبلغ، كتأسّفٍ منها، وكانت في تلك الأثناء تقفُ فتاةٌ على إشارة مرور، ورآها تبتسمٌ حين رأته يهبُ المتسوّلة ما زاد عن سعرِ البالْطُو، التفتتْ إلى فتاة واقفة على يسارها وقالت لها: بدل ما يمنح المتسولة نقودا، فليبتاع بالْطو. قهقهتا، وسارتا على الموجة الخضراء لإشارة المرور.
عطا الله شاهين

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة