أجسادٌ لمْ تمُتْ بذاكرتي

تاريخ النشر: 29/04/17 | 7:52

أعطني سبباً واحداً كيْ أذكرَكِ أكثر، واتركُ ثائرتي تطغي على جسدِكِ وغُنجكِ، وأنتِ تتمددين على فراشكِ الوثير..
ظُهوركِ كُلّ ليلةٍ لا يزالُ يسكُنُ ذاكرتي الممسوحة، التي ما زالتْ عالقةً فيها مشاهِد قتل الأطفال بطائرات الاباتشي في حربٍ مجنونة.. أطفالي شاهدتهم الآن ينتظرون رجوعي مِنْ نزواتي، التي تنتهي عادةً بالاستسلامِ لأجسادِ النّساء العذارى.. حبيبتي قتلتْ نفسها للمرّة الخامسة، ومزّقتْ أُنوثتها بيديّها عليّ لا أذكرُها، حبيبتي لمْ تعرف رجالاً وما زالتْ عذراء..
ضوءٌ بنفسجي كان يشدُّني إلى دوّامتي الزّرقاء في سماءٍ بعيدةٍ، حينما سكنني القلق! قابلتني ذات ليلةٍ خلف بستان مهمل، تركتُها تمسحُ بيديها الناعمتين أجزائي المُذنبة، لمْ اشبعْ، لكنّني تذكرتُ بأنّني كُنتُ محترفا في الحُبِّ رغم الخجل الذي بدا على وجهي.
هُناك ازدادَ إحساسي بالحنينِ، فلمْ أتمالكُ أعصابي، وقتلتُها بلثمةٍ مُميتةٍ.. لمْ يكُنْ قتلُها يحتاجُ لمهارةٍ واحترافٍ، يكفي أنْ تغمضَ عينيّكَ وتلثمُها بشفتين محرومتين مِنْ ممارسة حُرّيّتهما للوصولِ إلى طعمِ الحُبِّ..
الطرقات الضّيقةُ التي أدخلتني إلى مكانٍ غامضٍ كانتْ تؤلمُني كُلّ ليلةٍ، فسامحتها على أمْلِ أنْ تولجَ غيري ذات ليلةٍ لكيْ أعودَ إلى هيجاني الجُنوني، عندما تقتحمُ داخلي الغامض ولا تخرجُ..
حبيبتي كانتْ غريبة الأطوار وشرسةٌ فقطْ في العتمة، ولا زالتْ عذراء .. قتلني العَبث في تفكيري المستبد على أجسادٍ لنساءٍ عذاروات لمْ يمُتن بعد .. كُلّ حبيباتي كُنّ عذراوات، والإشكالُ الوحيد ما زال يكمُنُ في أنّني لمْ أذكر وقائِعَ الحبيبة الأولى، التي تمددتُ بجانبها ذات شتاءٍ قارسٍ في كوخٍ سيبيري، وتركتُها عذراء، حينما كُنتُ اصطادُ أسماكاً من نهرٍ متجمّدٍ لسدِّ جُوعي..
صديقي الرّجل العجوز لمْ يكُنْ حكيماً، لكنّه قال لي : ستجِدُ مبتغاكَ يوما، ابْحَثْ في فراشكِ عن شيءٍ لنْ تصلَ إليه أبداً واستيقظْ على شخير امرأتِكِ وستعرفه..
صديقي الرّجل العجوز ماتَ بالثّلجِ، الحادثة تركتني استجلبُ الذّكريات الواقفة على جدار قلبي المُشتعل لهفاً لاحتضانِ امرأةٍ تُثيرني بهمساتٍ صاخبة، في صيفٍ حارٍّ وفي شوارعٍ غاصّةٍ بالعُشّاق..
الثّلجُ كان يتساقطُ بغزارةٍ، والشّوارع بدتْ بيضاء ونظيفة.. صديقي الرّجل العجوز شاهدته يبكي.. وأشجارُ التّنوب القريبة رأيتها تصرخُ بحزنٍ وكأنّها تقول ستموتُ أيّها الجسد المُتجعّد، عُدْ إلى كوخِكَ واحضن قارورة الفودكا، وانْسَ نزواتكَ وانتصاراتها على أجسادِ النّساء الخشنات زمن الغزو النّازي .. كنتُ انظرُ حولي وكأنّني أجِدُ نفسي في هذا المكانِ ولأوّلِ مرّة وبلا هدفٍ، سوى معرفة كيف يجوعُ الإنسانُ في بلادٍ تحكمها طبقة الكادحين؟
صديقي الرّجل العجوز شاهدته وهو يموت، وكان بيديه شرابٌ مُسكِر ليس إلّا..
حبيبتي السّاحرة الجمَال ماتتْ أيضاً، ولمْ أتمكن من معرفةِ سبب رحيلها عنّي، لكنّني تذكّرتُ كيف قبّلتُ جسدَها البارد الميّت .. كانَ جسدُها ذابلاً وحزيناً، لمْ يبقَ مِنه سوى تجاعيد حفرها الزّمن، وقتلتها الطبيعة الباردة..
صحوت مِنْ ثملي تَحْتَ الثّلجِ، وعدتُ إلى ذاكرتي، وحضنتُ صورة أُمّي وبكيتُ في رُكنِ حجرتي الباردة، ولعنتُ الموْتَ سارقَ الأجساد الفقيرة..

عطا الله شاهين

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة