سواليف الديرة (4).. حديث الدور وحديث القبور

تاريخ النشر: 25/02/17 | 9:31

مسعود نبيهة
لُقب “مسعود نبيهة” بهذا الاسم نسبة إلى اسم أمه نبيهة، وهناك عدّة اقاويل تخدم هذه الرواية، حيث اشتهرت أمه بظلمها وشرّها وايذائها للغير وهي الآمرة الناهية في بيتها، ويقال أنه أخذ من أمه الكثير، لذلك سمي على اسمها. أما الرواية الثانية، فتقول بأنه الولد البكر وقد احبته أمه اكثر من نفسها وروحها ودللته بصورة مبالغة، والرواية الثالثة تنص بأن من أطلق عليه هذا الاسم، كان يقصد إهانته وليس كما هو متّبع على اسم أبيه، والرواية الأخيرة تخدم سابقتيها.
لم يعمل “مسعود نبيهة” ولو يومًا واحدًا في حياته، عاش حياة رغد على حساب أمه وعلى ما تعطيه إياه الأرض من خيرات.
زوجته اسماء كانت زوجة مطيعة ومحبّة تنفذ كل ما يطلبه دون اعتراض، ويقال أن له خليلة دائمة في مدينة يهودية، وأن زوجته تعرف بذلك وليس لها أي اعتراض، وأصبحت جملتها معروفة للجميع: “المهم انه ينام في فراشي كل ليلة”.. ويقال أيضًا، عندما سألوها: كيف تحبينه هذا الحب وهو يقاسمك الحب مع يهودية؟
أجابت: سألوا جحا من تحب اكثر شخص في العيلة؟ فأجاب جحا “إللي بنام جنبي كل ليلة”..
حديث الدور
في إحدى المرّات، طلب مسعود من زوجته أسماء أن تحضّر له ولصديقه فنجان قهوة، قائلا: اسماء حضرّي لنا فنجان قهوة..
تململت اسماء في مكانها وقالت: ااااااااه بوجع..
مضت بضع دقائق وقال لها ثانية: اسماء حضّري لنا فنجان قهوة..
تململت اسماء في مكانها وقالت: ااااااااه بوجع..
غضب مسعود وكظم غيظه وفكر مليًا، ثم قال لها بعد مضي بضع دقائق:
اسماء حضّري لنا القهوة..
تململت اسماء ثالثة وقالت بألم: ااااااه..
ثم نهضت من مكانها وذهبت باتجاه المطبخ لتحضّر القهوة، فناداها زوجها: اسماء عودي إلى هنا من فضلك..
اسماء: نعم..
ونظرت اليه بعينيها الواسعتين.
مسعود: كم سنة مضى على زواجنا؟
اسماء: 40 عامًا..
مسعود: أربعون عاما وأنا أنام معك في نفس السرير وأفعل معك ما أفعل، صدّقيني أنه لو فعل أحدهم بي مرّة واحدة ما أفعله معك، فلن أجرؤ أن أنظر إلى عينيه طوال حياتي.. وانت بعد أربعين عامًا تتململين بوقاحة لمطلبي وأمام صديقي..
حديث القبور
كان مسعود نبيهة وصديقه فالح العامر، كلما يريدان أن يختليا ببعضهما ويتكلمان عن خصوصيتهما دون أن يسمعهما أحد، يذهبان إلى المقبرة والتي تسمى في القرية “التُربة”.. يدخلان المقبرة ويجلسان بين القبور، يدخنان السجائر ويتناولان العديد من الأحاديث..
مرّة، كانا يجلسان القرفصاء بين القبور ومسعود ينكش التراب أمامه بعودٍ صغيرٍ في يده، فسأل مسعود نبيهة صديقه فالح العامر: لمن هذا القبر؟
وأشار بعوده نحو قبر جميل أمامهما..
فالح العامر: هذا لفلان الفلان..
مسعود نبيهة: الله يحرق صفحة أبوه وصفحة عشرة حواليه..
ثم أشار لقبر آخر وسأله ثانية: ولمن هذا القبر الآخر؟
فأجابه فالح العامر: هذا لفلان..
فشتم مسعود نبيهة المتوفي وشتم كل من حوله..
بعد مرور لحظات من التأمل، قال فالح العامر لمسعود نبيهة: ما رأيك بأن نشتم كل اللذين نعرفهم ولا نبقي أحد؟
فأجابه مسعود نبيهة: هيّا ابدأ أنت.
فقال: يلعن صفحة أبوك أول واحد..
ضحك مسعود نبيهة وأجابه بالمثل وزاد، وهكذا كانت الناس تخترع الكلام المضحك والمسلي حتى يتندرون بكلامهم فيما بعد، وكانوا يستحملون بعضهم بهدف إضفاء المرح على حياة البؤس والشقاء التي يعيشونها في القرية..
الأوادم والزعران
في إحدى زيارتهما للمقبرة، دخلا مسعود نبيهة وفالح العامر بين القبور، كانا يسيران الهوينة ويداهما معقودة خلف ظهرهما، فجأة توقّف مسعود وأخرج علبة سجائره، قدم سيجارة لصديقه وأخذ سيجارة لنفسه، وبعد أن أشعل السيجارة قال مسعود لفالح: هل ترى شيئا يا فالح؟
فالح: ماذا تقصد؟
مسعود: انظر جيدًا..
فالح: لا أرى سوى القبور وهذه الأعشاب بينها. هل ترى أنت شيء آخر غير ذلك؟
مسعود: أنا أرى أن كل الأوادم- يقصد الناس الصالحين- تحت التراب وكل الزعران- يقصد الناس الطالحين- فوق الأرض، ونحن منهم..
فالح: آه والله معك حق..

بقلم: ميسون أسدي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة