رحيل فاطمة المرنيسي

تاريخ النشر: 02/12/15 | 7:54

رحيل فاطمة المرنيسي.. خسارة للفكر ولقيم الحرية في العالم العربي

لا أحب الوداع مُرغما ولا أحب الرحيل قهرا، فكيف بوداع الحياة ورحيل الموت..!! أيها الموت.. أبق لنا قليلا من الذين اجتهدوا ونحترمهم.. نعيش معهم بحب، هذا القليل من الزمن الذي أبقيت لنا إن أبقيته..!!…فاطمة المرنيسي تغادر كوكبنا.. تاركة النساء دون حُلم.. و الرجال دون عقل..!! سندبادية من وراء الكلمات تَسْقُط… وابنة بَطُّوطة رَحَّالة وراء الأفكار تتوقف.. وخَلْدُونية في تفكيك البنيات الاجتماعية تُغَادِر.. ونِتشِيَّة بالمطرقة في خلخلة المفاهيم الاجتماعية تَسْتسلم.. ولكنها فاطمة المرنيسي التي ثارت على البنيات الذكورية الاجتماعية شرقا وغربا.. والتي استطاعت من داخل قارة علم الاجتماع أن توضح أن إقصاء النساء هو العنصر المركزي لأي تخلف، وأن يكون قوام الرجولة في هذا الكوكب، حناناً متدفقاً، وفيه رجال ينتحبون حين تفارقهم نساؤهم فى الصباح، ويحتفون بهم عند مجيئهم كل غروب، بإنشادهم الشعر، أو إلقاء قصيدة لنزار قبانى عند كل مساء…!
غادرت فاطمة لكنها ستبقى حية كما أفاد الشاعر: “وأهل الجهل حياتهم موت*** وأهل العلم موتهم حياة”. فهي لم تكن أبدا من السلطانات المنسيات، ولا من الحريم، لأنها كانت مقاتلة على جبهة الفكر والحرية، وامرأة شجاعة، من جامعة القرويين، إلى جامعة السوربون، إلى جامعة برانديز بأمريكا. اقتحمت ميادين وحقول شائكة وصعبة، وتميزت بانفتاحها على أفق أكثر سعة، وكما قالت ” إن هناك فرقا شاسعا بين التأمل في غرفة مغلقة والتأمل أمام صخب المحيط الأطلسي، إنهما تجربتان مختلفتان جدا إنني أمام المحيط أدخل في علاقة مع الكون، أحس بأن قوتي تضاهي قوة (المرآة التي تلبس كسوة الريش) التي حكت عنها شهرزاد”.

-1- فاطمة المرنيسي وجامعة القرويين:
في سؤال لمجلة سيدتي عام 1998، جاء كالتالي: ماذا تعلمت أنت التي تتلمذت في فاس من علماء «القرويين»؟، تجيب: تعلمت أن أنظم جهدي يومياً لفهم الهوى والعواطف حتى أتمكن من تقوية عقلي، كانت «جامعة القرويين» مجالاً للتعلم على أصوله، درسنا علوم الفقه والعربية والفرنسية والرياضة، أسخر حينما نقول عن الإسلام أنه عنف بينما ما عشت به ودرسته مختلف تماماً.
-2- الكتابة لدى فاطمة المرنيسي كآلية نضال، وقد صارت كاتبة ليس بالصدفة:
وهي المرأة الخبيرة التي ترعرعت في عمق مدينة فاس العالمة، في أحد العوائل الكبرى، والتي مكنها محيطها من جمع ما يزخر به فسيفساء المجتمعي المغربي، حيث تتصادف حياتها مع كل أطياف ومكونات المجتمع، ولا غرو أن تكتشف مبكرا، أهمية القراءة وتطلع على التراث الإسلامي والموروث العلمي العربي وتخلص إلى أن الكتابة مُتعة، آلية حياة وبقاء، كما تقول هي نفسها، والكِتَابة حسب فاطمة المرنيسي “مسألة متعة”، لذلك فهي ممنوعة منذ قرون على المقهورين والمغلوبين والضعفاء والفقراء والنساء والفلاحين.. فلا غرو أن تعلن فاطمة المرنيسي تكريس حياتها للكتابة حيث تقول: “الرحمن، علم القرآن، خلق الإنسان، علمه البيان. البيان أقوى من السيف واللغة هي سلاحي. كل هذا تعلمته في الكتاب. ليس بمحض الصدفة أني قد صرت كاتبة”…!!
-3- ختاما… وقبل الوداع..
فاطمة المرنيسي لم تمت لأنها خلدت معنى جديدا للمرأة في نصوص التاريخ، وفي عمق صفحات كتبه. وستبقى خالدة في قلوب كل من سيمر في هذا العالم وسيقرأ حروفها التي كتبتها بأمدة امتزجت بدمائها وبكل ما تحويه من ثورة ضد الظلم والاستبداد. إنها من أسماء النساء القليلات الرائدات، اللواتي اقتحمن عالم التراث المغلف بالقدسية للبحث في قضايا المرأة…فكتبت باسلوب علمي وفكري وتحليلي عميق وضرب أدبي راق وماتع، فكتبها ومقالاتها العلمية تحمل في طياتها الكثير من المعرفة، لكنها في آن واحد نصوص من الأدب الجميل، نصوص شعرية وهزلية وممتعة للمطالعة، كاتبة حملت إشكالية وهموم الرؤية في التراث، اسم انتصر لكل ما هو مشرق ومستنير في تراثنا الإسلامي وأعلى من شانه، فقبل أن تودع هذا العالم، تركت وصيتها الأبدية:”إن العالم العربي الذي يستحق أن نحارب ونتصادم في سجالاتنا من أجله، هو عالم حيث يستطيع العقل العربي بسط قدراته، كما يبسط عصفور جناحيه ليبلغ الأعالي”..فرحمة الله على روح السوسيولوجية والعالمة المغربية الكبيرة فاطمة المرنيسي، فلترقدي بسلام…

عمر ح الدريسي

1

‫2 تعليقات

  1. شكرًا جزيلا للكاتب المحلّل والمبدع عمر ح الدريسي على هذه المادّة
    القيّمة النافعة عن شخصيّة نسائيّة تركت بصماتها في سجل المفكّرين
    والمناضلين والروّاد الذين أرادوا للمرأة العربيّة أن تنال حقوقها وتتحرّر
    من التخلّف لتشارك الرجل في صنع حضارة راقية تليق بأمّتنا العريقة
    التي أبدعت وعمّرت وترك إرثًا حضاريًّا لنا وللعالم أجمع.
    رحمة الباري الواسعة للفقيدة الراحلة فاطمة المرنيسي.

  2. أولا أشكر موقع” بقجة Bukja” على نشر مقالي ويشرفني ما اوردته من عميق العبارات في تعليقك الدكتور محمود أبو فنه على مقالي وخطف برهة من وقتك الثمين للإطلاع على محتوياته واني لممتن على وما قلته.. وأعتذر عن كل سهو أو تقصير .. لأن الكاتبة الراحلة لها من الزاد ما يحتاج لسنين من التعمق والتأمل.. تحياتي وتقديري…

    للتواصل مع الكاتب: [email protected]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة