ليطمئن قلبى

تاريخ النشر: 30/06/15 | 12:26

كان الخليل عليه و على نبينا الصلاة و السلام استاذ فن المناظرة واستاذاً فى الحوار و الجدل بالتى هى احسن مع الذين ينكرون رب العباد و ينكرون الحق لان قلوبهم غلقت عن قبول الحق نسأل الله سبحانه أن يفتح قلوبنا بقبول الحق و قول الحق انك يا رب أنت الحق تهدى الى الحق المبين.
سيدنا ابراهيم تحاور مع هذا الرجل المجرم النمرود و ادعى النمرود كذباً و زوراً أنه يستطيع ان يحيى وأن يميت فاعتبر إطلاق رجلٍ كان فى كان فى سجنه أن هذا إحياء و قتل الآخر و اعتبر أن هذه قدرة على الإماته، قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ ۖ فألجمه الخليل الحجه، قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّـهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ. بعد هذه المناظرة يسير الخليل على شاطئ البحر فيجد أن دواب البحر تخرج لتأكل من بقايا موجودة على شاطئ البحر كائنات ميته، و يرى الطيور و هى تهبط و تأخذ من هذه الرمم ثم تطير مرة أخرى، تدبر الخليل فيما يرى و قال إن هذه التى ماتت ثم صارت فى أجواف كائنات أخرى سوف تموت أيضاً عندئذٍ كما أن الخليل أنعم الله عليه بالخلّه فأراد أن يكتشف القضية ليرى كيفية الإحياء.
“وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَىٰ ۖ ” قال له ربُّه أَوَلَمْ تُؤْمِن ۖ قال الخليل بَلَىٰ أنا قد اّمنت وَلَـٰكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ۖ، فأقره رب العباد عز و جل أن يأخذ أربعةً من الطير فيقطعهن إرباً ثم ينثرهنّ على الجبال من حوله ثم يدعو هذه الطيور ليرى ماذا سوف يحدث ” وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَىٰ ۖ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن ۖ قَالَ بَلَىٰ وَلَـٰكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ۖ قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَىٰ كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا ۚ وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّـهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ” 260 البقرة.
أولاً: سيدنا إبراهيم قمة فى الادب يختلف عن الطالب الأول الذى طلب فى الآيات التى تسبق هذه الآية العظيمة فى سورة البقرة أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَىٰ قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىٰ يُحْيِي هَـٰذِهِ اللَّـهُ بَعْدَ مَوْتِهَا ۖ.
فكأن السائل الأول ليس فى درجة أدب الخليل قَالَ أَنَّىٰ يُحْيِي هَـٰذِهِ اللَّـهُ بَعْدَ مَوْتِهَا ۖ ” لكن الخليل قال مؤدباً لأنه فى قمة الأدب قال رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَىٰ ۖ، لم يقل دعنى أرى أو دعنى أشاهد أو أنا أريد أن أشاهد، لا، جعل مسألة الرؤيا مقدرةً بتقدير الله سبحانه و لم يقل كما قال عزير أو الرجل فى الآية السابقة كيف يحيى الله هذه بعد موتها لكن الخليل قال رَبِّ من باب الربوبيه من باب التربية، قال رَبِّ أَرِنِي ِ أى ضع فى قدرتك، إلهيتك غير بشرية محضة حتى أستطيع أن أرى أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَىٰ ۖ، يقول ربه قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قال بَلَىٰ، الإيمان موجود و لكن الإنسان بعد أن يرى شىء عظيم.
مثال:-عندما قرأ أجدادنا الآية الكريمة “وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ ۚ صُنْعَ اللَّـهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ ۚ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ “ 88 النمل، الصحابى أقر و لكنه لم ير، لكننا نحن أحفاد الصحابة علمنا علماً يقينياً أن الجبال تتحرك مع الأرض حركةً، هكذا هى قدرة الله سبحانه، فأجدادنا من الصحابة لم يروا هذا و لكنهم أيقنوا و آمنوا، و لكن الإنسان لمّا يرى بعينه و يعقل بعقله و يرى بحواسه يزداد إيماناً “قَالَ بَلَىٰ وَلَـٰكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ۖ “.
قال له ربه قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ
لماذا الطير؟ لِمَ لم يأخذ أربعة من الحيوانات، أربعة من أى كائنات، و هى قضية إحياء و إماته لماذا؟ ما مدلول الطير فى اللغة أو فى هذه القصة؟
هِمَّة الخليل هِمَّة عالية يريد أن يرى الملكوت و يريد أن يرى بعض أسرار الملكوت و بعض اسرار إعادة الحياة إلى الاموات، عند إذ رب العباد يقول له فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ.
الطير لا تسير على أقدامها و إنما غالباً تطير فى الأفق، فكأن هِمّة الخليل عالية فيشهده رب العباد عز و جل هذه الطيور التى عندما نراها نرفع رؤوسنا لنسبح بحمد الله، هذه الهمة العالية التى كانت عند الخليل، اعطاه الله عز و جل هذه الرموز الأربعة،
ولماذا كانت طيوراً أربعة، لماذا لم يكن طيراً واحداً؟ يعنى لو قال خذ طيراً فاذبحه و فرّق أجزاؤه ثم إدعه يأتيك، لكن لماذا أربعة؟
كأن رب العباد يقول : أنت تريد دليلاً واحداً على الإحياء بأن أرسل لك طيراًاو حيواناً أو كائناً حياً يموت ثم أحييه بإذنى، أنت يا إبراهيم طلبت على قدر عبوديتك و أنا أعطيك على قدر ربوبيتى و أين الربوبية من العبودية؟
إذن القضية أنت تريد حالة واحدة أنا أعطيك أربعة.لماذا أربعة؟ ليس خمسة!!
لأن الجهات التى تحكمنا جهات أربع، المشرق، المغرب، الشمال، الجنوب فكأنك أيها العبد تعبد رب العباد فى الشمال كما تعبده في الجنوب و تسبحه فى المشرق كما تسبحه فى المغرب، كل الإتجاهات يجب أن تسبح فيها الله و توحد فيها رب العباد سبحانه و تعالى.
فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ ما هذه الطيور؟
أمره أن يأخذ طاووساً و غراباً و ديكاً و نسراً، و أن يذبحها و يقطعها إرباً، ينتف ريشها ثم يخلطها مع بعض ثم يلقيها على الجبال من حوله.
لماذا هذه الطيور؟ لماذا لم تكن الحِدأة والعصفور و الهدهد؟ لماذا هذه الأربعة و أجمع المفسرون على هذا؟
أولاً :- لأن الطاووس فيه خيلاء، و لأن الغراب فيه حرص و لأن النسر فيه انقضاض و لأن الديك فيه حب السيطرة على الدجاج على الأضعف.
فكأن الله يقول يا إبراهيم و يا من تؤمن برب إبراهيم عليك أن تنحى هذه الصفات الأربعة الموجودة فى هذه الطيور الأربعة. ليس عليك أن تفخر بجمالك أو بمالك كما يصنع الطاووس، و ليس عليك أن تنقض على الناس لأنك قوى، و ليس عليك أن تكون حريصاً كحرص الغراب، و ليس غليك أن تسيطر كسيطرة الديك.
فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ إليك أى تعرّف إليهم جيداً، ثُمَّ اجْعَلْ عَلَىٰ كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ أى نادى عليهن، قل تعالوا بإذن الله.
كما أن الخليل يريد أن يقول : يا ربى لقد طلبت منى أن أذبح ولدى إسماعيل و قد كان كائناً حياً أى إنسان فيه الروح، فطلبت منى أحوله بلا روح عند الذبح، فامتثلت لأمرك يا رب فاجعلنى أشاهد من لاروح فيه تَدُبُّ فيه الروح مرة أخرى. يعنى إسماعيل، طلبت منى يا رب و هو حى “إذبح ولدك” يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ، فلما اقتربتُ من تنفيذ أمرك أوقفتنى يا رب رغم أنى كنت عازماً على تنفيذ أمرك بأن أجعل الذى له روح لا روح فيه.
فيارب بقدرتك اجعل ما لاروح فيه أن تدب فيه الحياة مرةً أخرى، فلما سبحان الله وزع هذه الأجزاء و هذه الأجساد من الطيور على الجبال المحيطة به، عندئذ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا ۚ.
أولاً هذه الطيور تطير لكن يا إبراهيم لمّا تدعوها تأتيك سيراً على الأقدام. يسعى الإنسان يسعى على الأرض أى يمتد فى السير، يسرع فى الحركة، هذا هو السعى، نسعى بين الصفا و المروة أى نمد و نهرول، هذا السعى أن تأتيه الأربعة من الجبال المحيطةِ به سائرةً على أقدامها لأنها لو طارت فوقه ربما لايتبين أن هذه هى الطيور الأربعة التى كانت فى حوزته، حتى يتبين له من قريب أن هذه هى الطيور التى ذبحها و قطعها إرباً و أخذ منها الروح و أخرج منها الحياة، عندئذٍ يناديه رب العباد ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا ۚ. فلمّا تبين قال أعلم أن الله عزيزُُ حكيم.
وحدوا رب العباد سبحانه و تعالى فى كل وقتٍ و اشكروه على نعمه، اللهم إنا نسألك أن تجعلنا من الموحدين الشاكرين المتفكرين فى كتابك يا رب العالمين.
أحبتى فى الله، إن التدبر فى كتاب الله عز و جل يرقق القلب و يشحن الإنسان دائماً بالقوة، أيها الإنسان المسلم الصادق الموحد، أريد أن أقول لك كلماتٍ محددة تعليقاً على هذه القصة العظيمة فى سورة البقرة.
أولاً: الله وحدهُ هو القادر على إحياء الموتى وقد يصاب الأنسان لكثرة ذنوبه بمواتِ قلبهِ فمن الذى يحيى موات قلوبنا؟ اللهُ رب العالمين، و كيف يحييها إذا لم يرد الإنسان أن يحيى قلبه؟، كيف أحيى قلبى؟ كيف أُحييه و هو ملىءُُ بالحسد، و بالحرص و بالغل و بالكبر و بالفخر و الخُيلاء و السيطرة كما هى سلوكيات الطيور الأربعة، كيف؟ هذا قلب لا يعرف أن يعود إلى الحياه مرة أخرى.
إن القلوب أنواع، قلبُُ فيه ذكر الله، و قلبُُ موصولُُ بالله، و قلبُُ الدنيا فيه طافحه من حب الدنيا و التمسك بها و إذا ضاع شىءُُ حزن عليه، إذا قرص حزن إذا صنع كذا حزن لأن قلبهُ ليس موصولاً برب العباد سبحانه و تعالى، هذا هو الأمر الأول.
الأمر الثانى : يا من فقدت الأمل فى هداية ولدك أو هداية إبنتك أو زوجتك أو مديرك فى العمل أو من يعمل تحت يدك، إلجأ إلى رب العباد كما لجأ الخليل و قال رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَىٰ ۖ قل يا رب اللهم أحيى لى موات قلب إبنى، اللهم أحيى لى موات قلب ابنتى، اللهم اهدى لى زوجتى، اللهم اهد لى جارى، رب العباد سبحانه يقول للشىء كن فيكون، فلا يستعظمن إنسانُُ أحداً على رب العباد سبحانه و تعالى، فاللهم اجعلنا من الذين تستجيب لهم دعائهم يا رب العالمين.
الأمر الثالث و هو أمرُُ مهم : المسلم يجب أن يُفَرَّغ وقته قليلاً لمن يعول، كيف؟
لأن هذا إحياء موات القلب، العلاقات تموت بين الأب و الإبن، بين الأب و البنت، بين الأم و بناتها، بين الزوج و زوجته، بماذا؟ بأننا لا يتفرغ أحدنا للآخر.
قال الولد لأبيه :
يا أبت أريد أن أجلس معك ساعة، قال الوالد ليس عندى وقت و أنت لا تدرك أن هذه الساعة أكسب أنا فيها مأة درهم، ليس عندى وقت يا بنى، أنا أنفق عليك و على إخوانك و على أمك وعلى البيت……………إلخ و ليس عندى وقت أضيعه ساعة تجعلنا نخسر مائة درهم!
سار الولد كاسف البال حزيناً، بعد أيام جاء لوالده و قال يا أبت أريد منك خمسة دراهم، رفض الوالد و قال لا أنت ولد دائماً مطالبك كثيرة!!
ذهب الولد كاسف البال إلى غرفته، استشعر الأب أنه أحزن الولد من أجل خمسة دراهم لذلك ذهب إلى ولده و قال يا بنى معذرةً فقد أغضبتك، خذ هذه الخمسة دراهم،
وضع الولد يده تحت الوسادة و أخرج بضع دريهمات و ظل يعدها و يعدها إلى أن وصلت خمسة و تسعين درهماً فوضع الخمسة الجديدة فأكملت مائه فناولها لأبيه و قال هل ممكن أشترى من أبى ساعة أقضيها معه حتى لاتضيع عليه المائة درهم؟
هذه قصة أبنائنا جميعاً !!!!
إتقوا الله فى أبنائنا جميعاً، اتقوا الله فى أولادكم، نسأل الله سبحانه و تعالى أن يربيهم لنا على الكتاب و السنة.
عباد الله الصالحين يسألوا رب العباد سبحانه و تعالى، و طلب أى شىء يكون من الله عز و جل، سيدنا زكريا لم يرزق الولد، دعا ربه قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا ﴿4﴾ وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا ﴿5﴾ يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ۖ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا ﴿6﴾ مريم.
أنت للأسف الشديد تقول و اجعله رب مهندسا، و اجعله رب طبيباً فماذا إذا كان مهندساً و غير رضىّ؟ سوف يهد البنايات على ساكنيها، أو طبيباً وغير رضي؟ بدل أن يعالج المريض يقضى عليه، فأسأل الله أن يكون رضياً أي قانعاً راضياً بما آتاه الله، راضياً بالتوحيد راضياً بالعبادة راضياً بالاستقامة على طريق الله، فدعا زكريا ربه فرزقه رب العباد و دعا يونس ربه فأنجاه الله عز و جل، دعا موسى ربه ففلق الله له البحر، و دعا عيسى ربه فأنجاه من بنى إسرائيل الذين أرادوا قتله، و دعا فى كل لحظة سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم فكان الله معه فى كل وقت و فى كل حين.سيدنا إبراهيم قمة فى الأدب مع الله فى كل مواقفه، فى مرة يبدأ الخليل الدعاء بالثناء على الله هذا أدب، يعنى أنت قبل أن تدعو تقول “سبحانك ربى العلى الأعلى الوهّاب”، هكذا فى بداية الدعاء، لماذا؟ تفتح الدعاء بالثناء على الله، هكذا قال الخليل يثنى على الله بالربوبيه رَبِّ “، لكن عزير ماذا قال؟ قال أَنَّىٰ يُحْيِي هَـٰذِهِ اللَّـهُ بَعْدَ مَوْتِهَا ۖ هذا أقل أدباً، لكن الأدب الكامل عند الخليل، يقول الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ ﴿78﴾ وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ ﴿79﴾ وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ ﴿80﴾ الشعراء، فسباق النص يقول إذا أمرضنى و لكن أدبأً مع الله يقول إذا مرضت أنا ” فسيدنا إبراهيم كان قمة فى الأدب مع الله.
حتى الجن كانت متأدبة مع الله قالوا وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا ﴿10﴾ الجن، فى الرشد ذكر إرادة الله، أما فى الشر قالوا أشرُُ أريد بمن فى اللأرض، هذا فعل مبنى للمجهول لأنه لا يقول أراد الله بهم شراً، هذا قمة الأدب.
سيدنا عيسى وَإِذْ قَالَ اللَّـهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـٰهَيْنِ مِن دُونِ اللَّـهِ ۖ، الآن هو فى موقف رد تهمة عندما ادعى النصارى أنه قال لهم اتخذونى و أمى إلهين، سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ ۚ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ ۚ
أدب التوحيد تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ ۚ إِنَّكَ أَنتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ ﴿116﴾ مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّـهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ ۚ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ ۖ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ ۚ وَأَنتَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ﴿117﴾ إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ ۖ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴿118﴾ المائدة، لم يقل الغفور الرحيم لأنه ليس فى موقف طلب مغفرة و مكانه فى موقف رد تهمة،
يمسك بقوائم العرش يوم القيامة و يقول يا رب لا أسألك عن مريم أمى و إنما نفسى نفسى، يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا وَتُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴿111﴾ النحل.
الحجاج كان يحكم أهل العراق و كان مكروهاً، فذهب عراقى متمرد بالليل ليلة الجمعة و كتب على المنبر الذى يخطب عليه الحجاج : قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا ۖ إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ، الحجاج و هو صاعد على المنبر قرأها فوقف على المنبر و قال أعوذ بالله من الشيطان الرجيم قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ ۗ.
قال ربنا عن حبيبنا محمد (ص) سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ، ففى طاقته البشرية لا يمكن أن يرى فهل يمكن لشخص أن يذهب من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذى يضربوا له أكباد الإبل فى شهر فالرحلة تأخذ شهرين ذهاب و عوده، ثم يصعد إلى السماء السابعة و يعود إلى فراشه وفراشه ما زال دافئاَ، ففراش الإنسان يبرد بعد إستيقاظه ب 5 أو 10 دقائق أو ربع ساعة، فالربع ساعة هذه لا تجعل الإنسان يذهب من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ثم يصعد السماء السابعة و يعود و ما زال فراشه دافئاً، إما أن الزمان قد أوقفه الله، أو أن سيدنا محمداً (ص) لأن الله قال لِنُرِيَهُ عندئذٍ اخترق الحبيب حاجز الزمان و حاجز المكان فخرج عن تكوين الزمان و المكان الخاص بالبشر.
فالمسألة فى سيدنا إبراهيم هو فى قمة الأدب مع الله، هولا يريد كيفية الإحياء و لكن يريد أن يلمس هذا الحنان الإلهى عندما يعيد الله سبحانه و تعالى الحياة لتدب فى هذه الطيور الأربعة و رأى المثل واضحاً أمامه لأن الله سبحانه و تعالى لا يخيب ظن عبدٍ من عباده فما بالك بالخليل عليه و على نبينا الصلاة والسلام.
و فى ملمح أخير كأن الخليل أطلعه رب العباد على الملكوت وَكَذَٰلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ ﴿75﴾ الأنعام.
ما معنى أن يُرى له الملكوت؟
أى كشف له الحجب فرأى ما لا يراه البشر العادي، فيبدوا أنه قرأ شيئاً أن واحداً من أبنائه نبي سوف يعطيه الله القدرة على الإحياء بإذنه سبحانه و تعالى عيسى ابن مريم “، أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّـهِ ۖ سبحان الله، فكأنه يقول يا ربى أنت سوف تكرم واحداً من أحفادى بقضية الإحياء فيا رب أرنى كيف تعطيه هذه القدرة فأرنى إياها حتى أطمئن لأن الأنبياء كلهم وحدة واحدة أمهاتم شتى و دينهم واحد.
من منا لا يشتاق إلى أن يجاور الخليل فى الجنة؟
كلنا إذاً هلّا نعمل لنكون جوار هؤلاء و نصبر على أغواء الدنيا و نتوكل على الله و لا نجعل الدنيا هى أكبر حرصنا و أكبر علمنا و ومبلغ مبتغانا و إنما نجعلها وسيلة، ” اعبروها و لاتعمروها ” لأن العبد عندما يعمِّر الآخرة إنما ينتقل من الخراب إلى العمران، لكن تظل تعمر فى الدنيا فيما تظن و تخرّب الآخرة لا يطمئن القلب إلى الإنتقال من العمران إلى الخراب و لكن يطمئن للإنتقال من الخراب إلى العمران.
اللهم انقلنا من ذل المعصية إلى عز الطاعة.

د. عمر عبد الكافى

228164156

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة