شَرْقِيّ الشَّمْسِ وَغَرْبِيّ القَمر

تاريخ النشر: 26/03/15 | 13:48

لَمْ تَعْرِفْ بلادُ الثلجِ جمالًا مثلَ جمالِ سُونا، وحينَ مَشَتْ سونا في شوارِعِ تِلْكَ البلادِ، توقّفَ النّاسُ عَلى الرَّصيف وهم يَتَمتَّعونَ بِسِحْرِ جَمالِها. قَدْ تسألونَني مَتَى حَصَل هَذا؟
لَا أَذكره بالضَّبطِ! فذاكرَتِي لا تُسْعِفُني! لَكنِّي أُقدِّرُ أَنَّ ذلكَ قَدْ حَصَلَ في قَديمِ الزّمانِ، أوْ في سالِفِ العَصْرِ والأَوانِ.

عاشَتْ سُونا مَعَ إِخْوَتِها العَشَرةِ وَوَالِدَتْها في بيتٍ صَغيرٍ يُشْبِهُ الكُوخَ. وسونا لم تكُنْ جميلَةً فَحَسْبُ، بَلْ نَشيطَةً أيضًا، فَحِينَ سَقَطَ الثَّلجُ وغَطَّى سَطْحَ البيتِ والطُّرقاتِ، شَمّرَتْ سونا عَنْ ساعِدَيْها، حَمَلَتِ المجرفَة بيَدَيْها، وراحَتْ تَشُقُّ، الطَّريقَ المؤدِّيَ إِلى بَيتِها، وَتَجرُفُ الثّلوجَ عَنْ سطحِهِ.

– «سَلاماتي يا أَميرةَ الآنساتِ». حَيَّى الدُّبُّ سونا حينَ التَقاهَا عَلى غيْرِ موعِدٍ. رَفعَتْ سونا رَأْسَها وَرَدَّتِ التحيَّة بأَحْسَنَ منها. سأَلَها الدُّبُّ عَنْ والدِها، قالَتْ سونا: «تفضَّلْ أيها الدُّبُّ إِلى بيْتِنا، فوالدي قابعٌ قُرْبَ الموقِدِ يَحتَسِي الشايَ بالنَّعناعِ».

دَخَلَ الدُّبُّ البيتَ كأَنَّهُ مُخْتَارُ الحارَةِ، ولَمْ يَتَرَدَّدْ في طَلَبِ يَدِ سُونا مِنْ والِدها الفقيرِ!! لكنّ والدَها طَلَبَ مِنَ الدُّبِّ أَن يمْهِلَهُ مُهلَةً قصيرةً، حتَّى يسْأَلَ ابنَتَهُ عَنْ رأْيِِها! وإِخْوَتَها العَشَرَة ومَا يَدورُ في رُؤوسِهِمْ!

مَرِضَتْ سونا من وَقْعِ هذا الخَبَرِ، نامَتْ في فراشِها أيَّامًا وَلَيالٍ، وَوَجْهُهَا باتَ أصفَرَ مِثلَ اللَّيْمونِ. أَمَّا إِخْوتُها العشرةُ فَقَد فَرِحوا بالخَبرِ، وَوَافَقوا أَنْ تَتَزَوََّجَ أُخْتُهُمْ من الدُّبِّ الأَبيض، بِشَرْطِ أَنْ يُعامِلَها مُعاملةً حَسَنَةً.

تقرَّبَ الأَبُ من ابنته وقال لها بصوتٍ رخيمٍ!

«سونا!! لا تَخَافي يا ابْنتي، فأَنْتِ غَاليَتي وعزيزَتي! لا ولنْ يهونَ عليَّ مرضُكِ هذا!!».

فَكَّرَتْ سونا بالأَمْرِ مليًّا وقالَتْ لوالِدها: لكنَّكَ لنْ تقوَى على مقاوَمَةِ الدُّبِّ الأَبيضَ! فهُوَ الحاكِمُ بأَمْرِه في بلادِ الثّلْجِ، ثُمَّ إِنَّنا عائلةٌ فقيرةٌ، من يدري فَقَدْ يَمْنَحُكَ الدبُّ مِنْ مالِهِ الكثيرَ الكثيرَ!

لمْ تمْضِ دقائِقُ معدودَةٌ حتَّى عادَ الدُّبُّ في الموعِدِ المُحدََّدِ، وكانَ ما كانَ… وافَقَتْ سونا على الزَّواجِ من الدُّبِّ الأَبيضَ. حاوَلَ والدُهَا إِقناعَهَا بالعدولِ عَنْ قرارِها، لكنْ عبثًا.

انطَلَقَ الدُّبُّ الأَبْيَضُ والضَّبابُ يُغَطّي السُّهولَ والجبالَ، يَحْمِلُ فوقَ ظَهْرِهِ عروسَتَهُ الجميلةَ، وظلَّ الدُّبُّ يشُقُّ طريقَهُ بيْنَ الوديَانِ والتلالِ، حتَّى وصَلَ إِلى قِمَّةِ جَبلٍ عالٍ، أدْخَلَها إِلى جُحْرٍ محفورٍ في الصَّخْرِ كأنَّهُ مغارَةٌ. دَخَلَ الدُّبُّ الأَبيضُ وعروستُهُ الجُحْرَ الصَّغيرَ، وللجُحْرِ بوَّابَةٌ مِنْ ذهَبٍ، وخلفَ البوَّابَةِ قصْرٌ مِنْ رخامٍ، مَفْروشٌ بالسَّجاجيدِ الملوَّنة، مُزَيَّنٌ بنوافيرَ المياهِ والحدائقَ المعلَّقةِ.

دَعا الدَّبُّ الأَبيض سونا إِلى غُرفَتِها فاستَلْقَتْ على سرِيرِها، استأذَنَ الدُّبُّ مِن سونا، وغابَ عَنْها رُبْعَ ساعَةٍ. فجأَةً سمِعَتْ صوتًا في الغُرْفَةِ المجاوِرَةِ! يا اللّه، من هذا يا تُرَى!؟ تساءَلَتْ سونا وشدَّها حبُّ الاستطلاعِ لمعْرِفَةِ صاحِبِ الصَّوْتِ، وما أنْ فتَحَتْ بابَ الغُرفَةِ المجاوِرَةِ حتَّى وَقَعَتْ عيناها على شابٍّ وسيم الوَجْهِ، خفيفِ الظلِّ، يبتسِمُ لها ابتسامَةً عريضَةً، «مَنْ أَنْتَ»؟ سَأَلتْ سونا، فأجابَها الشابُّ: أَنَا الدُّبُّ الأَبيضُ، قد كنْتُ أميرًا لبلادِ الثلجِ قبْلَ شهرٍ، لكنَّ الساحِرَةَ الشرّيرةَ سَحَرَتْني وحَوَّلَتْني إِلى دُبٍّ أَبْيَضَ، وطَلَبَتْ منّي ألّا أَبوحَ بهذا السِّرِّ لأَحدٍ، قدْ تسألينَني عَنِ السَّبَبِ! أليسَ كذلكَ؟ حقًّا إنّني لم أقبَلْ بالزّواجِ من ابنة الساحرة فعَاقبَتني!!

02

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة