أُسطورة بروزربين المَخطوفة

تاريخ النشر: 25/02/15 | 0:29

في سالف العصر والأوان كانَ الإنسانُ يجهَلُ العَديدَ مِنَ الظَّواهِرِ في مُحيطِهِ ، فمَثَلاً كانَ يَصعُبُ على الإنسانِ البدائيِّ أن يُفَسِّرَّ ما هُوَ القمر؟ أو لماذا تَغيبُ الشَّمسُ وَإلى أين تَذهب ؟ وَكَيفَ تَتَحَوَّلُ حبَّةُ القمحِ إلى سنْبُلَةٍ خضراء ؟

وكانَ يَخافُ منْ هذهِ الأُمور ، لذلكَ قامَ بعبادتِها وجعلَها آلهةً يَخشاها ويخافُ من عواقبها ، فكانَ عددُ الآلهة كبيرًا لجهلِ الإنسانِ ظواهر عديدة ، فجعلَ هذا الإنسانُ البسيطُ إلهًا للقمرِ وإلهًا للنُّجومِ وإلهًا للموتِ وإلهًا للحبِ وحتَّى إلهًا للقمح …. ومنْ هُنا نَشأتِ الأساطيرُ والخرافاتُ حولَ هذهِ الآلهة ..

فيُحكى أنَّهُ في الزَّمان القديم أرادتْ إلهةُ القمحِ وكانت تُسَمَّى سيريز أنْ تقومَ بجولةٍ قصيرةٍ إلى سهلٍ تنتشرُ بهِ الأزهارُ الجميلةُ ، فأسرعتِ ابنتُها الشَّابةُ وقالتْ لَها :

– أُمِّي ، إِنْتَظِريني كي أُرافِقَكِ إلى السَّهلِ المُزهر .

– حسنًا يا ابنتي بروزربين أَسمحُ لكِ برفقتي ، لكِن حاولي أَنْ لا تتأخَّري بالمجيءِ لأنَّ أَعمالاً كثيرةً تَنْتَظِرُني.

– في الحالِ يا أمي ، هيَّا يا أمي!

رافقتْ بروزربين أُمَّها في نزهةٍ إلى السَّهل المُزهر ، وبدأتْ بروزربين تجمعُ الأزهارَ وهيَ سعيدةٌ بنهارِها الجميل ، ولكنْ سعادتَها لم تَطُلْ لأَنَّ إلهَ جَهَنَّمَ ويُدعى بلوتو كانَ يراقبُها وهوَ يمتطي جوادَهُ ، فأُعجِبَ بجمالِها وأَحبَّها منَ النَّظرةِ الأُولى.

وهكذا قرَّرَ بلوتو – إلهُ جهنَّم – أنْ يخطفَ بروزربين الجميلةَ لِتُصْبِحَ زوجتَه وملكة ً على مملكةِ الموت كلِّها .

عندئذٍ صاحَ بلوتو بِحِصانِه قائلاً : هيَّا يا جَوادَ الموتِ كُنْ كالرِّمحِ الطَّائر وَاخطُف بروزربين حالاً .

ولمَّا اقتربَ بلوتو منها وهوَ على جوادِهِ ، صاحَتْ بروزربين مذعورةً، لكنَّها لم تتمكَّنْ منْ قبضةِ يدهِ القاضيةِ ، واستطاعَ هذا الملكُ القهارُ أنْ يَخْطِفَ بروزربين الجميلةَ ، وفي الحالِ عَلِمَتْ بروزربين ما حلَّ بِها فتمتَمتْ يائسةً :

وداعًا يا ضوءَ الشَّمسِ

وداعًا يا هواءَ الأرضِ

سأصبحُ زوجةًً لملكِ الموتِ

يا ويلي يا ويلي

ما أَتعسني يا أُمِّي

أَمَّا إلهةُ القمح – أُمُّ بروزربين – فلَمْ تُصدِّقْ ما رأَتْ عيناها ، فتوسَّلت بالدُّموع للخاطف إلهِ جهنَّم أَنْ يتخلَّى عن ابنتِها ، لكنَّهُ وكعادتِهِ كانَ قاسيًا وظالمًا ، فلمْ يهتمَّ لدموعِ الأُمِ الحزينةِ بلْ قالَ لها : لنْ تَتَمكَّنِي بعدَ اليوم من رؤيةِ ابنتِك لأَنَّها ستنزِلُ معي إِلى مملكةِ الظَّلامِ ومملكةِ الموتِ ..

انطلقَ حصانُ بلوتو كالبرقِ الخاطفِ ، وهو يحملُ بروزربين المسكينة حتَّى وصلوا جميعًا إِلى ضفَّة النَّهر، فتوقَّفَ الحصانُ فجأَةً، فغضبَ إلهُ جهنَّم وضربَ بِصَوْلَجَانهِ الأَرضَ ، فَانْشَقَّتْ إِلى قسمينِ ، حينئذ هبطَ إِلى أَعماقِ الأَرضِ معَ عروسه بروزربين المخطوفة .

وهكذا تحوَّلت بروزربين من فتاةٍ سعيدةٍ تحيى مع أُمِّها – إِلَهة القمح – على الأَرضِ الخضراءِ الواسعةِ ، وتتمتعُ بهواءِ الأَرضِ النَّقي ، إِلى زوجةٍ تعيسةٍ تعيشُ معَ ملكِ الموتِ في أَسفلِ الأَرضِ ، حيثُ يسودُ الظَّلامُ والصَّمتُ .

لكنَّ أمَّ بروزربين لمْ تستسلمْ لقهرِ بلوتو ، وظلَّت تبحثُ عن فتاتِها وهي حزينةٌ أَشدَّ الحزنِ عليها ، حتى أَنَّها أَشعلتْ سراجين وهَّاجين على قمَّة جبلٍ عالٍ ، لتتمكَّن من البحث عن بروزربين في ساعاتِ اللَّيل المظلمة ، وقرَّرت أَخيرًا أَنْ تقدِّمَ شكوى عن خاطفِ ابنتها لكبيرِ الآلهة ويُدعى جوف .

أشفق جوف على إلَهة القمح ، ووعدَها بردِّ ابنتِها بروزربين من خاطفِها بلوتو، ولكنَّهُ وضعَ شرطًا لردِّ بروزربين إِلى أُمِّها وهوَ أَنْ لا تكونُ قدْ أَكلتْ شيئًا من طعامِ العالم السُّفلي ( طعامِ جهنم ) ، وكانَ تحقيقُ هذا الشَّرط صعبًا للغايةِ ، خاصَّة وأَنَّ الكثيرينَ قد شاهَدوا بروزربين وفي يدِها رمَّانةً تمتصُّ رحيقَها ، فكانَ ذلكَ مانعًا من ردِّها إِلى أُمِّها ، ولكن في نهاية المطاف كان كبيرُ الآلهة عادلاً فوقفَ موقفَ الوسطِ بينَ أُُمِّ بروزربين وبلوتو الخاطف ، فحكمَ على بروزربين أَنْ تقضيَ نِصْفَ عامِها مع أُمِّها والنِّصفَ الثَّاني مع زوجها بلوتو .

وبروزربين في الأُسطورة اليونانية هذه ترمزُ إِلى حبَّةِ القمح ، الَّتي تقضي الشَّتاء راقدةً في مَخبَأٍ مُظلم تحتَ التُّراب وتَبْرزُ على وجه الأَرضِ في الرَّبيع مورقةً ومزهرةً ، كذلك ترمزُ إِلى ركودِ الشِّتاء ببردهِ وثلوجهِ تتلوهُ حياةُ الربيعِ بنورهِ وزُهورِهِ.

10

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة