أنا النمر

تاريخ النشر: 28/01/15 | 0:50

خَرَجَ الأرنَبُ الصغيرُ لأولِ مرةٍ باحِثاً عَنْ طَعَامٍ و شَرابٍ له، بعْدَ أنْ استأذنَ منْ أمِّهِ، وأثناءَ الطَّرِيقِ قالَ في نفْسِهِ: لنْ أنسَى وصيةَ أُمِّي أبداً: ” أن آخذَ حَاجَتي فقط وألا أعْتدي على أحدٍ “. قطَعَ مَسافةً قَصيرةً في الغَابةِ، أعْجَبتهُ الأشجَارَ والأزْهارَ الجميلَةَ، فتابَعَ سَيْرَهُ يَتَفَرجُ على الْمَنَاظِرِ الْخلابَةِ، شَعَرَ بالأمَانِ فقطَعَ مسافةً أطولَ ..

بالقربِ مِنَ الصُّخُورِ العَاليةِ صَادَفَ مَجْمُوعةَ ثعَالبٍ تَلْعبُ و تَمْرحُ، اقتَربَ منها بهدوءٍ، فسألَه رئيسُها:

مَنْ أنتَ أيُّها القادمُ؟ أجَابَ الأرنبُ الصَّغيرُ مستغرباً: ألا تَعْرفُني؟!
ردَّ رئيسُ الثعالبِ: كيفَ أعرفُكَ دونَ أنْ أراكَ مِنْ قبلُ؟!
أجابَ الأرنبُ بثقةٍ: أنا النَّمِرُ.

حَدّقَ فيه رئيسُ الثَّعالبِ بحذرٍ، ثم ابْتعدَ عنْه قليلاً، فكّرَ في نفسِهِ، وقالَ:
لو لمْ يَكنْ بالفعلِ النمرُ الشجاعُ لما تَجرَأََ وحضَرَ إلى مَجْمُوعتِنا الكَبيرةِ متحدِياً قُوتنا .

اقترَبَ رئيسُ الثعالبِ من البَقيةِ، و أخبَرَهم بالخطرِ المحدقِ بهم، وطَلبَ منْهم الهروبَ مباشرةً و النجاةَ بأنفسِهم مِنْ هَذا الوحشِِ الذي سمعُوا عَنْ قُوتهِ كثيراً، ففرُوا هَاربينَ، ليبقى الأرنبُ وحيداً .

لَعِبَ الأرنَبُ الصَّغيرُ قَلِيلاً، وتَناوَلَ حاجتَهُ مِنَ الخُضَارِ الْمَوجودِ في الْمَكانِ، ومضَى في الغابةِ يستمتعُ بجمالِها.

بَعْدَ أنْ قَطَعَ مَسَافةً قَصِيرةً، صَادَفَ مَجمُوعةَ غزْلانٍ تستريحُ بالْقربِ مِنَ الْبُحيرةِ، اقتَربَ منْها بهدوءٍ وشجاعةٍ، تفاجأتْ به، فهَبَّ رَئِيسُهم وسألَهُ: مَنْ أنتَ أيها القادمُ إلى وَاحةِ الغُزلانِ؟

أجَابَ الأرنبُ بثقةٍ: أنا النمرُ.

خَافَ الرَّئيسُ، ابتَعدَ عنْه، وأخْبرَ الْبقيةَ بأمرِ هذا الوحشِِ الكاسرِ، وطلبَ منْهم النجاةَ بأنفسِهم، فهربوا، ليجدَ الأرنبُ الصغيرُ نفسَهُ مرَّةً أخْرَى وحيداً، استراحَ قليلاً في الْواحةِ، ومضَى.

صَادفَ في طريقِ عَودتِهِ إلى مَنزلِه وحشاً كبيراً، مَرَّ بجَانبِهِ، سلّمَ عليه بهدُوءٍ واطمئنان ٍ, وتابعَ سَيْرَهُ، استَغربَ الوحشُ تصرفَهُ، وعدمَ الخوفِ منه، وقالَ في نفسِهِ: لمَاذا لمْ يخفْ منِي؟!

أسْرعَ الْوَحشُ ولَحِقَ بهِ، استَعَدَ لضربِهِ مباشرةً، لكنهُ انتظرَ، وفَكرَ: أريدُ معرفةَ سِرَّ شجاعتهِ. اقتَربَ منهُ، وطَلَبَ أن يتَوقْفَ، فوقَفَ، ونَظَرَ إلى الْوحشِ الكاسِرِ باحتِرامٍ، وسألَهُ ماذا يُرِيدُ منه، ولماذا لَحِقَ بهِ، لم يُجبْهُ الْوحشُ الْكَاسِرُ، وسألهُ غاضباً: مَنْ أنتَ أيُّها المسكينُ؟

نَظرَ إليه الأرنبُ الْصَّغِيرُ باعتزازٍ، معتقداً أنه سيهربُ منه كما هربتْ الثعالبُ و الْغزلانُ دونَ أنْ يُفكرَ بالسََّببِ، وأجابَ: أنا النمرُ. ضَحِكَ الوحّشُ سَاخِراً، وسَألَ منْ جَدِيد: هلْ تَعرفُنيْ أيُّها الصغيرُ؟

لا أعرفُ أحداً في هذه الغابةِ. سألَ الوحشُ: ألا تعرِفُ مَن ْ هو النَّمِرُ؟

ردَّ الأرنبُ الصَّغِيرُ بثقةٍ: أنا، أنا النمرُ . استغربَ الوحشُ ثِقتَه الزَّائدةِ، وسألَهُ: مَنْ قالَ لكَ ذلكَ؟

أجابَ الأرنبُ الصَّغِيرُ: أُمِّي، أُمِّي هي التي قالتْ لِي، وطلَبتْ مني أنْ أحترمَ الآخرين.

هزَّ الْوحشُ رأسَهُ، وقالَ: هيّا معي إلى أُمِّكَ.

ذهَبا إلى بيتِ الأرنبِ، وعندمَا وصََلا ارتعبَتْ الأُمُّ، وقالتْ في نفسِها: لقد جَلَبَ لي ابني معَه الهلاكَ.

اقتَربَ الابنُ، وأشارَ إلى أُمِّهِ ببراءةٍ: هذه هي أمِّي .

سألَها النَّمِرُ: لماذا أسميْتهِ بهذا الاسمِ؟ ارتبكَتْ، ثم بكَتْ، استغربَ ابنُها سببَ بكائِها، كررَ النمرُ السُؤالَ، فأجابتْ:
حباً بك أيُّها النمرُ الطَّيبُ، لم أجدْ اسماً أجْملَ مِنْ اسمِكَ أُسمِي به ابني الغالِي .

حَكَى الأرْنبُ الصَّغيرُ لَهما ما جَرَى معه بالتفصِيلِ، وفهمَ منْ أمَِّهِ، لماذا هَرِبتْ منْه الثّعالبُ والغزلانُ، ارتَاحَ النَّمرُ للحِكايةِ، وقَبِلَ بتبرِيرِ الأمِّ الذَّكِيَةِ، ثم شَكرا النَّمِرَ على قبولِه بأنْ يكونَ صَدِيقاً دائماً لهما.

قالتْ الأُمُّ: لولا اسمُك الجميلُ الذي أوحَى لهم بقوتِك لقتلوا ابني . فَهِمَ النَّمِرُ حكايةَ الأُمِّ التي تحبُّ ابنَها كثيراً، وتحترمَ قوتَه، وقَالَ: أحسنتِ أيُّها الأُمُّ، وأنا مستعدٌ دائماً لمساعدتِكما.

فَرِحَتْ بكلامِهِ، شكَرتْه مرَّةً أخرى، ضمَّتْ ابنها، وهي تُراقِبُ النَّمِرَ الذي رَاحَ يَبتعِدُ عنْ مَنزلِها
راضِياً .

01

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة