خطوط وألوان

غَضِبَ قلمُ الرَّصَاصِ، وَرَاحَ يَضْرِبُ الوَرَقَة َبِرأسِه ِ، ثمَّ انْزَوى حَزيناً، وَهُوَ يَقولُ في نفسِهِ:
“منذ ُ قليل ٍكُنْتُ أعْمَلُ بِنَشَاطٍ ، لقد تَصبَّبَ العَرَقُ مِنِّي وأنَا أرْسُمُ هذِه اللَّوحَةَ، والآنَ ضَاع َ كلُّ شَيء.. لمْ يَبْقَ مِن عَمَلِي أيُّ أثَر.. لمْ يَبْق َ خَط ٌّ واحِدٌ مِنَ الخُطوطِ التي رَسَمْتـُها.
(تِكْ … تْشِكْ)
سَمِعَ قَلَم ُ الرَّصَاصِ صَوْتَ انْفِتاح ِالعُلـْبَةِ، وَكَانَت ِ الفُرْشاة ُ قَدْ نَامَتْ قَبْلَ قَليلِ، لِذا اسْتَيْقَََظَتْ عَلى الصَّوْتِ، وَسَألَتْ قَلَم َ الرَّصَاص:
– خَيْرٌ يا صَديقِي.. لَقَدْ أيقظتنَي بِصُراخِك، كُنْتُ أحْلـُمُ أحْلاماً مُلوَّنَة ً وَجَميلَة، وَأفُكـِّرُ بِأعْمَال ٍ رَائعَة ٍ سَأقومُ بِها بَعْدَ النَّوْمِ… هَلْ حَدَثَ لكَ سوءٌ؟ هلْ وَضَعَكَ أحدُ الأطفال ِ في المِبْراةِ مِنْ دُون ِ أنْ تَكون َ في حَاجَة إلى ذلكَ؟
لكِنَّ قلَم َ الرَّصَاصِ شَاهَدَ أثَرَ الألوانِ على الفُرْشاةِ، فَتَصَاعَدَ غَضَبُهُ، قالَ:
– كَفَى أيَّتُها الفُرْشاة ُ.. يكفي هذا.. كأنَّكِ لَمْ تَفْعَلي شَيئاً.. أثَرُ الجَريمَة ِ واضحٌ على وَجْهِكِ… هذِهِ الألوانُ تُخْبِرُ عن عملـِك ِ.
دُهِشَت ِ الفُرْشاة ُ لِهذا، وَقالَتْ:
– لا تَتَسَرَّعْ يا عَزيزي في أحْكامِكَ… عن أيِّ شيء ٍ تتحدَّث؟
قال قلمُ الرصاص:
– مهلاً.. مهلاً.. يا قاسية َ القلب… ما الذي فعلتـِه بهذه اللوحة؟
أجابت ِ الفرشاة:
– لقد أنهيتُ تلوينـَها منذ ُ قليل.. إنها رائعة .. أليس كذلك؟
قال قلمُ الرصاص:
– ولكنَّنِي أنا الذي رَسَمْتُ هذه اللَّوْحَةَ، ثُمَّ تَدَّعين أنَّها من صُنْعِك!
قالت ِ الفُرْشاةُ:
– الآنَ اطمأنَّ قلبي.. المسألة ُ بسيطة ٌ يا صديقي، إنك لم تعرفْ حَتَّى الآن ِ معنى عَملِكَ ولا مَعنَى عَمَلي، أنتَ صَديقٌ وَفِيٌّ لي، تَرْسُمُ الخُطوط َ الأولى، لأنَّني لا أستطيعُ أنْ أبدأ بالرَّسْمِ فَوْراً، أنْتَ تُساعِدُني، وأنا أقدِّمُ الألوانَ لِخطوطِكَ الجَميلةِ.
فكـَّرَ قلمُ الرَّصَاص ِ قليلاً، ثُمَّ تَحدَّثَ بهدوء:
– لقد تَسَرَّعْت ِ قليلاً.. المعذرة.. إذاً أنت ِ لم تُخَرِّبي خُطوطي؟
قالت ِ الفرشاة:
– لا لم أخرِّبْ خُطوطـَك، بَلْ صَبَغْتُ خُطوطـَكَ هكذا…
وَمَسَحَت ِ الفُرْشاة ُ عَلَى رَأس ِ قَلَم ِ الرَّصَاص ِ بِالألوانِ.
لَمْ يَغْضَبْ قَلَمُ الرَّصَاصُ، بَلْ ضَحِكَ، فَضَحِكَا معاً!!.