نثيرة “مري على نومي الـمحنط”

تاريخ النشر: 18/12/14 | 16:14

هذا الْـمَساءُ حامِضٌ أَشْرَبُهُ، يَشْرَبُني، وَكِلانا نُحاوِلُ ما اسْتَطَعْنا فَكَّ تَشابُكِهِ
في نَسيجِنا الْبَحْرِيِّ، لا يَقولُ الْكَلامُ ما يَجِبُ، وَلِلْحُروفِ رِحْلَةُ مَوْتٍ جَديدٍ رَيْثَما
تَنْهَضُ كائِناتُ اللُّغَةِ، وَلي أَنْ أَرْسُمَكِ الْآنَ لَيْلًا يَفيضُ رَحيقًا فَالْحُموضَةُ قاتِلَهْ،
وَلَيْسَ لي عِلْمٌ بِما قَبْلَ الْوِصايَةِ عَلى مُعْجَمي، لكِنَّني أَنْتَقي ما أُشَكِّلُكِ بِهِ مِنْهُ
وَأُشَكِّلُ لُغَتي الْـمُقْبِلَهْ.. فَهُبِّي قَليلًا عَلى قَليلي كَيْ أُعيدَ بَساطَةَ الْحَرَكاتِ
وَشِدَّةِ الْوَمَضاتِ في جَسَدِ الْأَسْئِلَهْ، هُبِّي قَليلًا عَلى قَليلي كَيْ أُدْرِكَ أَنَّني
لُغَتي.. وَفُضِّي السُّكونَ يُشْرِقْ عَلى أُفُقِ الْكَلامِ الْجُنونُ… ماتَ الْخَريفُ مَوْتَتَهُ
الْأَخيرَةَ عَلى مَرْمى ازْدِواجِيَّةِ النَّبْتِ الْجَديدِ في تُرْبَةِ الْقاموسِ، وَانْتَبَهَ الْحارِسُ
اللُّغَوِيُّ عَلى وَقْعٍ غَريبٍ يَتَسَلَّلُ في نَبْضِهِ وَيُلَقِّنُهُ ابْتِداءَ الْبَسْمَلَهْ…
مُرِّي عَلى نَوْمي الْـمُحَنَّطِ هُناكَ فَفيهِ السُّكونُ الْقَديمُ يُقَيِّدُني هُنا، وَلا طاقَةَ
لِلْمَعاني بِابْتِهالاتِ حَجْبِهِ عَنْ مَدى زَحْفِ الْعَدَمِ فيهِ.. وَلا ضِدَّ لِلضِّدِّ يَجْلو
مَحاسِنَهُ، وَكُلِّي هُنا الْآنَ أَسْفارٌ مُثْقَلَهْ….
كُلُّ اللُّغاتِ سِوى أَنْتِ حَشْرَجَةٌ تَفيضُ نَقائِضَ وَاعْتِلالًا.. فَصُبِّي فَوْقَ قَفْرَتِها ماءَ
الْغُروبِ وَانْبُتي لُغَتي الْعَنيدَهْ.. لي فيكِ أَرْضٌ وَسَماءٌ وَظِلالُ ظِلالِنا الْأولى وَلي
فيكِ أَنْتِ،، وَما حَمَلَتْ رِحْلَةُ بُلوغِنا وَجْهَ الْكَلامِ، وَلي أَنْتِ.
نَهْرانِ يَشْربانِ الطَّريقَ إِلى الْـمَصَبِّ ثُمَّ يَفْضَحُهُما الْـمَصَبُّ عَلى أَوَّلِ الْـمُنْحَدَرِ،
وَيَهْرُبُ الرَّذاذُ بَعيدًا عَنْ سُقوطِ الْـماءِ خَوْفَ مَوْتِهِ الْـمُنْتَظَرِ، وَنَحْنُ هُناكَ قَصيدُ
ابْتِهالٍ وَصَلاةُ اعْتِناقِ الْأَبَدْ، ما كانَ غَيْرُكِ سِوى زَبَدْ، وَسِواكِ لا أَحَدْ، أُضيءُ عَتْمَ
روحي بِهِ وَميلادَ الْعَراءِ.
مُنْذُ افْتِتاحِ سوقِ الْكَلامِ عَلى أَطْلالِ عُكاظِ الْقَصيدِ خَلْفَ مَدارِ عُطورِ باريسَ، وَأَنا
أَبيعُ ما تَكَدَّسَ فِيَّ مِنْ رَوائِحَ قَبْلَ الطَّريقِ الْحَريرِيِّ إِلَيْكِ، أَبيعُ ما تَشابَكَ في
دَهاليزِ مَنْفايَ مِنَ الْكَلامِ الْغَريبِ عَنِ اخْضِرارِكِ في اصْفِراري الْـمُفاجِئِ بَعْدَ
انْقِطاعِ هَمْزَةِ وَصْلِنا بِلا ميقاتٍ نَفَتْ شَمْسَهُ أَفْياءُ اللُّغَهْ.
اَللَّيْلُ حامِضٌ وَفي الْكَأْسِ ضيقُ اتِّساعِ الْـمَذاقِ وَما يَنْسَكِبُ، وَما زِلْتِ تُطارِدينَ
الْعَناصِرَ كُلَّها في زَحْفِها بِنا إِلَيْنا، هَلْ جازَ في شَرْعِ اللُّغَةِ انْفِجارُ السِّرِّ فيها قَبْلَ
اشْتِقاقِكِ مِنْ صَهيلي عِنْدَ مَصَبِّ أَوَّلِ وُضوءِ الْـماءِ في ذاتِهِ الْـمُتَحَوِّلَهْ؟. ما حُدودُ
مَوْتِنا وَبابِ دُخولِنا مَسيلَ رَعْشَتِنا عَلى يَمينِ الْيَسارِ وَما أَوَّلَهْ؟.
غِوايَةٌ أَنْتِ أُمارِسُها كُلَّ لَيْلٍ عِنْدَ انْدِلاقِ اللَّيْلِ عَلى شَفَتَيَّ وَتَعْرِيَتي مِنْ لِساني
وَمِنْ لُغَتي، أُبْحِرُ فيكِ وَأَرْتَقي جُودِيَّ اللُّغَهْ.. أُمارِسُ كُلَّ اصْطِلاءِ جَحيمٍ فيكِ،
يُتْعِبُني ثَغْرُكِ يا امْرَأَةَ الْجِناسِ ائْتِلافًا وَاخْتِلافًا، فَفيكِ ما تَلِدُ اللُّغَةُ مِنِّي طٌيورًا
وَفُصولًا وَنِساءَ مَعارِجِ السَّاعَةِ إِلى وُضوءِ الضَّوْءِ في عَيْنِ الْـمَجازِ وَما تُقْصي
اسْتِعاراتي مِنَ اللَّاءاتِ الثَّقيلَةِ في جَسَدِكْ، أَيَّتُها اللُّغَةُ الْـمُثْقَلَةُ بي، اَلْقي
عَلى وَصيدِ الْقَوْلِ حَمْلَكِ مِنِّي فَقَدْ حانَتْ وِلادَتُنا.

محمود مرعي

m7modmr3e

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة