عصبه عن عصبه إبتفرِق

تاريخ النشر: 11/12/14 | 8:44

عَصْبَةٌ رُبطت مفروضةً على عيون المعتقلين بقوة إرهاب الدولة. وعَصْبَةٌ رَبَطَها البعضُ على الرؤوس بإرادته مُعْلِناً دولة الإرهاب.

الأولى قد تَحُول دون رؤية الأشياء، لكنها لم تستطيع في حالتنا كَمَنْ عُصِبتْ اعينُهم منذ ثلاثين عاما، من أن ندرك الأشياء بعقولنا.

فيما العصبة الثانية حَدَّدَتْ الرأسَ لا بصفته يحتوي العقل والتفكير، وإنما بصفته مجرد أعلى نقطة في جسم الإنسان، تنفع لتعليق الرايات وأن تُغَطَّي بعمائم، فأصبحت الراية أهم من الرأس والعمامة تحكم أكثر من العقل، فألغت التفكير وَشَرَّعَتْ التكفير فغدى الرأس مجرد عضو كالقدمين أو المؤخرة.

في زمن حلت فيه المؤخرة موقع العقل، واستُهْدِفَ الرأس كعضوِ تفكيرٍ لا مجازاً، وإنما بقطعه تماماً.. في مثل هذا الزمن لا غرابة أن يطل علينا نائب الأمين العام لأحدى الفصائل اليسارية الفلسطينية بموقف يتبنى به قتل المصلين داخل كنيس اثناء صلاتهم، مضيفاً أن الكنيس لم يكن مجرد مكان للعبادة وإنما غرفة عمليات!! وما علينا إلا أن نستنتج بأن هذا الكنيس ما هو إلا موقع عسكري والمصلون ليسوا إلا وحدة ” كوماندو” تَخَفَّتْ في زي “رجال الدين”.

لا أعرف ماذا تبقى من يسارية هذا الفصيل، وماذا ابقى بهذه السلفية العلمانية ” للنصرة ” و” داعش ” من تطرف وتغييب للعقل؟!!!

“تبني” أو “إدانة” عملية قتل المصلين كلاهما توظيف سياسي لعمل أو رَدِّ فِعْلٍ فرديٍّ لم يهدف ولم يقصد منفذوه أن يَجنوا منه نتائج سياسية. لا الذي تبناها قَدَّمَنا خطوةً من أهدافها الوطنية، ولا الذي أدانها ابعدنا وابعد نضالنا عما هو غير قِيَمِي مُضِرّ إنسانياً ونضالياً واخلاقياً. كلاهما، التبني والإدانة، توظيف سياسي يُمَوْضِعُ نقاش الظاهرة بعيداً عن سؤال الإحتلال وممارساته التي أدت إلى مثل هذه الأعمال الإنتقامية، وتُعفيه من مهمة الإجابة على الأسئلة الصحيحة، لا سيما عندما نتبرع في الإجابة على الأسئلة الخاطئة بالإدانة أو تبني العملية.

قيادةٌ حقيقيةٌ لا تُقَدِّمُ إداناتٍ حسب الطلب، ولا تتبنى عملاً لأنه يحظى بتأييد شعبي ويستجيب لمشاعر الانتقام. قيادةٌ حقيقية تتخذ المواقف الصعبة التي لا تحظى بالضرورة لا بتأييد دولي ولا شعبي محلي، وإنما تشير إلى الطريق. الطريق لا يقل أهمية من الهدف أخلاقياً وسياسياً. الواقع أغنى واكثر تركيباً من القوالب الجاهزة، ما بين مُؤيد ومُتبني لقتل المصلين ومعارض له ومُدين.

أنا أنتمي لحركة وطنية فلسطينية أنَّبَتْ أعضاءَها، حتى داخل السجون، بل وعاقبتهم في بعض الأحيان، حين استخدموا في نقاشاتهم الداخلية كلمة “يهودي” بدلاً من “صهيوني”، ولا انتمي لقيادة ترى بكنيس يهودي “غرفة عمليات” وبالمصلين “كوماندو”.

بقلم الأسير السياسي وليد دقه – سجن جلبوع

wleeddqa

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة