نظارة هيثم

تاريخ النشر: 02/09/14 | 16:42

دخلَ مُعلِّمُ الحسابِ إلى الفصلِ ونظرَ إلينا قليلاً قبلَ أنْ يُمْسِكَ إصبعَ الطِّباشيرِ ويكتبَ مسألةً حسابيَّةً على السَّبُّورَةِ، ثمَّ نادَى عليَّ قائلاً: شادي.. قُمْ بحلِّ تلكَ المسألةِ الحسابيَّةِ.

ليسَ مِن عادتي التَّسرُّعَ في الإجابةِ، تأمَّلْتُ المسألةَ قليلاً وفكَّرْتُ كَيْ تكونَ إجابتي صحيحةً، ثمَّ أجبْتُ بثِقَةٍ كبيرةٍ، فَرِحَ معلِّمُ الحسابِ بِي وطلبَ مِن زُملائي أنْ يُصفِّقوا لي لإجابتي الصَّحِيحةِ، ومِنْ جديدٍ كتبَ مُعلِّمُ الحسابِ مسألةً حسابيَّةً جديدةً، ثمَّ نادَى على هيثمٍ الذي يجلسُ في مُؤخِّرةِ الفصلِ قائلاً: هيثمُ.. أجِبْ على تلك المسألةِ.

كنتُ أتوقَّعُ أن يُجيبَ هيثمٌ عنِ السُّؤالِ بسُهولةٍ فهو تلميذٌ مُتفوِّقٌ وعلاماتُه دوماً مُرتفعةٌ، ولكنَّني تعجَّبْتُ كثيرًا حِينَ وجدْتُه يقفُ يُحدِّقُ في السَّبُّورةِ بخجلٍ وحَياءٍ، لم يستطِعْ هيثمٌ الإجابةَ سأله المعلِّمُ بدهشةٍ كبيرةٍ: ماذا أصابَك يا هيثمُ.. إنَّها مسألةٌ سهلةٌ.

ولكنَّ هيثم ظلَّ صامتاً ووجهُه مُحْمَرًّا من شِدَّةِ الخجل، تكرَّر هذا الموقفُ كثيرًا وكُلَّما طلب أحدُ المعلِّمين من هيثم الإجابةَ على سؤالٍ مكتوبٍ على السبورة كان هيثمٌ يلتزم الصَّمْتَ.. رُغْمَ تفوُّقِه لا يستطيعُ الإجابةَ على أيِّ سؤالٍ مكتوبٍ على السبورة.

شعرْتُ في قرارةِ نفسي أنَّ هُناك سِرًّا.. أنا أعرفُ هيثم جيِّدًا، هو من التَّلاميذِ المتفوِّقين فكيف لا يُجيب عَلى الأسئلةِ المكتوبةِ على السبورة كَكُلِّ التلاميذ، قرَّرْتُ أن أسألَ هيثم لأعرفَ السَّبَبَ، وفي وقتِ الفُسْحَةِ اقتربْتُ منه قائلاً: هيثمُ.. أنا أعرفُك جيِّدًا.. أنتَ مُتفوِّقٌ.. فكيفَ لا تجيب على تلك الأسئلةِ.

تردَّد هيثم قليلاً قبل أن ينظرَ لي بعينيْنِ دامعتيْنِ وهو يقول: لن تُصدِّقَني يا شادي.. لن تصدِّقَني.

ازدادتْ حيرتي وأنا أقولُ له راجياً: بلْ سأُصدِّقُك.. فقطْ أخبِرْني.

طَأْطَأَ هيثمٌ رأسَه وهو يقول في حزنٍ: أنا لا أرَى السبورةَ.. لا أرَى ما يكتبُه المعلِّمُ عليها.. لا أرى شيئًا مُطْلقاً.

كانتْ مفاجأةً لم أتوقَّعْها، ولكنَّني الآنَ فهمْتُ الأمرَ وعرفْتُ السِّرَّ، يبدو أنَّ صديقي نظرُه ضعيفٌ، ومِنَ اليومِ التَّالي قرَّرْتُ أن أجلسَ في المُؤخِّرةِ بدلاً من هيثم وجعلْتُه يجلس مكاني في المُقدِّمةِ أمامَ السَّبُّورةِ تمامًا، ومِنْ يومِها وهيثم يُجيب على كلِّ الأسئلةِ.. لم تمضِ عدَّةُ أيَّامٍ حتَّى كان هيثم يرتدي نظَّارةً جميلةً تجعلُه يرَى كلَّ شيءٍ وبوُضوحٍ تامٍّ.

8

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة