رافعات النهوض

تاريخ النشر: 31/08/20 | 13:18

محمد سواعد-ابن الحميرة

(1)
تأتي كلمة رافعة من المصدر رفع، وهي تعني ما يرفع الشيء من الأسفل على الأعلى، وكلمة رفع تأتي بمعنى الانتقال من حال إلى حال أفضل منه، ومنها جاءت الرافعات في البناء وفي العمل التي ترفع الأجسام من الأرض إلى مكان مرتفع، ويهدف الرافع الى تحسين حالة المرفوع أو تحويله إلى حالة أخرى يصبح الانتفاع به أفضل واشمل، مثلا عندما يرفع البناء مواد البناء من الأرض إلى الطوابق العليا في البناء فغنه يحولها إلى بناء للسكن واراحة وهكذا.
وتستعار كلمة الرافعة في مجال الحضارة والبناء الاجتماعي لكل فكرة أو مبدئ يكون من شأنه النهوض بالإنسان ومجتمعه، بل بالبشرية جمعاء، وأعظم رافعة تربوية في حياة البشرية كانت وستبقى خالدة هي العقائد والأديان التي جاء بها الرسل والأنبياء إلى الناس جميعا وختمت برسالة الإسلام.
والعجيب في رسالات الأنبياء جميعا أنها جاءت تكمل بعضها بعضا، ولم يزعم نبي من الأنبياء أو رسول أنه جاء يهدم ما قبله من الرسالات والدعوات، فهذا عيسى عليه السلام يقول لقومه: (وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ ۖ فَلَمَّا جَاءَهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَٰذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ) الصف؛ 6)، فهو يأتي مكملا لرسالة من قبله من الأنبياء ومبشرا بمن بعده، ويؤدي رسالته وفق هذا الفهم العميق لدوره في إكمال سلسلة الرفع والنهوض بالبشرية؛ ويبين محمد صلى الله عليه وسلم لقومه أنه لم يكن بدعا من الرسل، اي أن مفهوم الرسالة والأنبياء معروف عند البشرية في كل عصورها الماضية: (قُلْ مَا كُنتُ بِدْعًا مِّنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ ۖ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُّبِينٌ) الأحقاف؛ 9) ، قال ابن كثير في تفسيرها؛ يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم : قل يا محمد لمشركي قومك من قريش ( مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ ) يعني: ما كنت أول رسل الله التي أرسلها إلى خلقه، قد كان من قبلي له رسل كثيرة أرسلت إلى أمم قبلكم.
ولعل من بديهيات رسالة الإسلام هو ذلك الإيمان الجامع بكل رسالات الأنبياء في مختلف العصور والأماكن: (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ ۚ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ ۚ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۖ غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) البقرة؛ 285).
فالأنبياء وهم صفوة الله تعالى من خلقه وخيرته من عباده جاءوا يكملون طريق بعضهم البعض ويبشر بعضهم ببعض وذلك حتى تترسخ في قناعة البشر وحدة الرسالات وهدفها وتتعمق معاني الإصلاح والتجدد في حياة البشرية.
وإذا أردنا أن ننظر إلى واقع البشرية اليوم وحالة التمزق والضياع التي تعيشها فإن مردها الى ذلك الفصام النكد والى ذلك التكذيب والطعن والتنافر بين دعاة الإصلاح على نطاق البشرية المعاصرة وكل يريد أن يبدأ العالم من عنده، وأصدق مثال لهذا الحال هو ما يعيشه مجتمعنا من دعوات التجديد والبناء والنهوض التي تطفو على السطح في كل فترة وفترة ويظن أصحابها أنهم فطاحل زمانهم ويعملون على نسف كل جهود من سبقوهم من المصلحين والمجددين، بل ربما لا يعتبرون بمواطن الخطأ التي وقع بها من سبقهم وذلك لفرط ثقتهم بأنفسهم ومشروعهم الريادي، ليعودوا بعد فترة ويبدءوا مسيرتهم من حيث انتهى سابقوهم من الدعاة والمصلحين.
فأول رافعة من روافع الإصلاح هي أن ندرس ونتأمل سيرة من سبقنا من الدعاة والمصلحين نعمل على الاستفادة من مواطن الضعف والقوة في سيرتهم، ونعمل على اكمال الطريق الذي بدأوه مع إضافة نوعية من الفكر والمعرفة التي اكتسبناها خلال مسيرتنا في الحياة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة