العظماء 11 الحسين الإمام الشهيد

تاريخ النشر: 26/07/20 | 21:11

بقلم: علي هيبي

من الموت نبدأ:
هل يكون الموت بداية! نعم يكون وثوريّة أيضًا! لأنّ الموت إذا كان نهاية لكلّ شيء فإنّ ذلك يعني أنّ حياة الإنسان قد مضت عاديّة، خالية، خاملة، لا إبداع فيها أمتع ولا إنتاج أفاد ولا أثر ذُكر، وإنّما كانت مجرّد حياة تمدّدت على أيّام طوال، فرغت من الحركة والنشاط ومن الإنجاز وتحقيق الأهداف. “الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيّكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور” (القرآن الكريم، سورة المُلك، الآية 2) هنالك أمران ملفتان للنظر الموضوعيّ والتفكّر الواقعيّ والتوجّه العلميّ في هذه الآية، يرتبط بهما أو ينبثق عنهما أمر ثالث، بغضّ النظر عن الجانب الدينيّ والعباديّ، “فكل من عَ دينه الله يعينه”، وَ “كلّ حزب بما لديهم فرحون”، الأمر الأوّل: هو الموت والحياة والأمر الثاني: هو معنى الابتلاء في الدنيا والحياة وليس في الآخرة بعد الموت، فإذا كان الموت ابتلاء فإنّ الحياة لهي الابتلاء الأكبر، لأنّ البشر في حتميّة هذا المصير “سواسية كأسنان المشط” يدركنا الموت ولو “كنّا في بروج مشيّدة”، فعندما يحين الحين لا نستقدم ساعة ولا نستأخر دقيقة. أمّا الحياة فهي البلاء الأكبر، وهي التي نختلف فيها وبها وعليها ومن أجلها، لأنّ الحساب بعد الموت بالمفهوم الدينيّ، ثوابًا أو عقابًا سيكون على ما قدّمت أيدينا من صنائع وعقولنا من أفكار وقلوبنا من أحاسيس في الحياة، وسنحاسب أمام الله العزيز الغفور، ولكن ثمّة حساب آخر للتاريخ. والأمر الثالث: هو هل أحسنّا عملا أم أسأنا! وهل عشنا كالحسين أم كيزيد! كجيفارا أم كباتيستا، كبلال بن رباح أم كأميّة بن خلف، كجمال عبد الناصر أم كأنور السادات، كسقراط أم كقاتله، كجان دارك أم كشارل السادس، كعمر المختار أم كالأمير السنوسيّ! كالمسيح أم كيهوذا، كمحمّد أم كأبي جهل! هل عشنا عظماء أعزّاء أم سقطَ متاع ذليلًا! النهج الحياتيّ الذي انتهجناه على مختلف الأصعدة: سياسيًّا واجتماعيًّا وأخلاقيًّا هو الابتلاء الحقيقيّ هو الذي يحدّد واجباتنا نحو المجتمع وحقوقنا على المجتمع، ويحدّد كذلك نوعيّة وجودنا، مسارنا، مكانتنا، خياراتنا، إنجازاتنا وما قدّمناه لأنفسنا، وللوطن وكرامته، وللشعب وحرّيّته، وللإنسانيّة وأمجادها العظيمة، وهو الذي سيحدّد نوعيّة موتنا! أنهاية يكون أم بداية خلود أبديّ. هكذا يكون الموت بداية نورانيّة وثورة ذات مجد.
عاشوراء:
العاشر من محرّم سنة 61 ه، يوم استشهد “الإمام الحسين بن عليّ بن أبي طالب”، سبط الرسول وابنه، كان يومًا عظيمًا في حياة أمّتنا منذ ظهور الإسلام وسيظلّ على عظمته حتّى اختفاء الأبد، فيه تتويج لحياة عظيمة لأعظم أئمّة المسلمين، سيّد الشهداء، نعم يستحقّ “الحسين” منّا حتّى الآن أن نهتف “لبّيك يا حسين وهيهات منّا الذلّة” لنطيّب باسْمه ألسنتنا ولنستشعر بقلوبنا حلاوة حياة سامية ونتفكّر بعقولنا مواقف بطوليّة. ما زال بعض المقاومين في عالمنا يستلهمونها ويتّخذونها سبيل كفاح وطنيّ وحضاريّ، “تشي جيفارا” الثائر الأميركيّ اللاتينيّ، بل الثائر العالميّ الأمميّ ذكر الإمام “الحسين” واستلهم ثورته: “على جميع الثوّار في العالم الاقتداء بتلك الثورة العارمة التي قادها الزعيم الصلب “الحسين” العظيم والسير على نهجها لدحر زعماء الشرّ والإطاحة برؤوسهم العفنة”، لأنّ حياة “الحسين” كانت بعد تولّي “يزيد بن معاوية” السلطة والحكم والتسلّط والمُلك عن أبيه الملك الأوّل في التاريخ الإسلاميّ “معاوية بن أبي سفيان” ثورة عارمة، ولم يكن “معاوية” ولا “يزيد” خليفة للمسلمين ولا أميرًا للمؤمنين – برأيي – فالخلافة انتهت عند الراشدين، وكان أمير المؤمنين الأخير هو “عليّ بن أبي طالب”، وهنا تكمن الجريمة السياسيّة التي ارتكبها “الملك معاوية”. وقد قلت في قصيدة لي بعنوان “نموذج ثوريّ” مجّدت فيها مسيرة “الحسين” الكفاحيّة:
“ألا أبلغْ يزيدَ سليلَ مُلكٍ – بلا نصِّ لبيتِكَ في السياقِ
أميرُ المؤمنينَ لَنا عليٌّ – وليسَ كمثْلِهِ سامٍ وراقِ
غصبْتَ الشوْرَ في شكلٍ قبيحٍ – وأمرُ الشوْرَ يفضي للوفاقِ
سرقْتَ الحكمَ حتّى ازدادَ جورًا – فماتَ العدلُ في أرضِ العراقِ”
لقد كانت حياة “الحسين” ومسيرته الكفاحيّة مكرّسة ضدّ أولئك الذين استبدلوا الخلافة بالملك، ضدّ الظلم والاستكبار والاستئثار، ضدّ قتلة الحقّ وأمير المؤمنين “عليّ” الذي اختير بالشورى على طريقة الصدّيق “أبي بكر” والفاروق “عمر” وَ ذي النوريْن “عثمان”، ضدّ أولئك الذين رفضوا مبايعته بالحقّ في دمشق الشام، ضدّ الذين بذريعة واهية وكاذبة استخدموا دم “عثمان” الطاهر ليكسبوا مُلكًا زائلًا ورفعوا “قميص عثمان” متسلّحين بالكذب والزور، وكان “عليّ” أوّل من أرسل ابنيْه: “الحسن والحسين” للدفاع عن الخليفة “عثمان” أمام قاتليه، وضدّ مدبّري المؤامرة الدنسة، وعلى رأسهم “مروان بن الحكم”، يبتغون المُلك لاستعادة سيطرة “بني أميّة” القبليّة وَ “أبي سفيان” لزمن الكفر والجاهليّة، وقد عبّر الملك الأمويّ الثاني “يزيد” عن ذلك أصدق تعبير حين اعتبر “يومًا بيوم! يوم كربلاء بيوم بدر”، ما يعني أنّ قتْله للإمام “الحسين” في كربلاء كان انتقامًا وثأرًا لهزيمة “قريش” يوم “بدر” ويوم كان القائد “محمّدًا”، إنّ “انتصار كربلاء” الذي “حقّقه يزيد” على “الحسين” وشيعته انتقام وثأر جاهليّ لأوّل انتصار إسلاميّ على رؤوس الكفر والظلم والغنى الفاحش والقبليّة البائدة التي نها عنها الإسلام، قال الرسول: “ليس منّا من دعا إلى عصبيّة”! ولكنّ الحكم الأمويّ دعا إلى قبليّة وعصبيّة وقام على سياسة “فرّق تسد” وجعل المسلمين “قيس ويمن”، وقام على التنكيل والمجازر وقطع الرؤوس ضدّ المناوئين لحكمهم (من أين جاءت “داعش” بقطع الرؤوس)، هكذا فكّر الملك الذي تولّى أمور المسلمين! وليس على المسلمين إلّا “طاعته” وطاعة أولي الأمر، وّ “ويلٌ للمارق” ولكنّ “الحسين” لم يطع لأنّ “يزيد” ليس وليَّا على المسلمين ولا أمرهم بيده ولا طاعة له عليهم، وقال “الحسين”: “لا” بطوليّة قويّة عندما خذله الكثيرون وقالوا: “نعم” خنوعة ذليلة، ومات في سبيل الحرّيّة والحقّ فكان موته العظيم بقاء خالدًا بيننا، ثائرًا عظيمًا ما دام في بلادنا حكّام ظالمون، وما أكثرهم! ومن هنا ومن هذه الشهادة يوم العاشر من محرّم سنة 61 ه، بدأت حياة “الحسين” كسيّد للشهداء، وحقَّ لعظيم كهذا وموت كهذا وحياة خالدة كهذه أن نقول له: “لبّيك يا حسين وهيهات منّا الذلّة”. وقد قلت موجّهًا كلامي لِ “يزيد” في القصيدة المذكورة أعلاه:
“ولا ظلمٌ يدومُ بأرضِ عزٍّ – ولا عزٌّ معَ التكفيرِ باقِ
ولا يومٌ يقاسُ بيومِ بدرٍ – ولا الأيّامُ دومًا باتّساقِ”
الشعار الثوريّ “لبّيك يا حسين”
إذا تكلّمنا عن محور المقاومة اليوم، وفي صميمه “حزب الله” اللبنانيّ والجمهوريّة الإسلاميّة في إيران والجمهوريّة العربيّة السوريّة، والجمهوريّة العراقيّة، وغيرها من دول أو أحزاب أو حركات تتضامن أو تتعاطف، فسنرى أنّها مقاومة عربيّة وإسلاميّة، ويرى معظمها بِ “الحسين” وشعاراته الثوريّة آنئذٍ ملهمًا وموجّهًا حتّى الآن، لم تفقد ثوريّتها ولا مضامينها ولا بريقها، وهي موجّهة بالأساس إلى أعدى أعداء الأمّتيْن: العربيّة والإسلاميّة، أميركا وإسرائيل، والحقيقة تقول بأنّ هاتيْن الدولتيْن المتسلّطتيْن لا تحسبان حسابًا في شرقنا العربيّ والإسلاميّ اليوم إلّا لهذا المحور الذي يرفع شعار “لبّيك يا حسين وهيهات منّا الذلّة”، وما زال الشعار ثوريًّا بامتياز مضمونًا وبريقًا. عندما يتشهّد المسلم أثناء أداء فريضة الصلاة، فالشهادتان تؤدّيان وظيفة دينيّة عباديّة، بوصفهما ركنًا إسلاميًّا أساسيًّا، أمّا عندما كان ينطق بها “الحرّ بلال” وَ “آل ياسر” تحت التعذيب والتنكيل القرشيّ طالبين منهم ذكر آلهتهم بخير أو ذكر “محمّد” والإسلام بسوء فيصيحون: “لا إله إلّا الله ومحمّد رسول الله” فتكون هذه الشهادة شعارًا ثوريًّا! وعندما أراد الملك “يزيد” أن يذلّ أعزّ نساء الدنيا “زينب الكبرى بنت عليّ” بعد مقتل شقيقها “الحسين”، صرخت في وجهه وذكّرته بذلّ جدّه “أبي سفيان” يوم أعتقهم الرسول قائلًا: “أذهبوا فأنتم الطلقاء” بعد فتح “مكّة” وزوال سيادتهم البائسة وغناهم الفاحش ودينهم الوثنيّ: “أبالموت تهدّدنا يا ابن الطلقاء! إنّ الموت لنا عادة وكرامتنا من الله الشهادة”! قالت “زينب” هذا ورأس أبيها ورؤوس أطهار آل البيت مقطوعة موضوعة أمامها، انفصلت رأس “الحسين” عن جسده بأمر من الملك “يزيد” حاكم المسلمين (قبّح الله وجهه ولسانه ويده) وهو الطليق وابن الطليق والطليق جدّه، ولا حكم ولا خير في طليق تناسل من طليق، وقد قال الفاروق “عمر” قولًا شهيرًا وهامًّا بهذا الخصوص: “الطلقاء لا يحكمون المسلمين أبدًا فهو للبدريّين حتّى يفنوا” وحكم الطلقاء الذين حاربوا البدريّين يوم “بدر” وعلى رأسهم التاجر الكافر “أبو سفيان” وهو أبو الملك الأوّل “معاوية” وجدّ الملك الثاني “يزيد”، حكموا المسلمين بالمكيدة والدسائس والدهاء وشراء الذمم وقميص “عثمان” وباستغلال دمه الطاهر وبقطع الرؤوس مدّة 90 عامًا، ولكنّهم اندثروا وزالوا وروح “الحسين” ما زالت ترفرف فوق الرؤوس كشعار ثوريّ عظيم، “لبّيك يا حسين وهيهات منّا الذلّة”:
“وروحُكَ يا حسينُ تثيرُ فينا – حنينًا لا يُقاومُ بالفِراقِ
ولا آلٌ كبيتِكَ منْ بيوتٍ – وأمّا يزيدُ منْ بيتٍ طِلاقِ”
عندما صرخ شاعرنا العربيّ الفلسطينيّ “محمود درويش” بشعاره الشعريّ الشهير “سجّل أنا عربيّ” أمام الموظّف في وزارة الداخليّة الصهيونيّة مستغربًا وجوده وبقاءه عربيًّا وفلسطينيًا وغاضبًا في هذه البلاد، كان الشعار ثوريًّا وعظيمًا، فيه من التحدّي والصمود والكثير من معاني الإصرار على التشبّث بالوطن وبالحياة العظيمة التي تشرّف أصحابها العظماء، أمّا إذا صرخت: “سجّل أنا عربيّ” في دمشق أو القاهرة، فيزول من الشعار مضمونه ويفقد بريقه.
عاشوراء مرّة أخرى:
عشت معظم حياتي بلا شعور ولا اهتمام بانتمائي الدينيّ، هل أنا مسلم أم مسيحيّ! ذلك ما لم يكن يخطر لي على بال، وقد ساند فيّ هذا الاتّجاه انتمائي لحزب أمميّ يرى في البشر والأمم أخوة كما رأى “محمّد” في المؤمنين أخوة، أقول هذا رغم اعتزازي بلغتي وثقافتي العربيّة وبحضارتي الإسلاميّة التي قدّمت للبشريّة كلّها، وللغرب بالذات الكثير من العلم والنور، وعندما كانت تطفو بعض الخلافات الطائفيّة، وبخاصّة في لبنان كان لا يخطر في البال إلّا الخطر الطائفيّ والحرب الأهليّة المحدقة التي يعمل على تأجيجها أعداء لبنان والعرب، ويسود تناحر طائفيّ جانبيّ مكان التناحر القوميّ الأساسيّ. لم يقف الأمر عند هذا الحدّ، إذ اكتشف أنّني سنيّ ولست شيعيًّا! يعني أنّي من رهط “يزيد” وَ “محمّد بن سلمان” ولست من رهط “الحسين وحسن نصر الله”! فهل هذا معقول؟ لقد قال شيخ الأزهر السنّيّ “أحمد الطيّب”، والأزهر أعلى مؤسّسة دينيّة مرجعيّة في العالم الإسلاميّ: “السنّة والشيعة جناحا الأمّة”! فهل تحلّق أمّة إلى علّيّين المجد بجناح واحد! وهل تنتصر بتأجيج هذه القبليّة الوهّابيّة السعوديّة التكفيريّة الجديدة! وبفاشيّة الإخوان المسلمين وفتاوى “القرضاوي” مفتي مشاريع الديار الصهيو-أميركيّة! (أونستغرب اليوم أنّنا في أسفل سافلين الأرض!) وهل ستستعيد هذه الأمّة شبابها وبناء مجدها على دمار اليمن وليبيا وسوريا والعراق! لا ينقص إلّا أن نسأل إذا كان أطفال اليمن المحترقون وأطفال العراق الجائعون وأطفال سوريا المهجّرون وأطفال ليبيا الضائعون! أمسلمين هم أم مسيحيّين! أينتمون إلى السنّة أم إلى الشيعة وإذا كانوا من السنّة، أهم من أتباع “ابن حنبل” أم من أتباع “أبي حنيفة”! وإذا كانوا من الشيعة، أهم من الإسماعليّين أم من الزيديّين! كي يعرف المجرم بأيّ سلاح يقتل! وما الأداة القاتلة الملائمة لقتل هذا وقتل ذاك! “نعم سخرية كبرى مبكية لا ضحك فيها إلّا على ذقون العرب”، القاتل المجرم واحد والسلاح المجرم واحد! “فيا ربّ كفى بقرًا/ ويا ربّ كفى حكّامًا مثقوبين” ويا ربّ كفى قتلة تكفيريّين، وكفى انقساميّين متطرّفين! ولله درّ الشاعر العراقيّ “مظفّر النوّاب” ولا فُضّ فوه. ومّما قاله شيخ الأزهر أمام وفد من الصحفيّين والبرلمانيّين الألمانيّين: “نحن أبناء دين واحد، ولا يستطيع أحد أن يخرج أحدًا من الإسلام، ومنذ 14 قرنًا لم تجر بيننا حروب أو خلافات صعبة، ولكنّ أعداءنا يستغلّون تأجيج المذهبيّة لإشعال الحروب المدمّرة لشعوب أمّتنا ولأوطاننا والتي تخدم أهداف التوسّع والهيمنة”.
في أماسٍ ساجية كنت أدخل وأنا غرّ جاهل إلى البيت، أجد أمّي ساكنة، واجمة، مطرقة وحزينة، وبرفقتها عمّتي وجدّتي وشقيقتي الكبرى وجارة لنا، كنّ لا يتسامرن تلك الأمسية كعادتهنّ، وكنّ ساكنات، واجمات، مطرقات وحزينات كأمّي! فلا أفهم شيئًا ولا أجيد سؤالًا! ولكنّي كنت أجيد الإصغاء من بعيد، فأعرف أنّ هذا اليوم هو “عاشوراء” اسم عجيب وغريب! “شو يعني عاشوراء” كنت أسأل، فيقلن اليوم: “عشرة محرّم”، “طيّب شو يعني”! “يعني انقتل مثل هذا اليوم من زمان “الحسين” استشهد”! “مين “الحسين” وابن مين وليش انقتل”! وبدأ عمري يكبر وصار فهمي ينمو، فعرفت أنّ كلّ أهل بلدنا وهم من السنّة وليس فيهم شيعيّ واحد! كانوا يوم مقتله يحزنون جميعًا ويخيّم على الناس: السنّة والشيعة في كلّ أرجاء العالم الإسلاميّ جوّ مأساة، فَ “الحسين” لنا جميعًا ذخر وفخر، وهو أحبّ الناس إلى جدّه الرسول، والنبيّ هو الذي سمّاه “الحسين” وليس أباه، فأبوه “عليّ” أراد أن يسمّي الحسن بِ “حرب” فقال الرسول: هو “الحسن”، وأراد “عليّ” أن يعيد الكرّة مع “الحسين” ويسمّيه “حرب” فقال الرسول: هو “الحسين”، وهما اسمان لم يكن لهما في الجاهليّة سميًّا. ج
ولد “الحسين” في 3 شعبان سنة 4 ه، وعندما مات الرسول سنة 11 ه كان “الحسين” طفلًا بين السادسة والسابعة، وكذلك في خلافة “أبي بكر” الذي حكم لمدّة سنتيْن، وفي خلافة “عمر” والتي دامت لعشر سنين، كان السبطان يحظيان بحبّه وإجلاله لإجلاله جدّهما وأباهما، وأمّا في خلافة “عثمان” وقد امتدّت لاثنتيْ عشرة سنة فكبر “الحسين” شابًّا مقاتلًا في جيش “عقبة بن نافع” في أفريقيا سنة 27 ه، ومن ثمّ قاتل في “طبرستان” سنة 30 ه، وعندما مات أبوه “عليّ” سنة 40 ه، واستأثر “معاوية” بالملك والسلطة بلا شورى ولا بيعة إلّا بعد الاتّفاق مع “الحسن” وقبول “الحسين” ذلك الصلح على كره وانصياعًا لرأي أخيه، ومات “معاوية” سنة 60 ه، فوجد “الحسين” نفسه في حلّ من صلح أخيه، وخاصّة أنّ “معاوية” كان قد نقض كلّ بنود الصلح، ومن أبرزها أنّه عيّن ابنه “يزيد” وليًّا للعهد، وقد نصّ الاتّفاق على عدم توريث الخلافة بل جعلها شورى بين المسلمين، فصارت ملكًا مغتصبًا وجائرًا، وتولّى “يزيد” ذلك الحكم المغتصب والجائر، ومن هنا بدأت ثورة الإمام “الحسين” ونضاله ضدّ الجور والاغتصاب ولإحقاق الحقّ، هذه الثورة التي اختلجت في صدره منذ مقتل أبيه، وبداية الحكم الأمويّ بِ “معاوية” في دمشق الشام.
الثورة: بين السلّة والذلّة:
لم يوافق الخليفة الرابع والأخير “عليّ بن أبي طالب” بعد أن طعنه “عبد الرحمن بن ملجم”، وهو على فراش الموت أن يولّي ابنه “الحسن” خليفة بعده، رغم كثرة الراغبين بذلك من الصحابة، لأنّه أراد أن يكون الأمر شورى بين المسلمين، كما سار منذ خلافة “أبي بكر فعمر فعثمان فعليّ”، ولكنّ الملك “معاوية” وكي يستقرّ الأمر في بيت “أميّة” ويستتبّ مُلكًا لا خلافة ولا شورى، فقد عيّن ابنه “يزيد” وليًّا للعهد، بعكس رغبة معظم الصحابة، الذين لم يروا في “يزيد” أهلًا لقيادة المسلمين، وكذلك كان رأي “الأحنف بن قيس” سيّد بني تميم، عندما سأله معاوية في أمر ولاية “يزيد” ورأيه فيه، قال: “أخاف إن كذبتك أن أرضيك وأغضب نفسي، وإن صدقتك أن أغضبك وأرضي نفسي وأنت أخبر الناس به”، وبتلك الولاية نقض “معاوية” العهد وبنود الصلح التي أبرمها ووقّعها مع “الحسن بن عليّ”، وهذا أوّل سلوك ينافي نقاء الخلفاء وصلاحهم، ويلائم أدران الملوك وفسادهم، ونقض “معاوية” كلّ البنود في ذلك الاتّفاق، رغم أنّ “الحسن” قبل بِ “خلافته” شرط أن لا يستخلف بعده أحدًا، خوفًا من الفتنة وحقنًا لدماء المسلمين، لأنّ “درء المفاسد خير من جلب المصالح”. وهذا نصّ البند الثاني من الاتّفاق: “وليس لمعاوية بن أبي سفيان أن يعهد إلى أحد بعده عهدًا، بل يكون الأمر شورى بين المسلمين”، أمّا البند الرابع فيقول: “وعلى أن لا يبغي (المقصود معاوية) للحسن أو لأخيه الحسين ولا لأحد من أهل البيت غائلة سرًّا أو جهرًا”، وكانت أولى غوائله مكيدة دبّرها لقتل “الحسن” مسمومًا بيديْ زوجته “جعدة بنت الأشعث” لقاء رشوة بِ 100 ألف درهم، وكان ذلك سنة 49 ه. فهل كان نقض الاتّفاقات والدسائس والمكائد والرشوة والقتل من أخلاق الرسول وخلفائه الراشدين الأربعة ومن سلوكيّاتهم! لا! بل إنّها لا تتأتّى إلّا من رذائل ملكيّة على مدى التاريخ الإسلاميّ والعربيّ منذ الملك الأوّل والثاني “وجرّ”! وظلّ حبل الرذائل “عَ الجرّار” حبلًا فحبلًا وملكًا فملكًا “حذوك النعل بالنعل”.
ولعلّ الموقف الذي وُضع فيه “الحسين” من أصعب المواقف التي واجهها آل البيت، وكان “الحسين” لنبل فيه وكرامة قد قبل – على مضض – اتّفاق أخيه مع “معاوية”، فظلّ ساكنًا حتّى مات الأخير سنة 60 ه، وتسلّم المُلك وليّ العهد الأوّل في التاريخ الإسلاميّ، ولكنّ “الأمراء” ما زالوا حتّى الآن، وربّما بتأثير تلك العدوى “أبرًا مشرّمة تملأ سِددًا معرّمة”، وقد طال ذلك الفساد والإفساد الملكيّ الأمويّ ليس فقط الملوك، بل طال ذلك الدنس رؤساء جمهوريّات ملكيّين في أقطارنا العربيّة، وصاروا أكثر دخولًا للقرى وأشدّ فسادًا، فرغبوا في توريث الحكم لأبنائهم كما فعل “معاوية” لأوّل مرّة.
تلقّى “الحسين” كما يذكر التاريخ 12000 رسالة من أهل العراق وأهل الشام كي يناهض حكم “يزيد” الجائر، معربين عن استعدادهم للوقوف معه ومؤازرته، بعد أن صار في حلٍّ من اتّفاق أخيه مع “معاوية”، ولكنّه خُذل كما خُذل أبوه وأخوه منهم من قبل، بعد أن أوفد إلى الكوفة ابن عمّه “مسلم بن عقيل بن أبي طالب” ليستطلع موقفهم فخذل وقتل، ومع ذلك كان الصمود العظيم ومناهضة الظلم والجور سبيله الذي يرى فيه استمرارًا لمسار جدّه النبيّ العظيم. إنّ “الحسين بن عليّ” بما يملكه من مزايا عالية موروثة من البيت الهاشميّ القديم – وليس ممّن يحكمون الأردنّ اليوم – وبما أضاف إليها من مزايا سامية اختصّ بها هو نفسه، استطاع أن يجعل من نهضته قوّة وحقًّا بعثهما خالديْن في الأجيال خلود الزمن، وهما بلا شكّ سرّ عظمته وخلوده في التاريخ.
بات “الحسين” ليلة العاشر من محرّم ومعسكره يغلي كالبركان: نساء حائرات، أطفال عطاشى، شيوخ سجود وركوع وشبّان يعدّون العدّة ويصلحون السيوف لقتال أعدائهم. أمّا سيّدهم وإمامهم، وقد رأى عصرًا الأعداء تحيط بمعسكره من كلّ جانب وتسدّ عليه الطرق والمسالك، استعظم أن يجد في مخيّماته ضعاف الإيمان من أصحابه، وخشي أن يؤثّر في نفوسهم جزع الموقف فأخذ يطوف البيوت خيمة خيمة ويوصي الرجال بالرحيل إلى أهليهم والانفضاض عنه، فلم يجد بينهم إلّا من اشترى الموت بالحياة وقد ازدادوا تكتّلاً وتحمّسًا لمبدئه ومساره وثورته، فصادف أحد خدّامه فقال له: “يا جون إنّك تبعتنا للعافية فما عليك إلاّ أن تأخذ هذا الطريق في ظلام هذا الليل وتتّخذه لك جملًا”، فانتفض العبد كمن أصابته هزّة كهربائيّة وقال: “سيّدي أبا عبد الله إنّني في أيّام الرخاء ألحس قصاعكم أفي أيّام الشدّة أخذلكم! لا والله يا سيّدي! إنّ لوني لأسود وإنّ حسبي للئيم، فلا فارقتك أبا عبد الله حتّى أقتل بين يديك فيبيّض وجهي ويكرم حسبي”. فجزاه “الحسين” خيرًا، فيا لعظمة “الحسين”! ويا لطهارة نفسه ودماثة خلقه ويا لاستقامة ثورته وثباته عليها ويا لعظمة أنصاره من المستضعفين والبسطاء! وهو ما يذكّر بأنصار جدّه عند بداية دعوته وثورته على نُظم “قريش” الجاهليّة البالية وعلى زعامتها الظالمة والفاسدة.
في خطبته يوم العاشر من محرّم سنة 61 ه قال: “ألا وإنّ الدعيّ بن الدعيّ قد ركز بين اثنتيْن: السلّة والذلّة، فهيهات منّا الذلّة! (المقصود أنّ الدعيّ الأوّل “عبيد الله” بن الدعيّ الثاني “زياد بن أبيه، ابن أبي سفيان” وضع “الحسين” وجماعته بين خياريْن: السلّة وتعني استلال السيوف والثبات والقتال مع قلّة العدد وكثرة الإباء والشجاعة، والذلّة وتعني إلقاء السيوف والخنوع والرضوخ لِ “عبيد الله بن زياد” والقبول بحكم الملك “يزيد”) فماذا سيختار الثائر العظيم! هل يقبل سبط النبيّ وابنه والذي تحدّى “قريش” بكلّ جبروتها وظلمها وفحشها وغناها بقليل من العبيد المستضعفين، هل يقبل الإمام الثائر بالذلّة، لقد وُضع “الحسين” وجماعته بلا خيار! ومضى يخطب في الذين خذلوه: “يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون، وحجور طابت وحجور طهرت وأنوف حميّة ونفوس أبيّة! لا نؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام، ألا وإنّي زاحف بهذه الأسرة على قلّة العدد وخذلان الناصر، فقد أسرعتم كطيرة الدبا وتداعيتم كتهافت الفراش”. (والمعنى أنّهم خانوا العهد معه وخافوا وتخاذلوا وسارعوا إلى “عبيد الله بن زياد”، بسرعة الجراد وخفّة النمل أو كما يتهافت الفراش على النور ليلًا فيحترق) فاحترقوا وماتوا وتوهّج نور “الحسين” حيًّا خالدًا.
الثائران: الحسين وجيفارا:
ما أشبه الثائريْن: انطلاقًا وظروفًا وثورة ومصيرًا وموتًا كالأشجار الباسقة وخلودًا جعل حياتهما امتدادً إنسانيًّا، لا ينتهي طالما ظلّ ظلم وفساد وقهر واستلاب حقوق ونهب ثروات واستعمار أوطان وطالما ظلّت نفوس مقاومة تثور وقلوب تنبض وإرادات وثّابة إلى العدل والتحرّر والكرامة، بالكفاح والثورة والعزائم الفولاذيّة وليس بالاستجداء والركون إلى الظروف غير المواتية، لقد آمن الاثنان بأنّ كلّ الظروف مواتية لأنّ الثوّار هم الذين يصنعونها. “يقولون: الظروف أقوى وأنا (المقصود جيفارا) أقول: الإصرار والتصميم أقوى”.
المعركة الأخيرة “واقعة الطفّ” في كربلاء كانت ملحمة متواصلة من ثلاثة أيّام، “الحسين” باثنيْن وسبعين مقاتلًا رفض حتّى العبد فيهم الذلّ والنكوص على العقبيْن وأبى إلّا القتال حتّى الموت، أمام 4000 مقاتل أمويّ بقيادة “عمرو بن سعد” وتحت إمرة “عبيد الله بن زياد” القائد المكلّف من القائد الأعلى “يزيد”، يقطعون ماء الشرب عن النساء والأطفال ويطوّقون المعسكر الحسينيّ الضعيف بجيش مدجّج، لم يظهر واحد من الثوّار خوفًا ولا خورًا ولا جبنًا، قاتلوا حتّى الموت، جميع الثوّار استشهدوا وظلّ “الحسين” وحيدًا يقاتل حتّى سقط، وجاء اللعين إلى يوم الدين “شمّر بن ذي الجوشن” وفصل رأسه عن جسده – ألا تذكرون كيف فعلت “هند بنت عتبة” جدّة “يزيد” بجثّة عمّ الرسول، أسد الشهداء “حمزة بن عبد المطلّب” يوم “أحد” عندما حمل “الوحشيّ” كبده لهند – هكذا حُمل رأس “الحسين” إلى الملك “المسلم يزيد”، صغيرًا ابن 56 عامًا مات الرفيق “الحسين”.
في جبال بوليفيا، “جيفارا” بستّة عشر مقاتلًا يحارب فرقة من الجيش البوليفيّ، من 1500 جنديّ مدرّبين على يد القوّات الأميركيّة، قتال دام لستّ ساعات متواصلة حتّى سقط الثوّار الخمسة عشر، لم يعطوا للعدوّ ظهرًا، وظلّ “جيفارا” وحيدًا يقاتل حتّى أسر وسيق إلى المعتقل، ومن ثمّ إلى الإعدام رميًا بالرصاص، صغيرًا ابن 39 مات الإمام “جيفارا”. فيا لطهارة “الحسين” وَ “جيفارا” ويا لعظمتيْهما! ويا لدنس “يزيد” وَ “باتيستا” ورذالتيْهما! واللعنة عليهما وعلى أشكالهما وأتباعهما ممّن آذوْا “الحسين” وَ “جيفارا”.
وبعد المعركة لم يتوقّف الظلم والقتل والتنكيل، فارتكب الجيش الأمويّ “المسلم” أفظع الجرائم، أبرزها التمثيل بالجثث وحزّ الرؤوس، ورؤوس من! رؤوس أحفاد الرسول وبناته ورجال آل البيت ونسائهم، كرأس “الحسين” وأخيه “العبّاس”، وانتهك الجيش الأمويّ “المسلم” حرمات أطهر النساء وأقربهنّ إلى الرسول، وسيق الأطفال والنساء أمام الملك “المنتصر المسلم يزيد” في موكب إذلال، كي يرضي غروره الفاني بانتصار فاسد لا رجولة فيه ولا بطولة ولا إسلام ولا إيمان، بل كلّ ما فيه خزيّ وعار وجاهليّة وكفر إلى الأبد الأبيد وإلى يوم الدين. كان “يزيد” صغيرًا حقيرًا أمام الطاهرة الكبرى “زينب بنت عليّ”، كان ذليلًا أمام عزّتها، عندما عيّرها وهدّدها فصاحت بكلّ شموخ آل البيت الإنسانيّ: ” أبالموت تعيّرنا يا ابن الطلقاء! إنّ الموت لنا عادة وكرامتنا من الله الشهادة”! هذا هو نهج الثوّار المناضلين منذ أن خلق الله آدم. لقد كان يوم كربلاء “رمزًا لثورة المظلوم على الظالم ويوم انتصار الدم على السيف”. ثلاثة أيّام في كربلاء جعلت حياته تطول أكثر من تسعين سنة، ويخلد بها وباستشهاده بعدها خلود الكرامة والثورة والعدالة والحريّة، ويندثر بلا ذكر إلّا عند ذكر الخزي والعار والذلّ والمكائد والدسائس ونقض المواثيق والرشاوى وشراء الذمم والاعتداء على الحقوق والحرمات، يندثر “معاوية ويزيد وعبيد الله بن زياد وعمرو بن سعد وشمّر بن ذي الجوشن”، وقائمة العصابة تطول، هذه هي زمرة القتلة وعصابة الظالمين. ولكن:
“لا بدّ من يوم معلوم – تتردّ فيه المظالم
أبيض على كلّ مظلوم – أسود على كلّ ظالم”
آمن “الحسين” بأنّ “الموت في عزّ خير من حياة في ذلّ”، فكانت حياته ثورة على الظلم وكانت له في ذلك مقولة شهيرة شبيهة بحديث جدّه الرسول: “من رأى منكم منكرًا فليغيّره بيده، فمن لم يستطع فبلسانه، فمن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان”، أمّا :الحسين” فقال: “من رأى سلطانًا جائرًا مستحلًّا للحرام، ناكثًا عهد الله، مخالفًا لسنّة رسوله، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، ولم يغيّر عليه بفعل أو قول كان حقًّا على الله أن يدخله مدخله”، لله ما أعظم هذا القول الحسينيّ، إنّه صادق التعبير عن الحكم الأمويّ وسلوكه وسياسته، ومن تشابه العظماء في كلّ زمان كان للثائر “جيفارا” قولًا عظيمًا في هذا السياق: “المثقّف الذي يلوذ بالصمت أكثر خرابًا من النظام الدكتاتوريّ القمعيّ الذي يمارس القتل ضدّ أبناء شعبه”، وقال: “إذا كنت تسخط على كلّ ظالم فأنت رفيقي”، لأنّ مسار الثورة صعب وشائك والطريق مظلم وحالك ولذلك علينا أن نحترق أنا وأنت كي نقشع الظلام وننير الطريق، ولله درّ الشاعر التركيّ العظيم “ناظم حكمت”. أرادوا أن يطفئوا نور “الحسين” العظيم فزاد إشعاعًا وإشراقًا وسطوعًا، لقد قال “جيفارا” العظيم: “حاولوا دفننا ولم يعلموا بأنّنا بذور”، وقال “مارتن لوثر كينغ”: “بعض الأشخاص سينبذونك لأنّ نورك أشدّ سطوعًا ممّا يتحمّلون، هكذا هي الدنيا، فلتواصل إشعاعك”.
كلمات من نور الحسين:
– تعلّمت من “الحسين” كيف أكون مظلومًا فأنتصر! ولقد قرأت بدقّة حياة “الحسين” الشهيد العظيم، واهتممت اهتمامًا كافيًا بتأريخ واقعة كربلاء، واتّضح لي أنّ الهند إذا أرادت أن تنتصر فعليها أن تقتدي بالإمام “الحسين”. (المهاتما غاندي الزعيم الهنديّ)
– لا يوجد في العالم نموذج للشجاعة أفضل من تلك التي أبداها “الحسين” من حيث التضحية والمغامرة، وفي عقيدتي أنّ على‌ جميع المسلمين أن يقتدوا بهذا الشهيد. (محمّد علي جناح مؤسّس دولة الباكستان)
– إن كان “الحسين” قد حارب من أجل أهداف دنيويّة، فإنّني لا أدرك لماذا اصطحب معه النساء والصبية والأطفال؟ إذن فالعقل يحكم أنّه ضحّى فقط لأجل الإسلام. (الروائيّ البريطانيّ تشارلز ديكنز)
– أسمى درس نتعلّمه من مأساة كربلاء هو أنّ “الحسين” وأنصاره كان لهم إيمان راسخ بالله، وقد أثبتوا بعملهم ذاك أنّ التفوّق العدديّ لا أهميّة له حين المواجهة بين الحقّ والباطل، والذي أثار دهشتي هو انتصار “الحسين” رغم قلّة الفئة التي كانت معه. (الفيلسوف البريطانيّ توماس كارليل)
– وهل ثمّة قلب لا يغشاه الحزن والألم حين يسمع حديثًا عن كربلاء! حتّى غير المسلمين لا يسعهم إنكار طهارة الروح التي وقعت هذه المعركة في ظلّها. (المستشرق البريطانيّ إدوارد غرانويل براون)
– لقد قدّم “الحسين” أبلغ شهادة في تاريخ الإنسانيّة، وارتفع بمأساته إلى مستوى البطولة الفذّة. (عالم الآثار البريطانيّ وليام لوفتش)
– كان بميسور “الحسين” النجاة بنفسه عبر الاستسلام لإرادة “يزيد”، إلاّ أنّ رسالة القائد الذي كان سببًا لانبثاق الثورات في الإسلام لم تكن تسمح له الاعتراف به خليفة، بل وطّن نفسه لتحمّل كلّ الضغوط والمآسي لأجل إنقاذ الإسلام من مخالب بني أُميّة، وبقيت روح “الحسين” خالدة، بينما سقط جسمه على رمضاء رمال كربلاء. (المؤرّخ الأميركيّ واشنطن أيروينغ)
– يقال في مجالس العزاء إنّ “الحسين” ضحّى بنفسه لصيانة شرف الناس وأعراضهم، ولحفظ حرمة الإسلام، ولم يرضخ لتسلّط “يزيد” ونزواته. إذن تعالوا نتّخذه لنا قدوة، لنتخلّص من نير الاستعمار، وأن نفضّل الموت الكريم على الحياة الذليلة. (المستشرق الفرنسيّ موريس دوكابري)
– أفسدت “زينب أخت الحسين” على “ابن زياد” والأمويّين نشوة النصر وأفرغت قطرات من السمّ في كأس انتصارهم. وكان لِ “زينب” بطلة كربلاء دور المحفّـز في جميع الأحداث السياسيّة التي أعقبت عاشوراء، مثل سقوط الدولة الأمويّة وتأسيس الدولة العباسيّة. (الكاتبة المصريّة عائشة عبد الرحمن)
– حينما جنّد “يزيد” الناس لقتل “الحسين” وإراقة الدماء، كانوا يقولون: كم تدفع لنا من المال؟ أمّا أنصار الحسين فكانوا يقولون: لو أنّنا نقتل سبعين مرّة، فإنّنا على استعداد لأن نقاتل بين يديك ونقتل مرّة أخرى. (الشاعر اللبنانيّ جورج جرداق)
– ثورة “الحسين” واحدة من الثورات الفريدة في التاريخ، لم يظهر نظير لها حتّى الآن في مجال الدعوات الدينيّة أو الثورات السياسيّة، فلم تدم الدولة الأمويّة بعدها حتّى بقدر عمر الإنسان الطبيعيّ، ولم يمضِ من تاريخ ثورة “الحسين” حتّى سقوطها أكثر من ستّين سنة. (الكاتب المصريّ عبّاس محمود العقّاد)
– لو كان “الحسين” منّا لنشرنا له في كلّ أرض راية ولأقمنا له في كلّ أرض منبرًا ولدعونا الناس إلى المسيحيّة باسم “الحسين”. (العالم المسيحيّ أنطوان بارا)
– كان بنو أُميّة طغاة مستبدّين، تجاهلوا أحكام الإسلام واستهانوا بالمسلمين، ولو درسنا التاريخ لوجدنا أنّ الدين قام ضدّ الطغيان والتسلّط، وأنّ الدولة الدينيّة قد واجهت النظم الإمبراطوريّة. وعلى هذا فالتاريخ يقضي بالإنصاف في أنّ دم “الحسين” في رقبة بني أُمية. (المستشرق البريطانيّ رينولد نيكلسون)
– هذه التضحيات الكبرى من قبيل شهادة “الحسين” رفعت مستوى الفكر البشريّ، وخليق بهذه الذكرى أن تبقى إلى الأبد وتذكر على الدوام. (رئيسة المؤتمر الوطنيّ الهنديّ الهندوسيّة تاملاس توندون)
– “الحسين” شهيد طريق الدين والحريّة، ولا يجب أن يفتخر الشيعة وحدهم باسْم “الحسين”، بل يجب أن يفتخر جميع أحرار العالم بهذا الاسم الشريف. (الروائيّ المصريّ عبد الرحمن الشرقاوي)
– على جميع الثوّار في العالم الاقتداء بتلك الثورة العارمة التي قادها الزعيم الصلب “الحسين” العظيم والسير على نهجها لدحر زعماء الشر والإطاحة برؤوسهم العفنة. (الثائر اللاتينيّ آرنستو تشي جيفارا)
وللشعر دموع وكلام ونور:
الملحمة الشعريّة الحسينيّة كتاب مفتوح للشعراء على مدى العصور، ولم تخضع قضيّة “الحسين” لمرحلة معيّنة من التاريخ أو لبقعة محدّدة من الأرض، بل إنّها ترسّخت في القلوب والأذهان على توالي الأجيال، وكلّما تقدّم الزمن تتفتّح القرائح وتفيض الكلمات الشعريّة دموعًا شيعيّة رقيقة على شهداء “بني طالب” الذين عدّ منهم “أبو الفرج الأصفهانيّ” في كتابه “مقاتل الطالبيّين” حوالي مئتيْ شهيد، كان أوّلهم “جعفر بن أبي طالب الطيّار” وثالثهم “الخليفة عليّ” وخامسهم “الإمام الحسين”. وكما قيل “أرقّ من النسيم”! أو “أرقّ من دمع الغمام”! قيل كذلك:” أرقّ من دمعة شيعيّة تبكي عليّ بن أبي طالب”! من واقعة كربلاء شعّت آفاق ورؤًى متجدّدة ورحيبة، تنقّل فيها الشعراء من الواقعة كسرد تاريخيّ إلى آفاق معنويّة وإنسانيّة كبيرة، وتغلغلوا في أعماقها وتفاصيلها التي تنبّئ بالروح العظيمة التي حملها الإمام “الحسين” فظلّت ملحمة شعريّة متجدّدة لا تنضب وكتابًا مفتوحًا لن يغلق أمام دموع الشعراء وأحاسيسهم وأقلامهم إلى الأبد.
لكثير من الشعراء يُعزى أنّهم كانوا من أوائل مَن رثى “الحسين” بعد قتله في كربلاء، وأشهرهم ثلاثة: “عبيد الله بن الحرّ الجعفيّ” والذي قال من قصيدة له:
“فيا لكِ حسرةً ما دمْتُ حيًّا تردّدُ بينَ صدري والتراقي
حسينٌ حينَ يطلبُ بذلَ نصري على أهلِ الضلالةِ والشقاقِ”
وَ “سليمان بن قتّة العدويّ” قال:
“ألمْ ترَ أنّ الشمسَ أضحت مريضةً – لفقدِ حسينٍ والبلادَ اقشعرّتِ
وأنّ قتيلَ الطفِّ منْ آلِ هاشمٍ – أذلَّ رقابَ المسلمينَ فذلَّتِ”
وثالثهم “أبو الأسود الدؤليّ”، بقصيدة صبّ فيها لعناته على القتلة:
“أقولُ وذاكَ منْ جزعٍ ووجدِ – أزالَ اللهُ ملكَ بني زيادِ
وأبعدَهُم كما غدروا وخانوا – كما بعُدت ثمود وقوم عادِ
ولا رجَعتْ ركائبُهمْ إليهمْ – إلى يومِ القيامةِ والتـنادِ
هُـمُ جدعوا الأنـوفَ وكُـنّ شمًّا – بقتلِهـِمُ الكريمَ أخا مُرادِ
وأهلُ نبيِّنا منْ قبلُ كانوا – ذوي كرمٍ دعائمَ للبلادِ
حسينٌ ذو الفضولِ وذو المعاني – يزينُ الحاضرينَ وكلَّ بادِ”
كلمة أخيرة:
لم يدر بخلدي ولا خطر لي على بال عندما بدأت الكتابة عن الإمام الثائر الشهيد “الحسين” أنّ ثورته واستشهاده يحظيان بكلّ هذه الكلمات العظيمة والأوسمة الذهبيّة والنياشين النورانيّة: شعرًا ونثرًا، من شخصيّات عظيمة ذات مقام رفيع ووزن معنويّ ثقيل، امتدّت على مدى التاريخ وعلى امتداد الرقعة الجغرافيّة العالميّة من أميركا اللاتينيّة وأميركا الشماليّة وأفريقيا وآسيا وأوروبا، من العالم العربيّ والإسلاميّ، من المسلمين والمسيحيّين والبوذيّين والهندوس، من الماركسيّين والمتديّنين والعلمانيّين، من الفلاسفة والقادة السياسيّين والمفكّرين والمؤرّخين والمستشرقين، من المناضلين والثوّار وطلّاب الحريّة، من العلماء والأدباء والكتّاب والشعراء. وما نقلته من شهادات بحقّ “الحسين” غيض من فيض كلمات تبجيل لا تعدّ، هل يستحقّ الرجل ذلك! إنّ كلّ الكتب التي كُتبت ونُشرت وكلّ سيول المداد التي اُستخدمت لا تفي بقطرة واحدة من دمائه الزكيّة والطاهرة التي انتصرت على السيف في كربلاء! هذا الدم الذي تدفّق في العالمِين، فتشكّل أسلوب حياة ذات تضحية وتفانٍ وكفاح ضدّ الظلم، أسلوب حياة معبّرة عن روحانيّة الإسلام السمح الحنيف الذي احترم الإنسان والأديان والأنبياء جميعًا واحترم حريّة الاختلاف بالرأي، ومن أجل الحريّة والكرامة والقيم الإنسانيّة السامية، إنّه الدم الثوريّ المكافح الذي أبدع موتًا ثوريًّا، فكان بداية انطلاقات تحرّريّة وثورات كفاحيّة، لقد كان موت “الحسين” وسائر العظماء بداية حياة ذات بقاء وخلود.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة