انتماء

تاريخ النشر: 01/05/20 | 10:04

محمد سواعد- ابن الحميرة
اختص الله تعالى عبادة الصوم بصفات ومميزات ليست في غيرها من العبادات والفرائض التي شرعها لعباده، ومن هذه الخصائص ان الله تعالى اختص عبادة الصوم لنفسه: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (قال الله عز وجل: كل عمل ابن آدم له إلا الصيام؛ فإنه لي وأنا أجزي به، والصيام جنّة، وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث، ولا يصخب، فإن سابّه أحد أو قاتله فليقل: إني امرؤ صائم)، البخاري ومسلم، فيبين الله تعالى لعباده أن هذه عبادة خاصة من حيث الأجر والثواب الذي يناله العابد منها، واختلفت أقوال العلماء وتفسيراتهم لخصوصية في الصيام، ولكن أروع ما يمكن أن يفسر هذه الميزة أن عبادة الصيام هي انتماء بين العبد وبين خالقه سبحانه وبين الخلق بعضهم بعضا، فعبادة الصوم تنمي فينا مشاعر الانتماء والقرب والسياحة في جنب الله تعالى فهي عبادة خاصة ومميزة من حيث التكليف والنتائج.
يربي فينا الصيام ملكة المراقبة والمحاسبة والأمانة واستشعار القرب والكينونة بين يدي الله سبحانه، ويجسد هذا المعنى ذلك النداء الخالد بين آيات الصيام: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُددُونَ) البقرة 186.
ولعل من أعظم معاني الانتماء في الصيام والتي تعطيه هذه الخصوصية العظيمة هي أن الصيام انتماء الى مدرسة الأخلاق والقيم الإنسانية، فالصوم أولا يربي في المجتمع فضيلة التضامن والتكافل الاجتماعي، فعضة الجوع والعطش توقظ في الإنسان معاني ومشاعر الجوع والعطش والحرمان التي يعيشها الفقراء والمحرومين طوال حياتهم وهذا هو الانتماء الإنساني الحضاري والمعنى العظيم الذي حرص الإسلام على تذويته وتربية الناس عليه، كما ان المحصلة التربوية والأخلاقية والقيمية التي أرادها الله تعالى للخلق من خلال الصيام هي قيمة ومعنى حياة الفرد والمجتمع، فحياة الناس الأخلاقية والقيمية أعظم وأكبر من حياتهم المادية: (وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ) القلم 4، فعن بن عباس رضي الله عنهما: إنك على دين عظيم، وهو الإسلام، فانظر كيف استعار الله تعالى الأخلاق ليصف بها دين الإسلام، والنبي صلى الله عليه عندما أراد أن يعبر عن دعوة الإسلام بكلمة واحدة قال: (إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق) رواه أحمد، وعن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: (لما بلغ أبا ذر مبعث النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال لأخيه: اركب إلى هذا الوادي، فاعلم لي علم هذا الرجل الذي يزعم أنه نبي يأتيه الخبر من السماء، واسمع من قوله ثم ائتني، فانطلق الأخ حتى قدمه وسمع من قوله، ثم رجع إلى أبي ذر، فقال له: رأيته يأمر بمكارم الأخلاق) رواه البخاري.
وعندما نتأمل في معاني الصيام فإننا نستنشق من خلاله عبير أزهار أخلاقه التي اهتم الإسلام بغرسها عميقا في داخل النفوس، فإذا كان كل شيء يقاس بثماره، فإن فريضة الصيام تعظم ويظهر قدرها عندما ندرك أنها لم تأت لتكون عقابا أو حرمانا للفرد من شهواته بقدر ما هي ارتقاء بروحه وقلبه نحو آفاق إنسانيته ومعنى كينونته.
فالأحاديث التي جاءت في بيان المعاني الأخلاقية من الصوم كثيرة جدا، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: (مَن لم يَدَعْ قول الزُّور والعملَ به والجهلَ، فليس للهِ حاجةٌ أن يَدَعَ طعامه وشرابه)؛ رواه البخاري، وفي الحديث القدسي: (وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث، ولا يصخب، فإن سابّه أحد أو قاتله فليقل: إني امرؤ صائم)، ومن أروع ما جاء عن بعض السلف رضي الله عنهم: كنا نعد أهون الصيام ترك الطعام والشراب، وقال جابر رضي الله عنه: إذا صمت فيصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمحارم ودع أذى الجار، وانشد بعضهم:
إذا لم يكن في السمع مني تصاون ***** وفي بصري غض وفي منطقي صمتُ
فحظي إذا من صومي الجوع والظمأ **** فإن قلت إني صمت يومي فما صمت

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة