الشجرة المغرورة

تاريخ النشر: 23/04/20 | 8:16

محمد سواعد- ابن الحميرة
مما قرأت في كتب الأدب أن شجرة كبيرة سكنت وسط الغابة وزقزقت على أغصانها الطيور وتفيأ في ظلالها الرعاة والمسافرون، وتنسمت عبيرها أسراب النحل فصنعت من رحيقها شرابا مختلفا الوانه فيه شفاء للناس، عاشت هذه الشجرة مع الأشجار من حولها في سعادة وهناء وسرور، حتى داخلها العجب يوما، فظنت في لحظة طيش وجنون أن الحياة خلقت من أجلها وأنها سيدة الغابة ولا ينبغي لغيرها ان يبقى في الغابة، وفي يوم أشرقت شمس ضحاه ترسل الدفء والأمن والطمأنينة على العالمين دخل حطاب الى الغابة يجمع بعض الأغصان ليبيعها ويستدفئ مع صغاره من برد الشتاء، نظرت إليه الشجرة من عليائها وقالت بكبر: أيها الحطاب أنا ملكة هذه الغابة وأطلب منك قطع الأشجار من حولي، فهي تحجب عني الريح والهواء وأشعة الشمس ولا ينبغي لأحد غيري البقاء في الغابة، راح الحطاب يتوسل إليها ان تبقي على حياة الأشجار الأخرى ولكن محاولاته ذهبت أدراج الرياح أمام الكبر المستحكم في نفسها، فأذعن لرغبتها وراح يقطع الأشجار ويبيعها في السوق حتى جمع مالا وفيرا، وتنفست الشجرة المغرورة الصعداء حيث لبت شهوات نفسها وعاشت في زهو وكبر وخيلاء، وفي ليلة ليلاء أظلمت شمسها على عواصف شديدة تزمجر وسط الغابة، وإذا بهذه الشجرة الكبيرة العملاقة تسقط على وجهها كئيبة حسيرة حيث لم تجد من بنات جنسها من يقف معها في وجه الإعصار المتمرد، فجاء الحطاب إليها ووجد فيها صيدا ثمينا وربحا وفيرا وقال يخاطبها: ألم أنصحك أن تدعي عنك الكبر والخيلاء، ألم أتوسل إليك أن تبقي إلى جانبك من الأشجار من يقف إلى جانبك في وجه عوادي الزمان، ولكن لات حين مندم.
إن هذه القصة وإن كانت من ضروب الخيال إلا أنها تعكس واقعا تعيشه البشرية اليوم في كثير من الدول أو المنظمات والأحزاب حيث ينفرد بعض الأشخاص بقيادة دفة الدولة أو المؤسسة وربما يكونون من الأفذاذ في مرحلة ما، ولكنهم في غمرة طغيانهم يبعدون كل من يقف في وجه أحلامهم وطموحاتهم، فيسفهون كل رأي وينتقدون كل كلمة ، ويسجنون أو يبعدون كل من يتجرأ على نقد ذواتهم العلية، ويظنون بذلك أنهم يحسنون صنعا، حتى إذا عدت عوادي الزمن على هذه الدول وعصفت بها رياح الزمان لم يجد هؤلاء القادة أفذاذ زمانهم من شعبهم أو من أتباعهم من يدفع عنهم غوائل الزمان وأزمات الحياة، وما كان لهم من فئة ينصرونهم من دون الله وما كانوا من المنتصرين.
هذه الشجرة ترمز إلى واقع كثير من قادة الدول العربية المعاصرة وغير العربية الذين سخروا الدولة ومقدراتها وخيراتها لأجلهم فكانوا “هم الدولة والدولة هم”، فظلموا ونشروا الفساد وأذلوا العباد ونهبوا خيرات البلاد، حتى إذا هبت رياح التغيير وبشائر الأمل وإذا بهم يفرون عن عروشهم مثل صغار الحجل، وشواهد ذلك في تاريخنا المعاصر كثيرة في مصر وتونس وليبيا حيث لم يجد زعماؤها من يترحم عليهم من شعوبهم أو من يوفر لهم شبكة الأمان وتنفست الأرض والبشر الصعداء لهلاكهم وموتهم.
ان الفارق كبير جدت بين قائد يحتمي بشعبه وقائد يحتمي من شعبه، فالذي يحتمي بشعبه هو من يسعى على مصالحهم ويوفر لهم الأمن والأمان والطمأنينة ويحرص على حاضرهم ومستقبلهم فيعيش سعيدا بشعبه ويعيش الشعب سعيدا بقائده، أما من يحتمي من شعبه خلف القصور والحرس والنهب والسرقة فإن القلوب تلعنه وتدعو عليه ليل نهار وتسعى الى التخلص منه عند اول منعطف.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة