استذكار صديق راحل

تاريخ النشر: 13/04/20 | 9:01

كتب : شاكر فريد حسن
من أصدقائي الراحلين طاب ثراهم وذكراهم، الصديق ابن بلدي مصمص، المرحوم سعيد فياض ( أبو عمران )، الذي جمعتني به زمالة وصداقة متينة قائمة على المودة والاحترام والثقة المتبادلة. وكنا نقضي معًا الساعات الطويلة في بيته العامر، وإن نسيت فلن انسى جلساتنا وأحاديثنا الشائقة الممتعة، التي كانت تدور حول مواضيع كثيره، وحول همومنا الذاتية وخصوصياتنا الشخصية.
كان صديقي سعيد إنسانًا بسيطًا طيبًا وذكيًا، كان يكبرني سنًا بعام، ولكنه تبقى، وهذا ما جعلنا نلتقي سوية على مقعد تعليمي في صف واحد بالمدرسة الثانوية في كفر قرع، التي كان مديرها في حينه الأستاذ علي عليمي ( أطال اللـه بعمره ) الذي كان شديدًا في تعامله مع طلاب المدرسة.
أنهينا التعليم الثانوي معًا والتحقنا بسلك العمل في قيسارية بمصنع السجاد، وكثيرًا ما كنا نلتقي ونسافر إلى مدينة جنين في الضفة الغربية، لقضاء احتياجاتنا والتجوال في شوارعها وأسواقها، ولم يكن حينها حواجز عسكرية ولا قيود ولا تفتيش كما هو الحال اليوم، وكانت مسافة الطريق ربع ساعة فقط. فكنا نجلس في مطاعمها ومقاهيها، وكان الأكل الألذ والأشهى، صحن حمص مع فول بمطعم أبو النواس القريب من محطة الباصات العامة، الذي لا يزال حتى يومنا هذا. وكنا بعد ذلك نتوجه مشيًا على أقدامنا لمقهى خميس لاحتساء فنجان من البن المهيل، لذيذ النكهة.
هذا فضلًا عن ارتياد المكتبات والاطلاع على آخر المطبوعات والإصدارات والكتب، وشراء ما يعجبنا من عناوين، وكذلك شراء الكاسيتات والألبومات الغنائية، التي كنا نترنم معًا على ألحانها وأغانيها.
وعندما أقام سعيد عرسه دعوته على الحمام في بيتنا، وهو بدوره دعاني للحمام في بيته حين أقمت عرسي.
وبعد سنوات من زواجه وإنجاب بناته الثلاث، وأبنه الوحيد عمران، عاني من مشاكل صحية كثيرة، وكان الموت بالمرصاد، فاختطفه مبكرًا دون أن يشبع من الحياة.
فيا صديقي العزيز الراقد في رمسكَ أعلم إنك لن تكلمني ولن تحدثني، وأعلم أنك لن تأتيني، لكني اتمنى من كل قلبي لو تعود للحظات، لدقائق، لثواني، لنستعيد ذكرياتنا الجميلة وأيامنا البهيجة وماضينا الشبابي، وكي أسمع صوتك وأقول لك لن أنساكَ، فأنت حي في ذهني ومخيلتي، وبأنني باقٍ على عهد الصداقة والوفاء.
وفي النهاية ليس ما أقوله سوى أن أترحم عليك، وادعو لك بالرحمة، وليسكنك اللـه جنات رضوانه، وسلامًا لروحكَ.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة