حقائق عن الأمير عبد القادر – معمر حبار

تاريخ النشر: 22/09/19 | 11:17

الأربعاء 18 محرم 1441 هـ – الموافق لـ 18 سبتمبر 2019

اشتريت الكتاب من بائع الكتب عبر رصيف وسط مدينة الشلف وأنهيت قراءته قبل أن أبرح مكاني، والكتاب هو: الأستاذ رابح خدوسي: “الأمير عبد القادر في كتابات المؤرخين”، دار الحضارة، بئر توتة، الجزائر العاصمة، الجزائر، 1997، من 32 صفحة فكانت هذه القراءة:

1. جاء في صفحة 13 وتحت عنوان: “عبد القادر أميرا” أنّ الأمير عبد القادر رحمة الله عليه ورث الإمارة من أبيه و”تخلي أبيه عن الإمارة لفائدته”، وعليه أقول: الأمير عبد القادر لم يرث الإمارة بالمفهوم المتعارف عليه إنّما علماء وفقهاء وأعيان وكبار معسكر والمناطق المجاورة لها ألحوا على الأب محي الدّين الحسيني الهاشمي رحمة الله عليه أن يلح على الابن الأمير عبد القادر بقبول الإمارة فقبل الابن تحت إلحاح العلماء والفقهاء وطلب الأب هذا من جهة.

2. من جهة ثانية – في تقديري وحسب قراءاتي – الإمارة تعني في حالة الأمير عبد القادر القيادة وخاصّة قيادة الجيش لأنّه بعد الاحتلال الفرنسي للجزائر وخيانة العثمانيين للجزائر وبيع أهلها وخيراتها للمحتل الفرنسي كان لزاما على الجزائر أن تختار قائدا عسكريا يواجه النهب والسّطو و الاستدمار الفرنسي. إذن لقب الإمارة يطلق في الحالة الخاصّة بالأمير عبد القادر على قيادة الجيش ومحاربة العدو والمحتل الفرنسي وليس الإمارة بمفهوم التوريث والبذخ هذا من جهة ثانية.

3. حين ضغطت فرنسا المحتلة على الأمير عبد القادر لجأ للمغرب ليحمي ظهره ويأمل في نصرة سلطان المغرب يومها، وحين رأى سكان المغرب الأخلاق العالية للأمير عبد القادر طلبوا منه وبإلحاح أن يكون سلطانا عليهم بدل السلطاني المغربي لكنّ الأمير عبد القادر بأخلاقه السّامية امتنع ورفض احتراما لضيافة السّلطان المغربي والعهد الذي قدّمه له بأن لا يخونه ولا ينافسه في ملكه. وحين هاجر الأمير إلى الشام طلب منه سكان الشام وألحوا عليه أن يكون سلطانا على العرب جميعا هذه المرّة عوض السلاطين العثمانيين الذين كان المشارقة يومها يكنون لهم العداء بسبب ظلم وبطش سلاطين الدولة العثمانية فرفض الأمير عبد القادر أن يكون سلطان العرب احتراما للسلطان العثماني وتقديرا له ورفضه منافسة السّلطان العثماني خاصّة وأنّ الأمير عبد القادر يملك من المواصفات الأخلاقية والجذر التاريخي والتعاطف الشعبي والأخلاق السّامية ما لا يملكه سلاطين الدولة العثمانية مجتمعين وهم يدركون هذا الفارق جيّدا حتّى أنّهم كانوا متخوّفين جدّا أن يكون ا أمير عبد القادر سلطان العرب بدل عنهم وهم يرون العرب تلتفّ حوله وتطلب منه أن يكون سلطانا عليهم.

4. جاء في صفحة 23 تحت عنوان: “الاستسلام” يتحدّث عبره عن استسلام الأمير عبد القادر، وعليه أقول: أشكر الأستاذ رابح خدوسي على الجرأة في استعماله عنوان “الاستسلام” لأنّي قرأت هذا العنوان لأوّل مرّة في حياتي – وفي حدود ما قرأت و أتذكر – لكن ألومه للاعتبارات التّلية:

5. الكتاب موجّه للأطفال وما كان ينبغي له أن يستعمل مصطلح “استسلام الأمير” وهو يخاطب الأطفال لأنّ الطفل لا يخاطب باستسلام قادته ورموزه.

6. طلب منّي منذ سنوات طلب أن أكتب عن الأمير عبد القادر للأطفال فكتبت وعرضت عملي على زميل أديب فصيح فنصح وشكر ثمّ عرضت عملي على زميل يكثر القراءة فقال لي حينها: عهدتك أن تنتقد الأشخاص والفكرة لكن رأيتك في هذا العمل تشكر وتثني على الأمير عبد القادر دون أن توجّه نقدا للأمير وقد قرأت لك وأنت تنتقد الأمير في بعض مقالاتك وكتاباتك كما تثني عليه، فأجبت ودون تردد: عملي هذا موجّه للأطفال ولا يحقّ لي أن أنتقد رمزنا وكبيرنا وأنا أقدّمه للصغار والمطلوب من الكبار أن يربوا الطفل على أنّ رمزه كان قائدا وفاتحا ونظيفا وفارسا وشجاعا وبطلا وعادلا وحين يكبر نقدّم له نقدنا للأمير عبد القادر ولغيره كما فعلنا من قبل معه ومع غيره.

7. استعمال الكاتب لمصطلح “الاستسلام” يوحي أنّ الأمير عبد القادر استسلم بمحض إرادته وأنّ من طبعه الاستسلام وهذا خطأ وقع فيه الكاتب وكان عليه أن يكتب مثلا : “الظروف التي دفعت الأمير عبد القادر للاستسلام” و “ظروف الاستسلام” وغيرها من الكلمات المعبّرة عن أنّ ا؟لأمير عبد القادر حارب مدّة 17 سنة وهو في زهرة شبابه وقد عرضت عليه الدنيا وجاءته حبوا وترجاه المستدمر الفرنسي وبعث له بثلاثة رسائل لإبرام الصلح ولم يقبل إلاّ في الرسالة الرابعة وهو الوحيد الذي أبرمت معه معاهدتين ولم يتوقف يوما عن الجهاد ومحاربة المستدمر الفرنسي لكن ضغوطا ضخمة وخيانات متعدّدة وموازين قوة لم تكن لصالح وتفوّق المحتل في العدّد والعدّة وانحصار الأرض التي يثبت عليها وينطلق منها وغياب الغطاء الذي يحميه من الخائن والعدو كلّها وغيرها عوامل ساهمت في استسلام الأمير عبد القادر رحمة الله عليه. إذن الأمير عبد القادر استسلم لكن الظروف التي ذكرناها وغيرها هي التي دفعته للاستسلام.

8. عاتبني زميل وهو أستاذ التاريخ بإحدى الجامعات الجزائرية استعمالي لمصطلح استسلام الأمير تحت ظروف ذكرتها في الأعلى وقال: بل هو طلب أمان. أجبت حينها: لا يطلب الأمان من عدو وطلب الأمان هو الصورة المعبّرة عن الاستسلام لكن بلفظ رقيق لطيف.

9. اعتمد الأستاذ على مرجع واحد مترجم إلى اللغة العربية والمراجع الأخرى كلّها من كتاب عرب وجزائريين، وعليه أقول: من الأخطاء الفادحة الاعتماد على المراجع الجزائرية والعربية دون المراجع الفرنسية والغربية في دراسة الأمير عبد القادر. والصواب – في نظري – الاعتماد على الجزائريين الذين عايشوا الأمير عبد القادر منذ صباه وشبابه وبداية الاحتلال الفرنسي، والاعتماد على الفرنسيين والغربيين الذين تعاملوا مع الأمير عبد القادر في السّلم والحرب والمعاهدة والسّجن، والاعتماد على العرب الذين تعاملوا مع الأمير عبد القادر في الشام ومساجد الشام والصلح بين المسيحيين ومجالسه مع علماء الشام وهكذا. وبهذا الجمع يقف المرء على مصادر جزائرية وفرنسية وغربية وسورية وعربية لدراسة شخصية الأمير عبد القادر من كلّ النواحي ومن زوايا مختلفة ودون استثناء.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة