مع الشاعر عبد الهادي قصقصي وديوانه : ” إن الحمامة تنتشي بهديلها “

تاريخ النشر: 10/09/19 | 10:30

الشفاعمري عبد الهادي قصقصي شاعر رصين مرهف الاحساس، مسكون بحب وطنه، ملتصق بقضايا وهموم شعبه، ومفتون بالقصيدة الكلاسيكية العمودية العروضية، وما يميزه خصوبة الخيال والقدرة على الاتيان بالصور الشعرية الفنية الواضحة الانيقة الخلابة.

اصدر ديوانين شعريين، هما : ” إن الحمامة تنتشي بهديلها ” و ” قبس القصيد “. وبين يدي ديوانه ” إن الحمامة تنتشي بهيديلها “، الذي كان قد وصلني هدية منه حين صدوره، ولكن شواغل الحياة وهمومها ومشاكلها وضغوطاتها حالت دون الكتابة عنه، فالمعذرة يا شاعري.

جاء الديوان في 100 صفحة من الحجم المتوسط، وضم بين ثناياه 37 قصيدة تتناول موضوعات وطنية وسياسية ووجدانية ورومانسية ومناسبات اجتماعية ورثائيات. وكتب الناقد الاستاذ محمد صفوري مقدمة له، ومما قاله: ” قصائد الديوان تثبت قدرة شعرية وفنية جديرة بالتقدير والاهتمام، إنها قصائد تفوح بعبق الماضي وعذوبة المستقبل المؤمل، ليعيدنا الشاعر إلى تراثنا العربي الأصيل، ويعزز أصالتنا وانتماءنا لهذه الأرض التي عُجنا من أديمها، اجسادنا وليمدنا بالأمل، لنحلم بالمستقبل الذي لن نحيد عنه “.

قصائد الديوان جميلة شفافة في الفاظها ومعانيها، تنساب انسيابًا رقراقًا عذبًا شجيًا، تحفل بالتعابير التصويرية الفنية التي تنم عن حسٍّ انساني مرهف، وتذوق رائع للجمال في كل مفردة من مفرداته، التي يختارها بعناية فائقة واهتمام بالغ، وتتصف بمتانة العبارة، واناقة الحروف، وسلامة الأسلوب، وسحر اللغة، وروعة الأداء والصياغة والتراكيب والموسيقى الداخلية الهادئة الطلية، كصوت الحمامة في هديلها، فضلًا عن توظيف الأساطير، وابتكار الصور الفنية واضحة المعالم، واللغة الرشيقة الحية، والإحساس الوطني والقومي والعروبي، والنظرة الاستشرافية التفاؤلية المشرقة، رغم المكابدة والألم والوجع والقلق الحضاري، وما يعصف في حياتنا من معارك وحروب وصراعات طائفية وفوضى خلاقة.

يبدأ شاعرنا عبد الهادي قصقصي ديوانه بقصيدة ” متألق هذا الربيع بموطني “، حيث يتغنى بالربيع الطلق ويصور جمال الطبيعة وسحرها ومناظرها الخضراء في بلادنا، ويذكر اسماء الأشجار وأنواع النباتات التي تنمو في أرضنا السمراء المعطاء، ويبدع في الوصف حين يقول:

متألقٌ هذا الربيعُ بموطني – وتكحلَّتْ من سحرِهِ الابصارُ

سجادةٌ خضراءُ تفترشُ الثرى – بالأخضر الشجري تمَّ إطارُ

رسمتُ مشاهد لوحةِ ألوانها – وكواكبٌ إكليلُها والغارُ

تتوفر الخيراتُ في جنباتِهِ- وفواكه مشهورةٌ وخضارُ

وسنابلُ القمحِ المباركِ حبَهُ – يحني السنابلَ حبُّهُ المقدارُ

والزعترُ المحرومُ من قطَافِهِ – منع الأهالي قطفهُ انذارُ

والصخرُ والقندولُ رمزُ صمودِنا – والتينُ والزيتونُ والصبارُ

والتوتُ والرمانُ طابَ شرابُنا – والزيتُ من زيتونِنا نختارُ

وفي قصيدته الثانية يشدو لمدينته ” شفاعمرو “، ويفاخر فيها، لأنها تجمع أخيار الناس في أحضانها، ويتحدث عن روح التسامح بين اهلها، وعناق الهلال والصليب، فيقول :

بلدي الحبيبُ معزتي ومفاخري- وبديله لا أرتضي بمكانٍ

متألقٌ بلدي الجميلُ بأهلهِ – وبنهضةِ الإنسانِ والعمرانِ

ومعالمُ التاريخِ تثبتُ مجدَها – من عهدِ كنعانِ إلى عثمانِ

جمعتْ خيارَ الناسِ في أحضانِها- وتآلفت في أقدس الأديانِ

وتعانقُ الأجراسُ صوتَ مؤذنٍ- وأهلَّةٌ تدنو من الصلبانِ

وكنيسةٌ دقَّتْ بجانبِ مسجدٍ -وتجاوبتْ في خلوةِ الاخوانِ

أما في قصيدة ” إن الشعوب إذا ثارت ستنتصر “، يحاكي ويصف أحوال الامة واوضاع الشعوب العربية الواقعة تحت وطأة القهر والاستبداد، ويحيي البواسل والأحرار في الوطن العربي، مؤكدًا على حقيقة أن الشعوب إذا وقفت على رجليها وهبت وثارت على انظمتها فهي المنصورة في نهاية المطاف :

لا يدرك البغي والحكامُ عاقبةً – إن الشعوبَ إضا هبت ستنتصرُ

إرادة الشعب قد حقَّتْ نجاعتها – قد أحبط الظلم والطاغوت يستترُ

ما للعروبةِ في أحوالها غضب – من ظلمِ حكامٍ جاروا وما اعتبروا

ويهتف شاعرنا لأيار عيد العمال العالمي، وشهر الكفاح ورمز النضال الطبقي ضد الظلم والاستغلال والعبودية والرأسمالية، والشهر الذي يعيد للأذهان نكبة شعبنا ومأساته المستمرة، ملوحًا بالراية الحمراء الخفاقة عاليًا كالنسر، ومبشرًا بفجر الحرية والانعتاق :

شهر الكفاحِ مناصرٌ لمطالبٍ- نصر الشعوب لحقهم قد لاحا

والكادحونَ تفجرتْ احقادُهم – من ظالمِ حقَّ الورى اجتاحا

والرايةُ الحمراءُ تخفقُ عاليًا – كالنسرِ يخفق في الفضاءِ جناحا

ولا ينسى عبد الهادي أمه الحبيبة فيكتب لها في عيدها الميمون، فيبغي رضاها ورشف طعم الحنان من صدرها، ويخاطبها قائلًا :

أغصانُ حبّكِ برعمتْ في خاطري – زهرًا وعطرًا من شذى ريّاكِ

كم كابدتْ عيناكِ من وَهَن الكَرى- وتألمتْ من موجعي عيناكِ

وإذا شعرْتُ بوعكةٍ في حالتي – لمستْ جبيني بالحنانِ يداكِ

وفي الديوان قصائد عن حرب لبنان، والأقصى الشريف، وناصرة البشارة وقلعة النضال، ومكة المكرمة ، وغزة هاشم الصامدة بوجه الحصار والهمجية والعدوانية الاسرائيلية الاحتلالية، التي تأبى الخنوع :

وغزةُ هاشمٍ تأبى خنوعا – لقهرِ الظالمينَ المجرمينا

وغزةُ هاشمٍ تُفني غزاةً – ومجدُ نضالِها عبر السنينا

وفي قصيدته ” أوفى التهاني والأماني “، يهنئ صحيفة ” الاتحاد “، سنديانة شعبنا الباقية بعيدها، هذه الصحيفة التي تنير الفكر وتدافع عن الحق جهرًا، وتطالب بالعدالة، وتنشد السلم، ويحكي عن تاريخها العريق الماجد ومواقفها الجريئة بوجه السياسة العنصرية، وتظل منارة الأحرار :

أنارت للجميع دروبَ نهجٍ – تمثَّلً بالكفاحِ وبالعنادِ

تدافعُ في سبيلِ الحقِ – ولا تخشى ملامات الأعادي

وأنباءٌ تزودُها بصدقٍ – مقالات تُسَطَرُ باجتهادِ

وتاريخٌ تألقَ منذُ عهدٍ- مناصرةً الضعيفِ من اضطهادِ

ومرجعُ إرثِنا الوطني فيها – يدوَّنُ بالنزاهة والسدادِ

تكالب بالعدالةِ مستحقًا- وتبغي السلم في كل ارتياد

وفي قصيدة ” يكرم المرء عرفانًا بقيمته ” يحيي ويبارك للأديب محمود عباسي بمناسبة يوم ميلاده، ويثمن انجازاته المتميزة في حقل الثقافة والفكر والأدب، ولا سيما مجلة ” الشرق “، التي كان لها دورَا رياديًا في الحراك الثقافي في هذه الديار، فيخاطبه بكلمات جميلة تنبض بالمحبة والاجلال والتقدير، أديبًا وانسانًا، فيقول :

أديبُنا الفذُ في الآفاقِ منطلقٌ – قد أتحفَ الجيلَ من إبداعهِ الأدبي

ترادف الاسمُ والمحمودُ في صفةٍ- هذا الأديب الأُلى من نُخبةِ النجبِ

شمسُ المعارف في الأقطارِ ينشرُها – فكرًا منيرًا لأهل العلمِ والأدبِ

مجلةُ الشرقِ من تحريرِهِ انبثقتْ – منارةُ الشعرِ والآدابِ للعربِ

قد أثمر الفكرُ انجازًا يشرَفُهُ – وينهل الجمعُ من ابداعه الخصبُ

ويفرد في ديوانه قصائد يرثي فيها شاعر فلسطين والمقاومة محمود درويش، والشاعر ماجد مهنا عليان، وصديقه رمز التحدي محمد حسين نمر، والطبيب النبيل المعطاء موفق ذياب، وهي قصائد مؤثرة، صادقة النبرة والاحساس، تطغى عليها العفوية والشفافية، ومما قاله في رثاء الشاعر الكبير محمود درويش :

يا بلبلَ الشرقِ والأوطانِ هاجسُهُ- للشعبِ للأرضِ كانت له السببُ

لآلئ الشعر قد أبدت محاسنها – في محفل الفن قد سادت بها الرتبُ

نار القصيدِ صَلَتْ للخصمِ أفئدةً- وعابرون أتاها اللؤم والغضبُ

نجم القريض فنون الشعر أبدعها- ترنَّمَ العودَ والأغرابُ والعربُ

ويتناول العنصرية المتفاقمة في المجتمع الاسرائيلي، وينشد السلام العادل، الذي يحقق أماني واحلام شعبنا الفلسطيني بالحرية والخلاص من براثن الاحتلال الجاثم على صدره، قائلًا :

ليت السلام يحلّ في اوطاننا- ليعيش في وطن الألى أحرارُ

ويمكن القول، أن قصائد ديوان ” إن الحمامة تنتشي بهديلها ” لعبد الهادي قصقصي ذات احساس عالٍ، ونبرة شعرية هادئة، تزخر بالعاطفة الرقيقة، وصفاء روحه ووجدانه، وانسانيته كشاعر مبدع حساس يحلو له الشدو والغناء والهتاف في جو من الحرية والمحبة والاخاء والتسامح الانساني، بعيدًا عن التعصب الديني والطائفي، فالإنسان عنده اولً واخيرًا.

فأجمل التحيات للشاعر وزميل القلم عبد الهادي قصقصي، مع التمنيات له بالمزيد من العطاء والابداع والتألق الشعري.

بقلم: شاكر فريد حسن

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة