يوسف القرضاوي.. بين البداية المشرقة والنهاية المحرقة

تاريخ النشر: 11/06/19 | 6:58

مقدمة: من تمام الإنصاف وكماله أن يتحدّث المرء عن الشخصية من خلال وإيجابياتها وسلبياتها والدفاع عنها في فترة معيّنة وذكر مساوئها في فترة أخرى وتطبيق نفس المبدأ مع جميع الشخصيات دون استثناء لأنّه من استثنى في النقد فهو تابع أو حاقد وكلاهما مذموم لايصلح لنقد الشخصيات ويوسف القرضاوي من الشخصيات التي سيتطرق إليها صاحب الأسطر :

أوّلا قراءاتي لكتب يوسف القرضاوي: قرأت ليوسف القرضاوي عددا كبيرا من الكتب وأنا شاب منها: “الحلال والحرام”، و”الحلول المستوردة وكيف جنت على أمتنا” و”الحل الإسلامي فريضة وضرورة”، و”ثقافة الداعية”، و”ظاهرة الغلو في التكفير”، و”الوقت في حياة المسلم”، و”مشكلة الفقر وكيف عالجها الإسلام”، و”فتاوى معاصرة”، و”عالم وطاغية”، و”الصحوة الإسلامية بين الجحود والتطرف”، و”أين الخلل”، و”الإسلام والعلمانية وجها لوجه”، و”الصحوة الإسلامية وهموم الوطن العربي والإسلامي” وقرأت له كتابا عن الشيخ البشير الإبراهيمي أو ابن باديس، وكتابا آخر عن عظمة وأهمية الوقف عند المسلمين عبر التاريخ، وكتب أخرى لايحضرني الآن اسمها.

ثانيا قراءاتي لمقالات وحوارات ودروس يوسف القرضاوي: قرأت له عددا من المقالات، وتابعت تدخلاته التي كان يلقيها في الملتقى الفكر الإسلامي الذي كان يقام حينها بالجزائر ويبثّها الرّائي الجزائري عقب صلاة الجمعة، وتابعت حوارات له عبر وسائل الإعلام المقروءة والمرئية، وتابعت مذكراته التي نشرها عبر فضائية عربية، وتابعت دروسه التي كان يلقيها عبر الرائي الجزائري حين كان مشرفا على جامعة الأمير عبد القادر خلفا للعالم محمد الغزالي رحمة الله عليه، وتابعت دروسه التي نقلها الرائي الجزائري وأظن قبل زلزال الأصنام 10 أكتوبر 1980 وعقبها وكانت تقدّم يومها الدروس قبل أذان مغرب شهر رمضان ونقلت يومها من الفضائية المصرية.

ثالثا أوّل مرّة أرى رأي العين القرضاوي: حين كنت طالبا بجامعة الجزائر بالعاصمة الجزائرية 1986-1990 حضرت له درسا ألقاه بمسجد الأبيار وكان ذلك أثناء درس الجمعة، وحضرت له محاضرة بقاعة ابن خلدون ولأوّل مرّة رأيت يوسف القرضاوي رأي العين وأسمعه لأوّل مرّة وأنا يومها المعجب بصوته الجهوري القوي.

رابعا: القرضاوي السياسي وليس الفقيه: أعترف أنّي لا آخذ الفقه من يوسف القرضاوي حتّى أنّي حين قرأت كتابه “الحلال والحرام” في بدايات حياتي لم ألتفت لمحتوى الكتاب بقدر ماوقفت عند الأسس التي وضعها في مقدّمة كتابه وكانت قوية متينة فاعلة هذا من جهة ومن جهة ثانية فإنّ مواقفه خاصّة في أواخر حياته كانت مرتكزة حول الجانب السياسي ونظرته لقضايا سياسية ولذلك أتعامل معه كسياسي يأخذ منه ويرد في آرائه ومواقفه المسموعة والمكتوبة وليس كفقيه ومن أراد أن يتعامل معه على أنّه الفقيه الذي يأخذ منه ويرد كغيره من الفقهاء ودون استثناء فله ذلك ومن شأنه الداخلي الذي لايحقّ التدخل فيه.

خامسا: دفاعي عن يوسف القرضاوي

1. دافعت عنه حين نشرت طليقته الجزائرية حينها رسائل العشق التي كتبها لأجلها وهو شيخ تشغل باله وهو في أقدس الوظائف كما جاء في غحدى الرسائل وبخطّه وختمت المقال[1] بقولي: “من كان عظيما في وعظه وجدّه كان أعظم في حبّه وعشقه”.

2. دافعت عنه حين تمّ تشويه اسمه واستبدال حرف “الضاد” من اسمه بحرف “القاف” فيمسي اسم حيوان كما ذكرت ذلك عبر مقال لي.[2] وفي نفس المقال دافعت عن أردوغان حين تمّ استبدال حرف “الألف” بحرف “القاف” ليمسي اسم حيوان.

3. وقفت إلى جانبه في مسلسل “عمر بن الخطاب” باعتباره الأوّل الذي أفتى بجواز إظهار صورة الخلفاء الراشدين والعشرة المبشّرين بالجنّة وذكرت ذلك بالتّفصيل عبر مقال لي[3] واعتبرت ذلك نقلة نوعية في السينما العربية.

4. بين يدي الآن مقال لم أنشره بعد أدافع عبره عن القرضاوي فيما يخصّ التّهم التي نسبت إليه عبر كاتب لايحضرني الآن اسمه ولا كتابه خاصّة فيما تعلّق بالمراجع التي ذكرها في كتابه “ثقافة الداعية” باعتباري قرأت الكتاب منذ سنوات طوال وكذا دفع الزكاة نقدا.

5. دافعت عنه عدّة مرّات حين اتّهمه شيوخ السّعودية وأتباع شيوخ السّعودية بالكفر والفسوق حتّى أنّهم وصفوه بالحيوان وهذا من الفجور الذي لايليق ومن سوء الأدب وقلّة الأدب ومن كان ناقدا فليتأدب عدوه وخصمه ومنافسه وأخيه.

سادسا نقدي ومعارضتي ليوسف القرضاوي: معارضتي الحالية ليوسف القرضاوي وأنا الذي كنت معجب به في صغري وشبابي نابعة من مواقفه السياسية الدموية الشنيعة التي تبناها في أواخر عمره ومازال يصرّ عليها عبر سورية الحبيبة وليبيا العزيزة ومنها:

6. انتقدت يوسف القرضاوي وما زلت فيما يخصّ كلمته المشؤومة: “اقتلوه ودمه في رقبتي” ومازالت تلك الكلمة من الأخطاء الشنيعة التي ارتكبها القرضاوي وهو في أرذل العمر وقد كتبت حولها مستنكرا لها وبقائلها القرضاوي الكثير من المقالات والمنشورات ومنها المقال[4] المذكور أدناه في الهامش ولن أتردّد في التطرق إليها بالاستنكار كلّما سنحت الظروف بذلك.

7. انتقدت موقفه من سورية وما زلت حين طالب يومها بقصفها ورجمها وردمها ونقلت ذلك عبر مقال لي.[5] وأتذكّر جيّدا أنّه عاتب يومها “أوباما” لأنّه تراجع عن قصف سورية الحبيبة وكانت تلك من الأخطاء الشنيعة التي ارتكبها يوسف القرضاوي تجاه إخوانه السوريين.

8. استنكرت على يوسف القرضاوي تبريره لبعض سلوكات أردوغان حين قال عنه يومها: “..وبخاصة النظام الذي يدعو إليه أردوغان الذي يتفق مع التعاليم الإسلامية، التي تجعل أمير المؤمنين أو الرئيس الأعلى هو رقم واحد في السلطة” وذكرت ذلك في مقال لي[6]. واستنكاري هنا نابع من استنكاري لأيّ شخص يبرّر لسلوكات السّلطان باسم الدين ولا أستثني في هذا الموقف أحدا من الشيوخ ولا أحدا من الحكام.

9. استنكرت عليه موقفه من اغتيال العالم محمّد سعيد رمضان البوطي رحمة الله عليه حينها عبر مقال لي[7]. وتجلى ذلك في خطبته الأولى عقب الاغتيال حين تعمّد ذكر البوطي في آخر المقام وهو يعدّد الخسائر وتعامل معه حينها بتشفي وازدراء وكأنّه كان يتمنى قتله وبعد الانتقادات التي وصلته صحّح الأخطاء التيي ارتكبها ضدّ زميله ورفيق عمره وكانت بحدّ ذاتها متأخّرة غير نافعة.

10. قرأت كتابه “الحل الإسلامي فريضة وضرورة” الذي ألّفه سنة 1974 حسب مقدمة الكتاب وقد انتقد فيه بشدّة الانقلابات العسكرية كوسيلة من وسائل تثبيت الحكم وأدان الدماء للوصول إلى الحكم. والسؤال المطروح: لماذا القرضاوي تغيّر تغيّرا جذريا في أواخر حياته وانتهج الدماء للوصول إلى الحكم عبر حرق ليبيا وسورية؟ لماذا لم يثبت على رأيه الرّافض للانقلابات العسكرية والدماء للوصول إلى الحكم كما كان يقول من قبل؟. وفي المقابل نجده يتبنى الدماء في سورية وليبيا وهو مايخالف تماما ماذهب إليه في حياته الأولى.

خلاصة: يوسف القرضاوي كغيره من الشخصيات العمومية تخضع للأخذ والرد ودائما في جوّ يسوده الأدب والاحترام. ونقد الشخصية يتم عن قراءة كثيرة متعدّدة ومقارنة لتراث المعني وبعيدة عن الشتم واللّعن.

أكرّر وأثبت: بقدر ماقرأت ليوسف القرضاوي وسمعت له عبر سنوات طوال وأعجبت به في صغري وشبابي غير نادم ولا آسف أظلّ في نفس الوقت أتأسف لمواقفه الدموية التي اتّخذها وهو في أرذل العمر وأحرق بها الأبرياء والعباد والأوطان وكذا الدماء التي سالت بسببه راجيا أن يتدارك الأمر ويصحّح مساره الأخير حتّى لايلقى ربّه ويديه ملطّختان بدماء الأبرياء.

نظلّ على العهد غير مغيّرين ولا مبدّلين: ندافع عن يوسف القرضاوي وبقوّة كما دافعنا عنه من قبل حين يتّهم بما ليس فيه ونظلّ ننتقده بنفس القوّة كما ننتقده الآن حين نقف على أخطاء له لم نقف عليها من قبل.

معمر حبار

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة