صور وذكريات كبروا تحت الشمس .!

تاريخ النشر: 10/05/19 | 23:26

مهداه : الى كل الذين ما زالوا ” يقبضون ” على الحلم , كالقابض على الجمر .!

صوره أوليه :

وقفت سيارة الأجره على رصيف الشارع , قبل ان ينتظر سائقها اشاره الجندي ,الواقف على ” المخسوم ” او المخسوف, كما يحلو للبعض ان يسموه ..
و” المخسوم” معناه الوقوف والهويه والاستفزاز والاهانات والتعذيب ..
بدأ الركاب بإخراج هويتاهم , دون ان يطلب منهم أحد ..
ملأت أم محمود رئتيها بالهواء , مستعمله أنفها وفمها ,لأن الحاله – كما تعودت – تحتاج الصبر والنفس طويل ..
أشعل سالم العنبتاوي سيجارته, وأخذ يبتلع دخانها بشراهه, دون ان يحاول إخراجه ..
أدنى سعيد الصالح رأسه, من أن ابنه البالغ العاشره من عمره, وهمس في أذنه:
” لا تخف .! ” فهزَّ ابنه رأسه, قابلاً النصيحه ..
تقدَّم الجندي من السياره , وصرخ فيهم :
“انزلوا جميعا من السياره .! “,
فتحوا أبواب السياره, ونزلوا يحمل كل منكم هويته في يده ..
“اصطفوا بالدور , وليتقدم كل منكم , واحداً واحداً, الى تلك الطاوله .! ” أكمل الجندي تعليماته.

الصوره الثانيه : ام محمود, ترى “عين غزال ” في قرص الشمس!

تقدمت ام محمود من الطاوله .. ترتسم على وجهها النحاسي , أتلام شقَّتها آلام سنين خلت .. عينيها كانتا متجمدتين, في أعلى وجهها.. تحكيان – دون ان تتحرك – ماض يعبث بحاضر يتساءل عن مستقبل ..
– أنت من فين.. ؟ صرخ بميكانيكيه ,الضابط الجالس وراء الطاوله, دون ان يلتفت اليها..
– أنا من عين غزال .. أجابت أم محمود بلا تردد ..
– فين هاي غزال .. !؟ صرخ بصوت أعلى .
– بجانب حيفا..!
– هاي من عربنا .! صاح جندي ..كان يجلس تحت شجره ,لا تبعد كثيراً عن الطاوله..
– أنت اسكت .! لا فرق بين عربنا وعربهم .. كلهم نفس الشيئ .. صاح به الضابط .
– هاتي الهويه يا حرمه ..! قال الضابط , وابتسامه رضى تعلو شفتيه, لأنه نطق كلمه عربيه أصليه ..
ناولته الهويه , وعندما رأى لونها الأحمر صرخ بالمرأه , وهو يفتح صفحاتها :
– من حيفا .!؟ يا كذّابة .! كلكم كذّابون .! أصحاب الحمرة , وأصحاب الزرفة . ! كلكم كذّابون .!
– من عين غزال .! وعين غزال بجانب حيفا .! صاح الجندي الجالس تحت الشجره , وهو يقهقه ضاحكا بصوت عال..
– هل توجد بلد بهذا الاسم !؟ سال الضابط باستهتار شديد .
– لا ..لا توجد ..! لم أسمع ببلد بهذا الأسم .! رد الجندي .. وقهقهاته تملأ المكان .
– أسكن في مخيم بلاطه , ولدت في بلدي عين غزال , وأسكن حاليا في مخيم بلاطه .!. ردت – أم محمود – دون ان تهتز .
– حالياً.! ؟ها.. حالياً .!؟ .. أنا سأريكم .. سأعلمكم .. سأجعلكم تدفعون ثمن هذه الوقاحه.. سأحجز هويتك معي.. اذهبي وقفي هناك تحت الشمس .! صار وهو يصرخ كالملسوع..
كانت الظلال, تحاول الاختباء تحت الأقدام خوفا, من سياط الشمس المحرقه . وقفت أم محمود تحت الشمس , دون ان تعد دقائق الزمن ,تحلم بأنها يوماً, سوف تطفئ نار الحر , بشربة ماء من عين غزال .

الصوره الثالثه : سالم العنبتاوي ,يشترك بالمظاهره ,وهو طريح الفراش .!

بحث سالم العنبتاوي, عن الالم الذي كان يقطع احشائه, منذ لحظات فلم يجده .. كانت يده تشير بقوه على يد ابنه .. مشى بخطوات ثابته, حتى وصل الطاوله ..اخرج هويته ,ووضعها أمام الضابط ووقف ينتظر .
– أين تسكن ؟ سال الضابط بعصبيه .
– أنا من سكان عنبتا..أجاب باقتضاب .. والى أين أت مسافر ..؟
– الى نابلس لزيارة الطبيب .. إني أعاني من آلام شديده …
– من عنبتا .!؟ آه من عنبتا كنت في المظاهره أمس .! قال الضابط وهو يهز برأسه .. ألم أقل لك أني مريض .!؟ لقد كنت طريح الفراش أمس .
– ابنك هذا الذي كان مع الأولاد , يرمي الحجاره على الجنود.!؟
– ابني كان يجلس بجانب فراشي .. رد الأب وهو يشد بقوه على يد ابنه .
– كلهم مخربون .! أولادهم قبل كبارهم .ِ! صاح الجندي, الجالس تحت الشجره
– يعني لو لم تكن مريضا , لكنت في المظاهره .! قال الضابط وهو يهز رأسه
– لا أعرف .! رد سالم بقرف شديد .
– لا تعرف يا وغد .!؟ إذن أنت تشترك في المظاهرات ,أنا سأريك .
قام من مكانه وسار باتجاههم ..احتضن سالم العنبتاوي, ابنه بين يديه وصدره, واضعا جسمه حاجزا بين الطفل , ولكمات الضابط .. رفع عينيه الى السماء, فوجد قرص الشمس الذهبي الغامق, ينتصب بكبرياء , في بحر من الزرقه..
شعر بتسارع جريان الدم في عروقه , مكوناً دوائر من الفوران المتحدي .. قدماه كانتا تأبيان ان ترتفعا عن الأرض ..وبقي واقفا مكانه .
نظر الى تلك المرأه , التي تقف تحت الشمس, فوجدها تكبر وتكبر الى اعلى , حتى لامس رأسها القرص الذهبي, الذي ينتصب بكبرياء, في منتصف السماء, حتى اصبح جزءأ منه . انتزع قدميه, وتقدم بخطوات ثابته باتجته الشمس, حتى وصل ووقف بجانبها, وبدأ يكبر .. ويكبر.. حتى اصبح رأسه في السماء .. سألها :
– الى متى .!؟
فأجابت, وهي تداعب خصلات الشمس .:
– هل شربت من ميّة عين غزال مره !؟.

يوسف جمّال – عرعرة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة