عمر المختار سيرة ومسيرة صوفية

تاريخ النشر: 16/01/19 | 6:42

يعتبر عمر المختار الملقب بشيخ المجاهدين وأسد الجبل الأخضر تجربة فريدة في التصوف الاسلامي اذ نجح في الخروج بالصوفيه فعليا من عباءة الاعتزال والجهاد الذاتي الي افاق اوسع وارحب واشمل حيث تزعم الشيخ الصوفي الحرب ضد المحتل الايطالي بليبيا معلنا جهادا دون هوادة وحتي لحظة اعدامه اطلق صيحة مدوية حينما قال :نحن لا نستسلم ..ننتصر او نموت وهذه ليست النهاية ..بل سيكون عليكم أن تحاربوا الجيل القادم والاجيال التي تليه اما انا فان عمري أطول من عمر شانقي …هكذا رسم الشيخ الصوفي بكلمات من نور طريق للاحرار من بعده وقدم الدليل العملي علي انتصار الصوفية الايجابية وأن التصوف لم يكون يوما معاضدا للاستعمار أو داعيا للتخاذل عن مواجهته .
في برقة كانت بداية الشيخ الجليل والذي ينتسب الي قبيلة من قبائل المرابطين حيث نشأ يتيما فقد وافت المنية ابواه وهما في طريقهما الي مكة فتولي رعايته الشيخ حسين الغرياني شيخ زاوية جنزور السنوسية وفي جغبوب مكث عمر المختار ثمانية اعوام لدراسة الفقه والحديث والتفسير علي يد كبار مشايخ التصوف في مقدمتهم الامام السيد المهدي السنوسي رائد الحركة السنوسية فأظهر من النجابة وسعة العقل وقدرة علي الخطابة والتأثير في نفوس سامعيه ما جعل شيخه المهدي يقول فيه :لو كان عندنا عشرة مثل عمر المختار لاكتفينا بهم وونظرا لما رأه الشيخ المهدي من ملامح قيادية واعية في تلميذه المختار فقد أسند اليه مشيخة زاوية القصور بالجبل الاخضر.
بدأت رحلة الشيخ الصوفي مع الجهاد مع وصول المحتل الايطالي للاراضي الليبية وجلاء الاتراك عنها فقد اعلن الجهاد ضد المحتل الايطالي والتف حوله المجاهدين من شتي البقاع في أشهر قليلة فخاض بهم حربا ضروسا منطلقا من معقله بالجبل الاخضر كبدت المحتل الايطالي خسائر فادحة في الارواح والمهمات وكان يردد دائما :اللهم أجعل موتي في سبيل هذه القضية المباركة . ولم يخفي علي الشيخ الجليل في استراتيجيته القتالية أن اسلوب الكر والفر هو الخيار الانجع في مواجهة الجيش الايطالي المنظم ذو العتاد الحربي المتطور ..
كانت مسألة القبض علي عمر المختار واقرانه الشغل الشاغل للايطاليين وضرورة ملحة لاقتلاع بذور المقاومة وتلك القضية النبيلة التي مثلها الشيخ الصوفي الشجاع الذي خلد جهاده بقوله :لن ابرح الجبل الاخضر مدة حياتي ولن يستريح الطليان فيه حتي يواروا لحيتي في التراب. فأصبح رمزا للثورة وملهما لحركات التحرر عبر العهود المختلفة ومع نجاح الايطاليين في حصاره والقبض عليه ونقله بالطراد الي بنغازي ولم يجرأوا علي نقله برا خشية من الدخول في مواجهة مع محبيه واتباعه فقد أظهر الشيخ الصوفي من صنوف الثبات والتحدي ما جعل الايطاليين يسارعون الي اعدامه شنقا .فمات الشيخ وبقيت قضيته حية انها قضية الاحرار في العالم اجمع في قدسية الاوطان وحق الشعوب في وطن حر كريم.
د.محمد فتحي عبد العال – كاتب وباحث مصري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة