أمسية أدبية ثقافية في منتدى عسفيا

تاريخ النشر: 06/01/19 | 13:04

أقام المنتدى الثقافي القطري الذي اسَّسَتهُ الشاعرة أمال أبو فارس هذا المساء في عسفيا أمسية أدبية استحوذت على اشهار مجموعة الشاعر كمال ابراهيم ” صراع الكلمات ” قدم حولها الشاعر والكاتب علي هيبي ، الناطق بلسان اتحاد الكرمل للأدباء الفلسطينيين دراسة قيمة استعرض فيها محلِّلًا أهم المضامين التي شملتها قصائد المجموعة .تولَّى عرافة الامسية الشاعر فؤاد منصور الذي رحَّب بالمشاركين في الامسية وبالحضور ودعا كلا من مدير عام جمعية مسني الكرمل السيد اسامة سيف والشاعرة أمال ابو فارس لألقاء كلمتي ترحيب وتخللت الامسية قراءات شعرية شارك فيها كل من كمال ابراهيم ، كرم شقور، كمال شيني ، كميل شقور ، سليمان سلامة ، كميل عرايدي ، ريمي سابا ، حياة هزيمة ، عطا الله معدي ومرعي حيادريكما قامت مؤسِّسَة المنتدى الثقافي القطري ، الشاعرة أمال بو فارس ، خلال الأمسية بتكريم كل من الشاعر كمال ابراهيم والفنانة المصورة سميرة شاهين التي عرضت صورًا من تصويرها على هامش الأمسية وكذلك تم تكريم الشاعرة حياة هزيمة .

ننشر هنا نص المداخلة التي قدمها الشاعر علي هيبي حول مجموعة الشاعر كمال ابراهيم ” صراع الكلمات ” :صراع الكلمات الديوان الجديد للشاعر كمال إبراهيم :يبني الشاعر كمال إبراهيم في القسم الأوّل من ديوانه الأخير على معادلة متضادّة في حدّيْها الوحيديْن، وهما الحبّ والمستحيل، وهو يقرّر وفقًا لتجاربه الغنيّة فنيًّا ولا أدري إذا كانت هذه التجارب حقيقيّة أيضًا، يبنيها على بديهيّة لا تحتاج إلى برهان في علم الهندسة المستوية ولا في علم الحبّ المجسّم بالكلمات والصور والصياغة المعبّرة عن عمق التجارب الفنيّة والمعاناة الواقعيّة. فالحبّ والمستحيل نقيضان. يقسّم الشاعر ديوانه إلى قسميْن من ثلثيْن للقصائد الفصيحة (42 صفحة) وثلثٍ للأغاني بالعاميّة (24 صفحة)، ويجعل الحبّ موضوعه الرئيس في الأثلاث الثلاثة، مع بعض القصائد الوطنيّة، واحدة في القسم الأوّل، وكثير من السياسة والوطنيّة، واحدة في الحبّ في القسم الثاني. ولا أدري سرّ هذا التبادل أو التوازن المقصود أو غير المقصود؟!إلى أيّ غزل يعيدنا كمال إبراهيم في قصائد هذا الديوان والدواوين السابقة، فمسيرته الإبداعيّة بدأت قبل 2006 وديوانه الأوّل “حديث الجرمق” صدر فيها وتوالت الدواوين وشقّت المسيرة عباب الإبداع لتصل إلى “صراع الكلمات”، لماذا تتصارع الكلمات سؤال آخر سأحاول الإجابة عنه فيما بعد.

أمّا السؤال المطروح فهو إلى أين يعيدنا الشاعر إلى أيّ غزل، فإنّي أرى أنّه يمزج بين صوت جميل بثينة العذريّ العفيف وبين صوت عمر بن أبي ربيعة اللاعذريّ وغير العفيف، كما اعتدنا التمييز بين هذيْن النوعيْن من الغزل، وكمال يؤكّد الحبّ هو الحبّ في كلّ العصور، والصدق هو الصدق والكذب هو الكذب، ولا أحد يستطيع أن يجدّد في المشاعر نحو المرأة الحبيبة والمعشوقة روحانيًّا، ولا أحد يستطيع أن يلغي الفطرة الإنسانيّة للشهوة الجسديّة نحو المرأة، وهي الفطرة التي خلق الله عليها الناس، ممّا يعني أنّ الحبّ العفيف والمكتفي بالقليل صادق وأخلاقيّ، وكذلك الشهوة الجسديّة صادقة ولا تتنافى مع الأخلاق ولا مع الدين، ولكنّ الشرائع وضعت قوانين وسننًا لممارسة الحبّ على الصورة الشرعيّة، وهو الحبّ الذي لم يكتب عنه شاعر واحد قصيدة واحدة! فهل هناك من كتب قصيدة حبّ في زوجته ورفيقة دربه وأمّ أولاده وربّة بيته. العكس هو الصحيح فإنّه يتركها هذه الحقيقيّة الرائعة للبيت والأولاد والرعاية البيتيّة ويكيل لها المديح والإطراء، عن روعة طبخها وغسيلها وكيّها لملابسه واعتنائها بأولاده وتعليمهم وصبرها وسهرها، ولا يكتب لها جملة شعريّة، ويذهب بملابسه الأنيقة ليحبّ غيرها ويكتب فيها جلّ أشعاره أو يكتب عن حبيبة موهومة مفترضة، وهذا هو الكذب بعينه، ولكن أعذب الشعر أكذبه، كما يقال عند الرغبة في التهرّب أو التحايل. هل في شعر كمال ما يوحي بذلك؟ لا أستطيع أن أجزم “بلا”. وهو لا يختلف بهذا عن أيّ شاعر آخر. لم يكتب كمال عن حبّ إلهيّ أو صوفيّ، بل مزج روحانيّة الأحاسيس بالرغبة الجامحة للجسد. وأين تمدّ يدك أو عينيْك في الديوان فستجد أمثلة على ما أقول.

فالمضامين بمعانيها وأفكارها طافحة ففي سائر القصائد سحر العينيْن ورقّة الشفتيْن ونكهة الخدّيْن وصفاء الوجنات والمذاق الحلو وحمرة الكرز وطعم الشهد ونكهة الخمر والرمش الكحيل والشعر المنساب وطراوة الخدّ، كلّ ذلك يزيد الشاعر شوقًا وحنينًا لا يقاوم للقاء الجميل بعد الفراق ولوعته ولو لساعة أو ساعتيْن، ولذلك يتردّد أكثر من بضع مرّات نداؤه لها “تعالي”. هذا النداء المفعم بالرغبة والشهوة هو الانعكاس الجسديّ المملوء بالمشاعر النبيلة، ولكنّ المحرّك يبقى هو الجمال الجسديّ. وقد يصل كمال بالمعنى العذريّ الطاهر ما يجعلنا نستحضر الحديث النبويّ الشريف، فقد قال الرسول محمّد (صلعم): “من أحبّ فعفّ فكتم فمات مات شهيدًا”. فالحبّ عند كمال لا يعرف مستحيلًا، ولا يعرف ممنوعًا ولا يغيّر من سموّ روحانيّته قوانين ولا حدود، استبدلتها “داعش” وغيرها من الحركات الدينيّة الفاشيّة والظلاميّة بالفحش وجهاد النكاح والذي هو محض زنًى، وهذا ما يفسّر ربّما وضعه لقصيدة “كلمة في داعش النذل” والهجوم على السويداء وريفها، وعلى سوريا العربيّة العصيّة على القبول بالذلّ بكافّة وحدتها الوطنيّة وأبعادها القوميّة التي تجلّت في تآلف طوائفها ووقوفها مع الدولة العربيّة السوريّة ومع الجيش العربيّ السوريّ وحلفائه. داعش هذا المتدشدش بالدين الكافر السعوديّ والمال النفطيّ القطريّ والصمت المصريّ الذليل وغاز السارين التركيّ والكيماويّ الغربيّ والرعاية الصحيّة وغير الصحيّة الإسرائيليّة. أم هذه القصيدة كانت مجرّد استطراد، والاستطراد أدبيًّا شرعيّ كما يريد الجاحظ عميد النثر العربيّ.

وعود على بدء: يفضح كمال العاشق للروح والجسد نفسه أمام تلك المرأة بنت الثلاثين عامًّا معترفًا بسذاجة بأنّه ابن ستّين، هل قلت لها أنّك أُحلت على التقاعد كي تعطف عليك، ولمزيد من التقبّل أم هو تكسير للحدود التي يستطيع الحبّ اختراقها، بما فيها فارق السنّ ولكنّ الفارق مضاعف في حالة كمال المسكين الصادق الذي لا يكذب إطلاقًا في عالم لا يتقن إتقانًا كاملًا إلّا الكذب. قل: “أربعون .. خمس وأربعون … خمسون! يا أخي!لا يمكن حصر كمال في دائرة واحدة من الحبّ، لأنّه في كثير من المواقف والحالات يمزج العفّة بالإباحيّة، فيكون في الأولى هامسًا دافئًا ورقيقًا وفي الثانية عاليَ الصوت ينادي للقاء تتشابك فيه النظرات والأكفّ والصدور وعطور اللقاء الشهوانيّ المنتظر، وهنا تهدأ الكلمات، وعند اللقاء تصخب وربّما تتصارع، أيّ من الكلمات يصارع كي تخرج مؤكّدة للحبيبة الفرح بلقائها، تنزلق الكلمات عند اللقاء وتنفعل الأحاسيس “فيتبلكم” الشاعر عند اللقاء ولا يدري ما يقول، فتصارع الكلمات بعضها، وتعود للهدوء والسكون والهمس عند الفراق وبثّ المعاناة والحزن والاحتراق واللوعة، وذلك بعد التأكّد أنّ فرضيّة اللقاء كانت مجرّد لحظات وهم لا تغني من جوع جسدٍ ولا تسمن فراقَ روح. فالكلمات في حالة صراع ليس سياسيًّا بالتأكيد، فلا عمليّة سلام مع البعد ولا خارطة طريق للوهم ولا تفاوض مع الفراق، العدو اللدود ولا مناطق عازلة للأحاسيس الصادقة التي ستلتقي حتمًا بحبّ مبنيّ على الصدق، حبّ يجمع الحبيبيْن روحًا وجسدًا، فلا وجود للروح وحدها فلتبقَ في سرمدها إلى ما بعد الدهور، ولا جسد بلا روح فليبقَ في ترابه الفاسد إلى ما بعد النشور، الروح والجسد شيء واحد هو الإنسان، ولا حبّ بلا إنسان ولا إنسان بلا حبّ.

في قصيدة “أميرتي” يجسّد الشاعر نموذج الحبيبة التي تستحقّ وهج القصيدة هديّة لها، وهي لا تختلف بشخصيّتها وخصالها عن النموذج العربيّ العامّ للمرأة الجميلة وفقًا لشعر الغزل العربيّ القديم الذي حاول تطويره ورفده بمعانٍ جديدة شار المرأة الحديث نزار قبّاني.ولا أنسى صدق كمال مع حفيديْه الحبيبيْن “أنيل وعلم” في هاتيْن القصيدتيْن وفي هكذا مواقف لا يستطيع الإنسان أو الشاعر أن يكذب، وهنا يصحّ أن نقول: “أعذب الشعر أصدقه” بلا تردّد. وهو ما لخّصه الشاعر الكبير سميح القاسم بقوله عن حفيده: “قارئ الشعر لا تسلْ عن جديدي أعذب الشعر بسمة من حفيدي”.
في القسم الثاني من الديوان يبرز كمال أغانيه ذات المضامين الوطنيّة وهو يسوقها باللغة المحكيّة لسببيْن برأيي، الأوّل لتسهيل تلحينها وغنائها وهو ما فعله ملحّنون ومغنّون من بلادنا ومن الأقطار العربيّة، والثاني لتسريع انتشارها ووصولها إلى الشرائح الشعبيّة، وبثّ الروح الوطنيّة وتحميس الناس ونزع الشعور بالإحباط من نفوسهم رغم ما يعانيه ويرزح تحته الوطن العربيّ من مآسٍ جسام.
وهو يؤكّد انتماءه إلى الوطن الكبير فلسطين وإلى القوميّة العربيّة على طريق سلطان باشا الأطرش وسيدي سلمان وغيرهما من المناضلين العرب المعروفيّين وإلى وطنه الصغير “المغار” ويقدّمه بهيّة جميلة بوحدتها الوطنيّة وتآخي طوائفها وشموخ معالمها الإسلاميّة والمسيحيّة والدرزيّة، هذه المعابد التي تحمل زيادة على دلالاتها الدينيّة بعدًا وطنيًّا وتبرز شخصيّتنا الحضاريّة العربيّة وهويّتنا الثقافيّة الإنسانيّة.

ففي كلّ القصائد/الأغاني يقدّم الشاعر صورة الوطن ورجاله وعاداته ومناضليه الأباة ويحنّ إلى الماضي بنسطالجيا رقيقة تحنّ إلى شخصيّة جدّه، الفلّاح المتشبّث بالأرض وصورة المناضل الحرّ الذي يرفض الضيم ولا يبخل بروحه فداءً للمبادئ الوطنيّة وقيم الحريّة والتقدّم والحياة المشرقة. وهو يعطينا صورة عن صمود سوريا وصمود السويداء ودحرها لداعش بالوقوف مع الدولة السوريّة والجيش العربيّ السوريّ. ولا ينسى كمال ما يدور حولنا كعرب في بلادنا، وما تمارسه السياسة الرسميّة للحكومات المتعاقبة وأبرزها قانون التجنيد الإجباريّ المبنيّ على حلف كاذب، وأخطر هذه القوانين هو ما اتّخذته الكنيست أخيرًا وهو قانون القوميّة الذي يقلّل من مكانة لغتنا العربيّة الجميلة والعالميّة ويشوّه حضارتنا وثقافتنا الإنسانيّة والتي لمّا تغب شموسها عن الغرب.أخيرًا أبارك لصديقي كمال الإنسان الطيّب والشاعر المكثر هذا الديوان وأطالبه بالمزيد من الإبداع وأبارك له ولكم هذا التكريم اللائق وما أشعر به، أنّكم حين تكرّمون شاعرًا وديوانًا، فإنّكم في الحقيقة تكرّموننا جميعًا. أشكركم على صبركم وحسن إصغائكم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة