الشاعر الشعبي يوسف سعدة.. حارس القمح والبيادر

تاريخ النشر: 18/12/18 | 14:41

يوسف سعده من شعرائنا الشعبيين الذين ساهموا في رفد حياتنا الفنية والغنائية والثقافية بأشعاره وأزجاله وأهازيجه الشعبية، والحفاظ على تراثنا الشعبي.
عرفته الأوساط الشعبية من خلال أشعاره واحيائه حفلات الأعراس، فاطرب الناس وأمتعهم.
عرف بمواقفه الوطنية وأشعاره الكفاحية والرعوية، واعتزازه بهويته وجذوره الفلسطينية، اعتلى المنصات هاتفًا:
أنا عربي أصلي فلسطيني
بمعار العالية جدودي دفيني
وشعاري زعتري وخبزي وزيتي
وطنًا زارعو بقلبي وحنيني
ولد يوسف سعده في سخنين العام ١٩٥٠، بعد نزوح عائلته من ميعار المهجرة، ثم انتقل وهو في سن الطفولة مع عائلته الى قرية شعب الجليلية، الواقعة قضاء عكا، ولا يزال يعيش فيها.
أنهى سعده دراسته الثانوية في المدرسة البلدية بالناصرة، وأكمل دراسته العليا في دار المعلمين العربية بحيفا وتخرج منها العام ١٩٧٠، بعدها عمل مدرسًا في قريته شعب لحين تقاعده.
امتطى صهوة الشعر العامي المحكي، فكتب القصائد والأشعار، ونشر نتاجه في الصحف والمجلات المحلية، منها صحيفة ” الاتحاد ” العريقة، وصدر له كتاب ” الشعر الشعبي في العرس الفلسطيني “، الذي افتتحه بمقدمة عن الشعر الشعبي في الأعراس، وضمنه بما قال وكتب من أشعار وأزجال وأغانٍ ، تناول فيها الكثير من المواضيع والقضايا الوطنية والاجتماعية والسياسية والقيمية.
غنى يوسف سعده لكل ما يمس حياتنا وواقعنا، غنى للوطن والأرض والانسان، غنى للمناسبات الوطنية والتاريخية، للعمال والفلاحين، غنى للعلم والمعلم، وللمراة والأم، وحيا النساء في عيدهن العالمي، وهتف للشهداء الأبرار الذين جادوا بدمائهم الذكية، ونادى بالحرية، ودعا للسلم والمحبة بين الناس، وحاكى الينابيع والبيارات والبيادر وحقول القمح، وناجى الطبيعة والقرية والريف الفلسطيني وكروم الدوالي والصبر والزيتون، وغرّد مع الطيور والبلابل والعنادل والحساسين ورعيان الماعز والأغنام، ولا تخلو أشعاره من الغزل والنسيب والحماسة والفخر والهجاء والمدح والرثاء.
وغني عن القول أن أشعار يوسف سعده هي تعبير عن الوجدان الشعبي الفلسطيني، وتعكس همومنا وقضايانا الوطنية، وتصور الجور والظلم والقهر والعسف الذي يتعرض له شعبنا يوميًا، وتدعو للتمسك بالارض والوطن حتى الجذور.
ولنسمعه يناجي ويخاطب كل ذرة تراب في ميعار المهجرة قائلًا :
ميعار إلها سهولها واوعار
من قطعة الجامع لأم حجار
من خلة الشحنة لخلة مصطفى
ظهر المغر وريف العبهر
عاوعرة السويد الراعي لفي
وياما على الززروق مشينا حفا
وسيرة العجال وعرة الصميل
وعيون دار الافندي والمصرار
وبالسور وعين ميصيا الهوى عليل
وخلة هرش وخلة مرش فيها نجيل
وخلة ملاوي ومراح هالغزلان
وبحمراتها الفلاح القى بذار
وخلة الزعرور وكرم سرحان
والخرتمانية وخلة البلان
وكما تلاحظون فيوسف سعده يذكر كل الامكنة وكل عيون الماء باسمائها ولا ينسى من أطلال ميعار شيئًا، وبذلك يضيف الكثير لسجل الذاكرة الشفوية لشعبنا.
وغزل يوسف سعده ناعم وشفاف وجميل، فيقول في هذه القصيدة الغزلية الرائعة:
مال الخصر لوشاح لف وحاق
شو غرت من لوشاح عالخصرين
خمر المعتق في اللما ترياق
تشفي غبوني خمرة الشفتين
والليل مغموس بشعر برّاق
كحل سوادو موضع الجفين
ملفوفة الردفين غطا الساق
فستانها مطرز على الجنبين
وجه الصبوح الشمس بالاشراق
ولا القمر ضاوي على الفلكين
كنها ملاك الرب بالاشفاق
ولا لغز مبهم ولو حلّين
الحب حب الروح اللي باق
حبّ الجسد فاني بعد يومين
بسأل إله البشر هالخلاّق:
هل تخلق الارواح قبل الناس؟
والناس يا رب البشر بعدين؟
وليوسف سعده الكثير من المراثي، فقد رثى سلطان باشا الأطرش بطل الثورة العربية السورية ضد الاستعمار الفرنسي، والشيخ الجليل امين طريف، والشاعر القائد توفيق زياد، والشاعرين الشعبيبن الكبيرين المرحوميين توفيق الريناوي ( أبو الأمين ) وأبو سعود الأسدي، وغيرهم من المعارف والزملاء والأصدقاء والشخصيات الوطنية والاجتماعية.
ومن هذه المراثي نقتطف ما قاله في أبي السعود الأسدي:
عا بو سعود زعل الشعب كلو
على فنان امّلّي محلو
على ترب الشعر والعبقرية
على عملاق إبيشهد سجلّوا
عليه أنت حروف الأبجديّة
ونقطها كالدمع حامي تزلو
رفع من مستوى الكلمة الطرية
ولغزو ان حكى ما حدا يحلو
عليك بتبكي زيتونة شاميّة
وسورية والخزام يعزي فلّوا
وسهول الوطن وجبالو العليّة
وقاع الواد فوقو بكى تلّو
وشماريخ الجبل والميرمية
وزعتر بلدنا اخضوضل بطلّو
يا من ريحتو وردة جوريّة
أبو سعود وحي الشعر جلّو
يا بو سعود أشعارك قويّة
وكلمتي عاجزة إشو تقلٌو
بالي اجت والفكرة ذكيّة
فكر زجال بالأشعار ماهر
أبو سعود شيخ الزجل كلّو
الشعر عند يوسف سعده هو نغمات الروح الخالدة، ويمتاز بالوضوح والسهولة ورقة الألفاظ وجزالة العبارة الآسرة، ومتانة السبك، فضلًا عن الوصف الدقيق، والتصوير الصادق، والاحساس العفوي.
في الاجمال، يوسف سعده شاعر شعبي له حضوره في المشهد الثقافي والفني بمضمار الزجل والشعر الشعبي العامي المحكي، وحين نؤرخ للحياة الثقافية الفلسطينية في هذه البلاد سيكون في مقدمة الأسماء التي لها بصمة في الزجل والأغنية الشعبية الفلسطينية.
فللصديق الشاعر يوسف سعده، الذي تربطني به وشائج صداقة عريقة، أجمل التحيات، والمزيد من العطاء الزجلي بعفويته الجميلة.
بقلم: شاكر فريد حسن

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة