وجه في الذاكرة … الشاعر العروضي الراحل احمد طاهر يونس من عارة

تاريخ النشر: 02/12/18 | 8:41

مضى ربع قرن على وفاة الشاعر احمد طاهر يونس،أحد شعرائنا الفلسطينيين من الرعيل الأول المخضرمين، المحافظين على القصيدة الكلاسيكية التي تعتمد الأوزان والبحور الشعرية الخليلية.
ولد في قرية عارة عام ١٩١١، وعمل وكيلًا للبريد ردحًا من الزمن، ووافته المنية العام ١٩٩٥.

شغف بالكلمة وأحب الأدب منذ صغره، وقرأ نتاج الكثيرين من الشعراء والأدباء العرب على مر العصور والقرون، وامتاز بعصاميته في دراسة أدبنا العربي، وكرس اوقات فراغه للتعمق في بحور اللغة والأدب والشعر، مواظبًا على ذلك حتى آخر رمق من حياته.
بدأ ينطم الشعر في الاربعينيات من القرن الماضي، ونشر أشعاره في العديد من الصحف والمجلات منها: اليوم والهدف والمجتمع والأنباء والاتحاد والشرق ومشاوير وكل العرب والصنارة وغيرها.
صدر له: نفح العرار (١٩٧٨)، وهجير وظلال ( ١٩٨٩).
وكان الراحل أبو هشام قد أهداني نسخة من ديوانه ” نفح العرار ” وكتبت في حينه مراجعة نقدية له نشرت في صحيفة ” الأنباء ” المحتجبة.
احمد طاهر يونس شاعر عروضي، حساس ورقيق جدًا، يكتب مشاعره ويعبر عن احاسيسه، شعره سلس، فيه صدق فني وتعبيري وانسيابية، ويتصف بقوة العاطفة الجياشة، وقوة الفكرة، واسلوبه بما يعرف بالسهل الممتنع، لا تكلف في شعره، صوره وتراكيبه بدون تعقيد، بعيدة عن الغموض والابهام.
كتب احمد طاهر يونس في الكثير من القضايا والمواضيع الحياتية والانسانية والوجدانية. كتب عن الأرض والوطن، عن الانسان، عن الحب، ناجى الطبيعة، وحاكى الحبيبة وتغزل بها، أنشد للسلام والمحبة والحرية، ورثى الكثير من أحبائه وأهله ممن استعجلوا الموت والرحيل.
وقصائده مفعمة بالحس الوطني والانساني، وتطغى عليها الشفافية، ولنسمعه يقول في قصيدته عن ” يوم الارض “:
غضبوا وهذا حقهم ان يغضبوا
سفكت دماؤهم ولم يتهيبوا
ليعبروا عن سخطهم جعلوا لهم
يومًا بآذار المجيد فأضربوا
صاحوا بوجه الغاصبين رويدكم
ارض الجدود عزيزة لا تسلب
ومضوا يجلجل في الفضاء هتافهم
كادت له آفاقهم تتكهرب
لا تحرجوهم بعد هذا انهم
بشر وحمل الظلم امر متعب
فعلى بقايا ارضهم وكرومهم
لا زال سيل لعابكم يتحلب
وكغيره من شعرائنا الفلسطينيين، فقد تعاطف مع شعب الجزائر، وتغنى بثورة المليون شهيد الماجدة، قائلًا:
حيوا معي عرب الجزائر
حيوا الأكابر والاصاغر
الزاخفون على الوهاد
الساخرون من المخاطر
حملوا السلاح واعلنوا
حربا تروع كل غادر
يتسابقون على الجهاد
علت وجوههم البشائر
كم في ثرى وهران ترقد
في رضى اشلاء ثائر
مليون مهرك يا جزائر
وطن الضراغم والحرائر
شهداؤك الابرار قد
ملأوا شعابك بالمفاخر
ويحيي العمال والشغيلة في عيدهم الأول من ايار هاتفًا، محذرًا من الثغرات والخلافات، داعيًا الى وحدتهم الكفاحية لتحقيق مطالبهم العادلة:
يا معشر العمال كونوا دائما
حذرين ان زمانكم غدار
لا تتركوا الثغرات بين صفوفكم
ان الخلاف على العموم دمار
ان شئتم منح القيادة فاحذروا
من طائش تفشى به الاسرار
لا يدفع المكروه عن اخوانه
في الضيق الا العاقل المغوار
الا الصبور على المكاره ان طغت
وتجهمت في وجهه الاقدار
جعل الضمير لما يروم شعاره
لا الجاه يغريه ولا الدينار
يا اخوتي العمال هذا يومكم
يا من بهم تتمثل الادوار
كونوا دعاة للسلام فاته
للمخلصين المؤمنين شعار
ومن شعره الغزلي الرومانسي هذه الابيات التي تلامس كلماتها المشاعر وتزيد من قوة العاطفة:
يا حلوة الخدين والثغر
يا نسمة رفعت على صدري
عيناك مسكرتان كالخمر
لآلأتان كنجمة الفجر
الفاحم الرجراج كالزهر
ينضح بالاشذاء والعطر
الجيد هذا اللامع الدر
يزدان بالانوار كالبدر
نهدان ملتهبان كالجمر
للحب للاغراء للقهر
دوما سيبقى الحب في صدري
حتى اوارى في ثرى قبري
حبا شريفا طاهرا يجري
بالنفس مثل نسائم الفجر
ولاحمد طاهر يونس كثير من القصائد الحزينة والبكائيات والمراثي، حيث انه فجع وعانى فقدان ابنه عصام، وأخيه ميسرة، وأمه الحبيبة، وهذا الفقدان ترك في نفسه الحسرة والأسى، فكتب اليهم معبرًا عن اختلاجاته ومشاعره الحميمية الصادقة.
كذلك رثى طه حسين والشاعر راشد حسين، ومما قاله في رثاء راشد:
تلطف ايها الناعي بقلبي
فقلبي لم يعد صلبا قويا
أرى السنين ماثلة امامي
بوجه عابس ترنوا اليا
احقا اصبح الصداح حلما
ولم يك في خميلته عييا
واغمد روتق السيف اليماني
وكان على الاعادي سمهريا
فيا احباب راشد ما لدمعي
اراه اليوم محسورا عصيا
ستذكرك البلاد وكيف تنسى
وانت تصد حكما عسكريا
فكم جاهدت في نظم ونثر
لتصفع فيهما فظا عتيا
رأيت الناس حولك في شقا
بمصمص مذ درجت بها صبيا
فلا مرج ابن عامر ظل ملكا
ولا اللجون وضاحا نديا
فاثرت الكفاح بصدق
ببذل شبابك الغالي طريا
احمد طاهر يونس شاعر اصيل شفاف وواضح، عالج في شعره الهم الانساني والوجع الفلسطيني المتواصل، ونلمس في قصائده كم هو معذب بفلسطينيته، وتتجسد فيها كل معاني الانسانية، ودعواته للسلم والوئام والمحبة، بدلًا من الحروب وما تخلفه من دمار وخراب.
وتناول في شعره الارض ، الوطن، المخيم، المرأة، الحب، المكان الفلسطيني، واجاد في الوصف والتعبير عن مواقفه الوطنية والانسانية ومشاعره وعواطفه، وتكثر في قصيدته المحسنات البلاغية والتشبيهات والايحاءات والابعاد الانسانية.

بقلم: شاكر فريد حسن

تعليق واحد

  1. ترويت كثيرا عسى ان ارى ان كان هناك من ناديت حيا ولكن لا حياة لمن تنادي.
    اشكرك يا اخ شاكر على ما ابدعت به بمقالك عن والدى رحمه الله.
    اين نحن من امسيه نحي بها كل ما تركوا لنا ادباؤنا من ادب وشعر.
    جزاك الله كل خير على عملك هذا فلو لم تكن عظيما لما كتبت عن العظماء فلك منا كل شكر والامتنان.
    د.هشام يونس
    ابن ابا هسام

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة