غِيابُ الحُضورِ حُضورُ الغِيابِ- شعر: محمود مرعي

تاريخ النشر: 14/11/18 | 15:54

هاجَ الغِيابُ حُضورًا عِنْدَ مَنْذورِ.. لِلزَّرْعِ لِلشَّرْبَةِ الحَمْرا وَلِلنُّورِ

هاجَ الغِيابُ وَطِفْلُ البيرِ غادَرَهُ.. مَعَ الصَّباحِ بِسِفْرٍ غَيْرِ مَنْشورِ

مُذْ كانَ في حِجْرِ يَعْقوبٍ أُعِدَّ لَهُ.. وَوَجْهُ رُؤْياهُ لَمْ يُحْجَبْ بِتَخْميرِ

قَدْ حازَ إِخْوَتُهُ وَهْنًا عَلى وَهَنٍ.. وَكُلُّهُمْ بَيْنَ مَحْصورٍ وَمَقْصورِ

أَلْقوهُ في الجُبِّ مِنْ جَهْلٍ وَمِنْ سَفَهٍ.. وَغادَروهُ إِلى خَمْرٍ وَمَخْمورِ

وَالدَّهْرُ مَرَّ مُرورَ الظِّلِّ مُذْ نَبَذوا.. أَعَزَّهُمْ وَتَراموا في الـمَقاصيرِ

جَرَتْ يَدُ اللهِ جَرْيًا غَيْرَ مُسْتَتِرٍ.. إِلَّا عَلى العُمْيِ في رُؤْيا وَتَفْكيرِ

تَحوطُهُ وَتُرَقِّي كُلَّ مَدْرَجَةً.. هُوَ الجَديرُ بِها مِنْ كُلِّ مَنْظورِ

لَمْ يَنْسَ إِخْوَتَهُ، فَهْوَ الـمُحِبُّ لَهُمْ.. وَأَوْغَلوا هَتْكَ مَحْذورٍ وَمَحْظورِ

رَعى العُهودَ وَخانوا عَهْدَهُ أَبَدًا.. ساموهُ خَسْفًا وَكادوا كَيْدَ بِلْفورِ

وَنابَ عَنْهُمْ خِطابًا مُفْحِمًا وَيَدًا.. إِنْ شِئْتَ فَانْظُرْ حَديثًا غَيْرَ مَسْطورِ

وَظَلَّ أَبْلَغَ في إِيصالِ خُطْبَتِهِ.. بِغَيْرِ لَفْظٍ سِوى آياتِ مَقْدورِ

فَكُلُّ مَنْطِقِهِ الـمَعْهودِ مَسْرَحَةٌ.. جَلَّى بَلاغَتَها إِبْداعُ تَصْويرِ

هاجَ الغِيابُ ظَلامًا مِنْ حَضارَتِهِ.. وَغابَ كُلُّ حُضورٍ غَيْرِ دَيْجورِ

هاجَ الغِيابُ وَلا يُدْني مَغارِبَهُ.. بَعْدَ الهَياجِ سِوى النَّاجي مِنَ البيرِ

فَهْوَ الخَليقُ بِفَجْرٍ في تَبَرُّجِهِ.. بَعْدَ النِّقابِ جَمالٌ دونَ تَأْطيرِ

وَالأَرْضُ مَسْرَبَةٌ تُفْضي لِـمَسْرَبَةٍ.. باتَتْ بِقَبْضَتِهِ مِصْفاةَ تَقْطيرِ

يَنْفي الخَبيثَ وَيُبْقي ما يُطَهِّرُها.. وَيَدْفَعُ الرِّجْسَ عَنْها دَفْعَ تَطْهيرِ

يَكْسُو الصَّباحَ وُرودًا في تَنَفُّسِهِ.. وَاللَّيْلُ ما عَسْعَسَ اسْتَرْقى بِتَعْطيرِ

يَرى الغِيابَ قَدِ احْمَرَّتْ مَخالِبُهُ.. أَهْوَتْ تُمَزِّقُ أَجْسادَ الشَّحاريرِ

وَفي الجِوارِ غِيابٌ آخَرٌ نَخِرٌ.. هَمى يُراقِبُ تَمْزيقَ العَصافيرِ

يَسْتَضْحِكُ الـمَوْتَ قَدْ شافَتْهُ فَتْكَتُهُ.. يَعْروهُ رَقْصٌ عَلى أَشْلاءِ مَنْثورِ

وَيُطْلِقُ الصَّوْتَ بَعْدَ الفَتْكِ: “فَاتَّحِدوا”.. وَسَعْيُهُ جَوْهَرُ التَّزْويرِ وَالزُّورِ

وَيَنْحَني ذِلَّةً في رَكْبِ سَيِّدِهِ.. وَلِـيِّ نِعْمَتِهِ مِنْ غَيْرِ تَأْخيرِ

عَقَّارُ وارِفَةٍ، غَدَّارُ ناهِضَةٍ.. خَمَّارُ خادِرَةٍ، سَوَّارُ تَشْطيرِ

هَتَّاكُ غافِلَةٍ، شُبَّاكُ غادِرَةٍ.. مِدْماكُ غازِيَةٍ، مِحْراكُ تَسْعيرِ

قَوَّادُ عاهِرَةٍ، رَوَّادُ ساخِرَةٍ.. مِرْوادُ فاجِرَةٍ، وَرَّادُ ماخورِ

طَرَّادُ مَأْمَنَةٍ، جَلَّادُ مُؤْمِنَةٍ.. نَجَّادُ ماجِنَةٍ، حَمَّادُ “إِسْتيرِ”

إِلْفٌ لِـمائِنِنا، حِلْفٌ لِخائِنِنا.. عُنْفٌ لِآمِنِنا، زَلْفٌ لِـمَثْبورِ

هُوَ الغِيابُ حَليفٌ لِلسَّرابِ فَما.. يُرْجى لِأَسْرِ عِدًا أَوْ فَكِّ مَأْسورِ

هُوَ الغِيابُ صَقيعُ الـمَوْتِ في جُثَثٍ.. رَيَّانَةِ الـمَوْتِ تَمْشي مَشْيَ مَعْقورِ

هُوَ الغِيابُ ثُلوجٌ لا يُذَوِّبُها.. غَيْرُ الحُضورِ بِلا رَيْثٍ وَتَبْريرِ

***********

يا زارِعَ الوَرْدِ قَدْ غَطَّى بِحُلَّتِهِ.. ثَرى حَدائِقِنا وَالسَّهْلِ وَالبورِ

غَطَّى العَبيرُ عَلى البارودِ مُذْ نَطَقَتْ.. بِكَ الدُّروبُ حُضورًا في الأَساريرِ

يا زارِعَ الوَرْدِ هاجَ الوَرْدُ وَانْفَجَرَتْ.. عَيْنُ الجَمالِ وَفاضَتْ بِالتَّباشيرِ

فَاصْدَعْ لِأَمْرِ قَضاءٍ لا مَرَدَّ لَهُ.. وَاحْذَرْ جِوارَ مَناماتِ النَّواطيرِ

فَهُمْ لِغَيْرِكَ حُرَّاسٌ وَمَأْمَنَةٌ.. لكِنْ لَدَيْكَ مَشَوْا عَوْنَ الأَعاصيرِ

فَاحْفَظْ رِياحَكَ ما هاجَتْ لِـمَوْعِدِها.. وَاحْذَرْ تُلاقِحَها ريحُ الطَّراطيرِ

لا خَيْرَ فيها وَلا تُزْجي السَّحابَ وَلا.. تَسوقُ غَيْثًا وَلكِنْ سَيْلَ تَدْميرِ

شَرُّ الطَّوابيرِ في دُنْياكَ خامِسُها.. نَعوذُ بِاللهِ مِنْ شَرِّ الطَّوابيرِ

وَارْفِقْ بِدَرْبِكَ لا تَهْجُرْ مَسارِبَها.. وَارْفِقْ بِنَفْسِكَ عَنْ رِفْقِ القَواريرِ

وَاكْرِمْ خُطاكَ بِمَرْقًى لا يَليقُ سِوى.. بِها وَحاذِرْ مَساراتِ الـمَناخيرِ

إِذا نَظَرْتَ عَلى بُعْدٍ حَسِبْتَهُمُ.. صَخْرًا، وَفي القُرْبِ مَحْتوتَ الطَّباشيرِ

تَذْرو السَّوافي إِذا هَبَّتْ وَتَتْرُكُهُمْ.. دونَ الرَّمادِ بِلا حَجْمٍ مَعَ الـمُورِ

وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِلسَّارينَ في غَلَسٍ.. نَحْوَ الصَّباحِ بِلا يَأْسٍ وَتَفْتيرِ

فَهُمْ عُيونُكَ في الظَّلْماءِ مُبْصِرَةٌ.. خافي الخُطى لِعُيونٍ رُمَّدٍ عُورِ

وَاقْطُفْ مُقَصِّفَ وَرْدٍ في حَدائِقِنا.. وَاجْعَلْهُ عِبْرَةَ باقي الدَّهْرِ لِلْعِيرِ

يا قاصِفَ الوَرْدِ عَدْوًا في مَغارِسِنا.. شُلَّتْ يَداكَ لَدى قَصْفِ الأَزاهيرِ

كُلُّ الرِّياضِ شَذا أَزْهارِها نَشَرَتْ.. وَنَشْرُ رَوْضَتِنا في طَيِّ مَنْشورِ

حَكَيْتَ نَيْرونَ بَلْ حاكَيْتَ أَبْرَهَةً.. لا بَلْ حَكَيْتَ ابْنَ سَلْمانِ الـمَناشيرِ

فَطينَةُ البَغْيِ طولَ الدَّهْرِ ما اخْتَلَفَتْ.. نَهْجُ الأَوالِيَ مِنْهاجُ الأَواخيرِ

مَهْما عَدَلْتَ إِلى التَّقْصيفِ مُمْتَطِيًا.. ذُلَّ العُروبَةِ مَصْحوبًا بِتَخْديرِ

فَآيَةُ الفَجْرِ في الـميقاتِ دانِيَةٌ.. بَدَتْ مَلامِحُها آياتِ مَأْثورِ

وَلا تُعيقُ انْشِقاقَ الفَجْرِ قارِعَةٌ.. وَفَجْرُنا وَضَحٌ مِنْ غَيْرِ تَنْكيرِ

وَفَجْرُنا قَدَرٌ في الغَيْبِ مُسْتَطَرٌ.. إِنْ كُنْتَ تَجْهَلُ فَانْظُرْ بارِقَ النُّورِ

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة