كان يا ما كان وصار يا ما صار

تاريخ النشر: 21/10/18 | 17:54

بلغني أيها المواطن غير السعيد، ذو الرأي غير السديد، بأنّه كان ملك في قديم الزمان، وانتبه لكلامي بأن الملك كان، أي أنه الآن غير موجود، فقد زال عن الوجود، بعد أن كان يستبد بالناس دون حدود.
وكان يا ما كان، وصار يا ما صار…
***
قبل سنوات عديدة عملت في مجال الصحافة، وبعدّة أنواعها وأشكالها، ومع مرور الوقت، أصبحت مدمنة على متابعة الأخبار، ودائما كنت متفائلة وأنتظر حصول الأفضل. على اعتبار أننا نعيش السيئ في بلادنا التي أصبحت تسمّى إسرائيل… إلى أن جاء يوم، وقرّرت أن أنقطع عن سماع الأخبار من أيّة وسيلة إعلام، فقد اكتشفت أن معظم الأخبار تساهم في قتل الأمل الذي أعيش عليه وبسببه. وقد مضى على هذا الفطام الخياري قرابة عشر سنوات ونيّف.
بعد ذلك، أصبح ما يصلني من الأخبار على ألسنة الناس لا يفاجئني، فقد شحنت نفسي بالأمل حتى الثمالة… لكن في الفترة الأخيرة كثر الكلام عن القانون الذي يعرّف إسرائيل بأنها “دولة قومية للشعب اليهودي”… مرّة أخرى لم أعر الخبر أي اهتمام…
سألني أحد الأصدقاء باستغراب:
– ألم يفاجئك القانون؟!
– لا، لم يفاجئني.
صرخ بي الصديق:
– أنت ستقتلينني بتفاؤلك هذا، لقد أصبحت الدولة عنصرية بشكل رسمي.
قلت له بهدوء:
– يعني أنها كانت عنصريّة بشكل غير رسمي؟
– طبعًا…
– إذا، الأمر جيّد جدًا.
– كيف جيّد، وهي تقول إن هذه الدولة للشعب اليهودي؟
– إعلم يا صديقي بأنّك أفرحتني بهذا الخبر وزدت من تفاؤلي، لقد كانت هذه الدولة تسوّق نفسها للعالم بأنها دولة دمقراطية وتخدم جميع مواطنيها دون تفرقة، لكنها اليوم تقول وبشكل رسمي: أنا دولة عنصرية!! وما يفهم من كل ذلك بأن إسرائيل ليست بحاجة قطّ إلى نص دستوري لتمييز اليهود للأفضل، ولإقامة مستوطنات وبلدات جماهيرية لليهود فقط، وغير ذلك، فهذا هو بالضبط ما فعلته دولة الاحتلال بواسطة سياسة التمييز العنصري العامة التي انتهجتها حكوماتها المتعاقبة حتى الآن على نار هادئة، من دون أن تجاهر بذلك على عينك يا تاجر، فتُضبط وهي متلبسة بهذا التمييز.
– وأين ذهبنا نحن الفلسطينيين أصحاب الأرض الأصليين؟
– نحن هنا باقون، جاء الصليبيون وحكموا البلاد، ثم ذهبوا، جاء الاتراك وحكموا البلاد ثمّ ذهبوا، جاء الانجليز وحكموا البلاد، ثم ذهبوا. والتاريخ مليء بعابري السبيل. اليوم يحكم البلاد العبرانيون، وهو اسم مأخوذ أصلا من كلمة: عبر، عابر، يعبرون، عابرون سبيل…
وكان يا ما كان، وصار يا ما صار…
***
كانت أمي الختيارة ضريرة البصر وليس البصيرة تقول: “إن ما خربت ما بتعمر”.
وتضيف والدتي: لقد دمّر المفسدون في الأرض، بلدانا جمّة، لكن المصلحين أعادوا بناءها بشكل أجمل وأقوى… لقد عشنا يا ابنتي الحرب العالمية الثانية، وقد تم تدمير المانيا بسبب حكامها النازيين الذين سعوا لتدمير بلدان أخرى… اذهبي إلى المانيا اليوم، وستشاهدين كم هي جميلة وأقوى…
وكان يا ما كان، وصار يا ما صار…
***
استيقظت اليوم، بعد أن تسرّبت حرارة الشمس إلى غرفتي. كنت متفائلة كعادتي، وقبل أن أستحم وأزيل العرق الذي تسبّبه حرارة الجو الخانق والذي لا يحتمل، نظرت إلى دفتر مذكراتي الملقى بجانب السرير، ثمّ رفعته وكتبت ما يلي:
بلغني أيها المواطن غير السعيد، ذو الرأي غير السديد، بأنّه كان ملك في قديم الزمان، وانتبه لكلامي بأن الملك كان، أي أنه الآن غير موجود، فقد زال عن الوجود، بعد أن كان يستبد بالناس دون حدود. ولا تنسوا ان الليل زائل، ولن يبقى الميزان مائلا، وستشرق الشمس على العباد، وسيعود الأهل إلى البلاد.
وكان يا ما كان، وصار يا ما صار…

بقلم: ميسون أسدي (دير حيفاوية)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة