النحت وجوازه، ومحاولات جريئة

تاريخ النشر: 09/05/18 | 19:07

يعبر القدماء عن النحت بأنه “استخراج كلمة من كلمتين أو أكثر”، فالعرب مالوا إلى اختزال قوالب لغوية، وقد اعتبر القدماء هذه الظاهرة سماعية، فلم يبـِح كثيرون منهم للمتأخرين بأن يبتدعوا.
مع ذلك فقد اعتبر ابن فارس النحت قياسيًا، كما عده كذلك ابن مالك في كتاب التسهيل.
راجع كتاب: من أسرار اللغة – القاهرة- 1966 لإبراهيم أنيس، ص 72 وما بعدها)
إذا نظرنا إلى بعض النماذج النحتيّــة فسنجد نحو (المشألة) = قول “ما شاء الله!”، (طلبق)= قال “أطال الله بقاءك”، ومن الشواهد الشعرية:
لقد بسملت ليلى غداة لقيتها فيا حبذا هذا الحبيب المبسمل
(عمر بن أبي ربيعة)
على مثل ذلك الحولقة (أصح من الحوقلة، لأن اللام تسبق القاف في القول- لا حول ولا قوة إلا بالله) والدمعزة والحمدلة…

لن أستطرد في موضوع النحت ونماذجه الواردة في لغتنا، وهي كثيرة، ولن ألجأ إلى الذين غالَوا، فظنوا أن كل فعل رباعي هو من النحت، لكنا نقف على رأي اللغوي إبراهيم أنيس في قوله المهم جدًا:
“إن النحت في بعض الأحيان ضروري يساعدنا على تنمية الألفاظ في اللغة، ولذا نرى الوقوف منه موقفًا معتدلاً، ونسمح به حين تدعو الحاجة الملحة إليه” (م.ن، ص 75).
ومن جهة أخرى يقف المحدَثون من اللغويين على ظاهرة لغوية يسمونهاHaplology
وهي عندهم حذف بعض الأصوات من الكلمة اختصارًا لبنيتها، وتيسيرًا للنطق بها، واعتبروا هذا ميلاً عامًا في تطور البنية للكلمات.
يقول (جسبرسن) “ليس هناك أدنى شك في أن الاتجاه العام لجميع اللغات هو نحو تقصير الصيغ للكلمات” (م.ن، ص 77).
(للتوسع في موضوع النحت ونماذج منه: انظر السيوطي: المُزْهِر، ج1، ص 482)
..
في تجربة اللغة العبرية الغنية جدًا بنحتها واختزالها واختصاراتها ( הלחם+ הדבק) ما يدعونا للنظر، وصدق الحديث الشريف: “الحكمة ضالة المؤمن، فحيث وجدها فهو أحق بها”.
وعليه، وبسبب اقتناعي بضرورة التجديد، ومن الضرورة اعتماد الجرأة خدمة للغتنا التي قبلت النحت بمئات أمثال منه، وقبلت الاشتقاقات، فإنني اقترحت سابقًا بعض المنحوتات:
حَّـتَّــن (حتى الآن= update)، ومصدرها- تَحْــتـين، وهناك بطاقة حتّــان (עִדְכֵּן” עַדְכָּן)،
شارَصيف (شارع + رصيف- بدل מד- רחוב)،
يَسيكة ( يسيرة الحركة- بدل קַל נוֹעִית).
استمرارًا لذلك سأدون هنا ما قد يعتبره البعض جنوحًا، وقد يرفضونه بدءًا، ولكني، مع ذلك- سأعرض وجهة نظر، فربما يكون لها أيما أثر، وربما ينحت أحد المتلقين ما هو أجمل:

תַּקְלִיטָן= الواســِـي

لا شك أنكم تعرفون أو تسمعون من هذا الذي يقف وراء المسجلات في الأعراس، فهو الذي يغير أسطوانة، ويضع سي دي، أو هذا الذي يعد برنامجًا إذاعيًا أو تلفزيونيًا، ويعلق، فهو- وللمحافظين للغة أقول “يغير الأقراص”، مع أن لفظة (القرص) استهلكت ووزعت على دلالات كثيرة.
إنه فارس الأسطوانات، وبالإنجليزية اختصروا، فسموه: D.J اختصارًا منDisc Jockey
والسؤال: كيف نبتكر لفظة عربية تنجينا من (التقليطان) العبرية، وخاصة مع كثرة الأعراس والبحث عن “التقليطان”؟
لم أجد إلا النحت سبيلا، فواضع (السي دي) في الجهاز، هو الواسي. إذ حفظت (وا) من لفظة (واضع)، وأخذت (الـسي) من أول سي دي.
أما الذي يعترض على استخدام لفظ (السي دي) مع أنه يستخدمه، فأقول له:
أخذت السين – يا أخي- من لفظة (أسطوانة)- الحرف الثاني (ولا تزعل)، ولكن، ومع ذلك فهل أصل (أسطوانة) عربي؟؟!!.

ولا ينس أحد أن وظيفة هذا الواسي تـتفق مع معنى يواسي، يعزي ويعين، ويسلي!
أليست اللفظة الواحدة أفضل من تركيب (فارس الأسطوانات) مثلاً؟
أليست –على تحفظنا من كل جديد- أفضل من لفظ (تقليطان؟؟؟!!!)
متى ستستضيفون الواسي في فرح قادم عندكم؟
وللمتدينين أقول: قد يضع الواسي أشرطة/ أقراصًا/ سيديهات دينية.

(نشرت معظم هذه المادة في كتابي “البديل من العبرية”- الصادر عن مجمع القاسمي ومكتبة كل شيء- 2014، ص 35)

ب. فاروق مواسي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة