قراءة نقدية لكتاب “أنت وطني” للكاتبة الشابة أسيل دار الحاج

تاريخ النشر: 26/04/18 | 13:14

*مقدمة: لم اتعرف بعد على الكاتبة الشابة اسيل دار الحاج ولا على كتاباتها ،وكل ما اعرفه انها شابه في مقتبل العمر من مواليد 2001 في قريه الفريديس الساحلية والمتميزة تاريخيا وجغرافيا وارتباطا بالبحر الفلسطيني والتاريخ الفلسطيني والنكبة الفلسطينية.
قرأت الكتاب ووجدته يستحق البحث والتعمق لما يحتويه من مضامين حياتية كبيرة تكتبها شابة في مقابل العمر ولم تخض بعد تجربة الحياة الحقيقية. وهذه الحقيقة كافيه لتبشر بولادة كاتبة كبيرة ومثيرة للجدل والاهتمام. كاتبة فلسطينية عربية أصلانية ملتزمة وطنيا وحالمة وثائرة اجتماعيا خصوصا على الجهل والتخلف والتقاليد البائدة والمفاهيم والصور النمطية التي تنهش مجتمعنا العربي. سأحاول كتابة تقيمي من خلال عدة ابواب والولوج الى خفايا الكتاب.
*العنوان: العنوان عتبة هامة من عتبات النص، وهنا اختارت الكاتبة عنوان “انت وطني”. وهو عنوان موفق جدا ليؤدي وظيفه الرمزية اكثر من الوظيفة الاغوائية.. فالوطن هو رمز للأرض والبلد والحيز والعائلة والثقافة وهو رمز العائلة واسم الحبيب معا. وهو الانتماء المتكامل للمزاج والنفسية الجمعية للفلسطينيين الذين فقدو وطنهم من ام رشراش الى الناقورة ومن يافا الى اريحا.. عبر الناعورة والطنطورة. ورغم التقليد باسم المسلسل التركي الشعير انت وطني. يبقى العنوان قويا جذابا رمزيا ورومانسيا.
*الشكل: رواية؟ نوفيلا ؟خواطر؟
يتشكل الكتاب من مجموعه خواطر ورسائل وحوارات ذاتية تربطها معا روح حية من الاحاسيس المتسلسلة في كل خاطرة لتصل ذرواتها المتعددة في احداث مسار تطور العلاقة بين الحبيبين واحكام القدر. بدءا بقيم الوفاء للوطن والدين والمجتمع والاحلام والحبيب ومفهوم الحب وصولا الى احاسيس الشعور بالذنب والخيانة. وهنا تجمع التناقض الجميل بين “الوفاء للعائلة والمجتمع بدفع فاتورة خيانة الحب والحبيب والتنازل عنهما ..مقابل الجهوزية للوفاء للحب والحبيب بدفع فاتورة ال”خيانة بيت الزوجية “…فتتشكل شبه رواية او نوفيلا درامية بطلها اثنان.. يافا ووطن.
*المضامين:
في الكتاب عدة مضامين اساسية وغير اساسية اكسبت النص الادبي شحنات من الاحاسيس والطاقة والانجذاب. كما زودت النص بمحطات فلسفيه وقيمية كبيره. كالحوار حول الوطن والاديان.. واحترام الطوائف وقبول الاخر والحق بالمساواة بين الرجل والمرآه والحق بالتعليم والحب والزواج. وحول مفاهيم مثل الاخلاص والوفاء المطلق. والخيانة والعنف العائلي والشراكة الزوجية ودور المرآه والزوجة والفنانة واختيار التعليم والوظيفة.
*الاسلوب اللغوي والروائي:
الكاتبة تكتب النصوص بسلاسة ولطف لغوي فائق الجمال. لغتها جميلة وسهلة. لا تختار المفردات المعقدة انما المفردات التعبيرية السهلة والمفهومة لكل قارئ ،نجحت في استعمال البلاغة اللغوية في كثير من المحطات النصية .
تتحرك النصوص في دوائر مغلقة من الامل والخلم والخوف واليأس ..وتعكس حالتين نفسيتين الاولى المتفائلة والقوية والمشرقة بالحب والثانية النفسية المحبطة والقاتمة بالزواج المفروض. السرد هو سرد بسيط مفهوم لا يخلو من ابداعات بلاغية وتشابيه جميلة وثنائيات ضدية.
*الصور التعبيرية:
النص يشمل صورا تعبيرية كثيره اجملها وطف الطالبة الجامعية الجادة الحالمة بالنجاح وخدمة المجتمع. صور الفتاه الجميلة النقية المفكرة بشموليه. علم وظيفه ابداع مجتمع حب وطن وحرة وانسانيه ، صوره الفنانة المحرومة بسبب العيب المجتمعي والتقاليد. صوره لقاء الخبيب في يافا. صورة عقد القران. صوره الحبيب الاجمل ثوره الحبيب المحبط والمهاجر للخارج. صورة الام المحافظة والعصبية. صورة العنف الاسري الاخ يضرب اخته في وجهها. صوره الخرمان من الجوال ومصادرته. صورة الفنان الشاعر المفكر والملتزم والغني بفكره. صوره المجتمع التقليدي المحافظ والقاسي على بناته لأنهن بنات.
*الحبكات: وجدت 3 حبكات تستحق الوقوف عليها وهي حبكات قوية تعطي النص نفسا روائيا دراميا ليعكس حاله وجودية مأساويه
الحبكة الاولى: لقاء يافا بحبيبها وطن في مدينه يافا سرا…لقاء رومانسي فيه رمزيه وطنيه بالغه الأهمية.
الحبكة الثانية: استسلام يافا والموافقة على الزواج (والتنازل عن وطن علنا)..لم تتحدى لم تقاوم…لم تهرب…قبلت الواقع بصمت .
الحبكة الثالثة: مراسيم الزواج والنهاية المفتوحة. وهنا بقريه الكاتبة اسيل في وخز القاري وحقنه بماده للتفطير العميق…هل وافقت فعلا…وهل ستخون الزوج المفروض…وما سر هذا الوعد بعدم النسيان بل بالعودة الى الشاب وطن الحبيب؟؟
هل ترمز للعودة الفلسطينية للوطن الفلسطيني فعبرت بهذه الطريقة الادبية؟
*تعابير لغوية جميلة من الكتاب:
“لقد علمتني امي ان الحب الاول لله ومن ثم للوطن وان احببت رجلا يجب ان يكون وطنيا” ص 7
“من يخون الوطن…لن يكون لي وفيا” ص 8
“…لكنت تمنيت كثيرا من الكتب والحب”ص9
“..ها قد عدت…عدت حين حاولت للمرة الاولى ان انساك”ص11
اليوم عاد.. رغم حبي الشديد له الا انني لم اشعر بالاحتياج له بقدر ما كنت افتقر للاجتياح” ص 13
“سأنساك…وكأنك لم تكن” ص 15
“اختاري رجلا وليس ذكرا ” ص 17
“عيناك التي جعلتني احيا سكرة الحب رغم ان قلبي مليء بالأيمان” ص 20
“مت في الحب وابق حيا للابد” جلال الدين الرومي ص 47
“اجد الان جنود الحب تحيطني مطالبة اياي بالاستسلام…للحب” ص 48
“الحب يطهر القلب من كآبته” ص 49
“لا تسيري مع التيار، كوني انت التيار” ص 53
“ارقص في حلبة آلامك” ص 55
“كبرت، ولم اصبح سوى رماد لأحلام حرقتها كلمة عيب حرام وانت فتاة “ص 56
“العيب في النفوس وليس في الاديان” ص 61
“لا لوم عليك ان كنت ترين النجاح بمحبس” ص 62
هل ستحادثني ان كنت ملحدا؟؟لكني اؤمن بالإنسانية والحب، لن اكون إرهابيا لأني بلا دين” ص 64
“احبك.. احب بك في نهايتها قبله خفية من شفاه اللغة” ص 67
“خلقت لأحلق عاليا” ص 69
“ان استمريت بملاحقه كلام الناس لن تكوني حرة يوما” ص 70
“في كل مره تصمتين انت نفسك تقتلين ” ص77
“المكتبة هي مهجتي هي وطني الكبير وطني الذي اهجع اليه كلما ضاق بي الوطن” ص 82
“جئت طالبة الغفران من الكتب لغيابي عنها” ص 83
حينما نحب فنحن نتخلى عن عقلنا عن افكارنا وشخصياتنا” ليقودنا القلب بدافع الحب ص 87
“فضول النساء قد يقودهن للجنون” ص 90
“صوتك…اثملني” ص 100
“سأتزوج بعد ان ادرس واتعلم بعد ان احب واحب” ص 103
سأظل احبك يا حبيبي.. وربما سنعود يتوجب علينا ان نعود..لانك انت وطني” ص 134
*الرسالة النهائية: العمل الروائي يجب ان يشمل من خلال نصه الادبي اما مناقشة لأفكار ما او معالجة لقضايا معينة او ان يقدم معلومات مفيدة للقارئ. والاهم هو تبلور رسالة يريد الكاتب ايصالها للقراء. واعتقد ان رساله الكاتبة الشابة اسيل دار الحاج تشكلت في هذا العمل. وهي رساله حضارية وانسانية للمجتمع العربي ان يكون عادلا ومنصفا للمرأة وقصاياها مثل العلم والحب والزواج والمساواة والعمل ودعوة للتخلص من تقاليد الماضي السحيق التي تعتبر المرآه مصنع للأولاد ومكانها المطبخ والبيت والسرير فقط. الرواية صرخة لحق الفتاه بحياة كريمة في كل المجالات. والنجاح لا يكتمل في المجتمع ان لم يكن الافراد فيه اصحاب نفس وطني والالتزام وطني. فلا يتكامل المركب الانساني والحضاري الا بالوطني ولا يتكامل المشروع الوطني الا بإنسانيه وحضارة ابناءه.
شخصية الكاتبة:
الكاتبة الشابة اسيل تظهر في العمل بعدو وظائف: فهي كاتبة مبدعة تحمل لغة وقدرات تعبيرية فذة ولها ثقافه واطلاع واسع على الادباء والفلاسفة والفنون. من فيروز الى افلاطون وغادة السمان والسنعوسي وانيتا كريزان.
وهي تظهر بوظيفه الخبيرة النفسية والعاملة الاجتماعية التي تتعامل مع مجتمع يعاني من امراض فتاكه تمنه نهوضه ومعافاته وهي شجاعة لتشير اليه الامراض: العنف والجهل والمورث السلبي عن المرآه ودورها وعن دور الناس والسمعة والاشاعات. التعامل مع العنوسة والفتيات الغير متزوجات. وتشير الى المجتمع كمجتمع ابوي ذكوري ظالم للمرأة.
وتقوم بدور الفيلسوف الذي يطرح مسائل كبيره للبحث والتفكير متل المساواة والحق بالحب والاعتقاد والتدين والحرية .
وهي تظهر كشخصية متمردة على العنف والجهل والحرمان والاحتلال والظلم.
في شخصية الكاتبة مركبات وعناصر الكاتبة الكبيرة ..امل لها العمل والتقدم لتكون بمصاف مي زياده واحلام مستغانمي وفدوى طوقان وغادة السمان….الاساس موجود ..والمطلوب هو القراءة والتبحر في عالم الادب العربي والعالمي. ولها منا كل دعم وتقدير.

بقلم: د زياد محاميد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة