المجلس الوطني … مشاركة أم مقاطعة؟

تاريخ النشر: 13/03/18 | 10:00

هناك من يقول إنّ عقد المجلس ضرورة لتجديد شرعية القيادة والحفاظ على الموقف الصلب الذي اتخذته في وجه مؤامرات شطبها وشيطنتها والسعي لعزلها واستبدالها، وأن عقد مجلسٍ ناقصٍ وبه عوار أفضل من عدم عقده، وأنّ الوضع غير طبيعي ولا يحتمل انتظار أن يكون عقد المجلس ضمن خطة نهوض وطني! وأنّ عدم عقده لا يساعد على عقد مجلس توحيدي عندما تتوفر الظروف لتحقيق الوحدة.
لا شيء على الإطلاق، بما في ذلك الظروف الاستثنائية، يبرر عقد مجلس من دون وفاق وطني، ولا بلورة خطة للنهوض الوطني، ولا تحضير حتى من القوى والشخصيات المنضوية في إطار منظمة التحرير، بدليل عدم تشكيل لجنة تحضيرية حتى الآن.
كما أن عقد المجلس الانفرادي يكرس الانقسام، وهذا معطى مرجح، وليس مجرد رأي إذا سارت الأمور كما هي الآن، وقد يقضي على المصالحة الشكلية القائمة، ولا يساعد على تجديد الشرعية التي لا تتأتى إلا من عقد مجلس في سياق خطة للنهوض الوطني وتوسيع التمثيل لأبعد مدى، لأن المنظمة ليست فريقًا من الفرقاء الفلسطينيين، بل كانت ونأمل أن تبقى الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني.
لا يعني ما سبق أن عقد المجلس بمن حضر ومن دون تجديد وتغيير حقيقي نهاية التاريخ، بل خطوة إلى الوراء. في حين يقتضي الوضع غير الطبيعي الذي تمر به المنظمة السير إلى الأمام، أو على الأقل عدم التراجع إلى الوراء.
تطرح المسؤولية الوطنية الاعتراف بأن طرفي الانقسام يتحملان المسؤولية عن استمراره وليس طرفًا وحده، فـ”حماس” تريد أن تستمر في التحكم في حكم غزة، وتحصل على الشرعية ورواتب موظفيها، في المقابل تريد “فتح” أن تبقى مهمينة على المنظمة والسلطة. الحل بسيط وصعب في آن واحد: الشراكة الكاملة والتعددية والتنافس في إطار الوحدة، أو الحد الأدنى منها.
ما سبق يجعل هناك بديل آخر، سواء للدعوة للمقاطعة والتهديد الضمني أو الصريح بعمل أطر بديلة أو موازية للمنظمة، أو للترويج لعقد المجلس كيفما كان لحل مشكلة فصيل أو شخص، وبما يكرس القديم على قدمه مع بعض التجديد والترميم، ومع استمرار التمسك بإستراتيجية المفاوضات وأوسلو التي أوصلتنا إلى ما نحن فيه.
ويقوم هذا البديل على إعطاء فرصة أخيرة لبذل كل شيء ممكن لتوفير متطلبات عقد مجلس توحيدي، أهمها إنهاء الانقسام، مع أوسع تمثيل للشعب الفلسطيني، قادر على البناء على الموقف الشجاع الذي اتخذته القيادة الفلسطينية ضد “صفقة ترامب”.
وإذا لم ينجح هذا البديل فحينها يكون العمل على تقليل الأضرار من عقد مجلس انفرادي، وجعل عقده ليس نهاية المطاف، بما لا يغلق الجهود لإنجاز الوحدة التي من دونها لا يمكن الانتصار على مخططات تركيع القيادة أو إبقائها في دائرة العجز والانتظار الذي لا يكفي أبدًا لدحر “صفقة ترامب”.
ويمكن ذلك من خلال عقد المجلس الحالي في ثلاثة أماكن (رام الله، غزة، بيروت) عبر تقنية الفيديوكونفرنس، لتأمين فرصة مشاركة أعضاء المجلس، وفصائل المنظمة، وأعضاء المجلس التشريعي، بمن فيهم أعضاء كتلة التغيير والإصلاح التابعة لحركة حماس الذين يبلغ عددهم 74 عضوًا، وهم في معظمهم والعديد غيرهم لن يتمكنوا من الحضور إذا عقد المجلس في رام الله لتواجدهم في قطاع غزة والخارج، لأن سلطات الاحتلال لن تمنح الكثير منهم تصاريح، تمامًا كما حدث مع بعض أعضاء المجلس المركزي الذين لم يتمكنوا من حضور اجتماعات المجلس السابقة.
ومن أهم المتطلبات الأخرى لعقد المجلس العادي الذي لا يغلق طريق الوحدة أن يسبقه تحضير بمشاركة مختلف ألوان الطيف السياسي، أو على الأقل بمشاركة “فتح” والفصائل والشخصيات المنضوية بالمنظمة، وبما يشمل أعضاء التشريعي، ويمكن النظر بضم بعض الأعضاء بصورة فردية من المحسوبين على الجهاد الإسلامي، للاتفاق على مخرجاته، سواء فيما يتعلق بالبرنامج الوطني، أو النظام الداخلي، وعلى تشكيلة اللجنة التنفيذية، ومن الفصائل التي ستُمثل فيها، وكيف، ومن سيمثل المستقلين؟ إضافة إلى الاتفاق على أسس تشكيل المجلس المركزي، وهيئة رئاسة المجلس، وضمانات بتوفير آليات لاتخاذ القرارات بشكل جماعي، و احترام المؤسسات وتفعيلها، خصوصًا بعد التجربة المرة التي جعلت مؤسسات المنظمة إما غائبة أو مغيبة، بدليل عدم تنفيذ قراراتها، وخصوصًا قرارات دورتي اجتماعات المجلس المركزي الأخيرتين.
من الخطأ التسليم بأن عقد المجلس بلا توافق أصبح أمرًا واقعًا لا مجال لوقفه أو تعديله أو تأجيله، مع الاعتراف بأن الإمكانية لتحقيق ذلك محدودة جدًا، لكن مهما كانت محدودة يجب العمل بأقصى الجهود والفعالية لاستنفادها.
ويتطلب البديل الذي أشرنا إليه تبني موقف فاعل ومبادر من الشخصيات والقوى الحريصة على القضية والوحدة، بمن فيهم أعضاء وقيادات في حركتي فتح وحماس، يسعى لاستنفاد فرصة عقد مجلس وطني توحيدي، وإذا تعذر ذلك، العمل على تقليل الأضرار من عقد مجلس انفرادي، وهذا يتطلب مغادرة الاكتفاء بتسجيل موقف للتاريخ، ولعب دور فاعل ومستمر ومسؤول، سواء من الداعين لعقد المجلس أو الرافضين له.
يمكن البدء بدعوة الرئيس إلى المبادرة للشروع فورًا في حوار وطني شامل من دون مسمى الإطار القيادي المؤقت التي لا تريد “فتح” أن تسمع به، أو المؤتمر الوطني الذي يمكن أن يمس من قريب أو بعيد بمؤسسات المنظمة ووحدانيتها، على أن تُحدد له فترة زمنية قصيرة لا تزيد على أسبوع إلى عشرة أيام، يتم خلالها السعي الجاد للاتفاق على إستراتيجية إحباط “صفقة القرن”، وغيرها من التحديات والمخاطر التي تهدد القضية، وتوظيف الفرص المتاحة، واتخاذ الخطوات اللازمة لإنهاء الانقسام، وتحديد المطلوب من كل طرف للنجاح في ذلك، والذهاب فورًا بعد ذلك إلى عقد مجلس وطني توحيدي، وإذا فشل الحوار يمكن المضي في عقد المجلس الوطني والعمل لكي لا يغلق الطريق على إنجاز الوحدة، وعقد المجلس التوحيدي لاحقًا.
قد يقول المعارضون لهذه الفكرة إن مبادرات ومحاولات إنهاء الانقسام لم تفلح خلال أكثر من أحد عشر عامًا، فكيف ستفلح خلال أيام أو أسابيع أو حتى أشهر قليلة؟
إن الرد على ذلك بسيط من خلال تبيان أن العواقب المُحتملة لعقد مجلس وطني انفرادي خطيرة لا تقتصر على تكريس الانقسام بين المنظمة ومعارضيها والإطاحة بالمصالحة الجارية حاليًا، بل قد يصل الشقاق إلى فصائل المنظمة نفسها، ما يوجب استمرار العمل على منع عقده حتى اللحظة الأخيرة، أو عقده بعد ضمان أن يكون خطوة لا تغلق طريق الوحدة ولا تُكرِّس الانقسام.
يكفي للدلالة على ما ذهبنا إليه إيراد أن عقد المجلس الانفرادي يعطي المبرر، وحتى قدر من الشرعية للفصائل المقصية عن المشاركة، وهي تحتل، خصوصًا “حماس”، وزنًا لا يمكن الاستهانة به، وتسيطر على قطاع غزة، لعمل إطار بديل أو موازٍ للمنظمة من شأنه أن يمس بوحدانية تمثيلها. كما أن عقده في الظروف الحالية لا يؤمن الشرعية المطلوبة، ولا حماية القيادة من المؤامرات التي تستهدف إخضاعها أو عزلها أو إيجاد بدائل لها.
في هذا السياق، سيكون لأي جبهة معارضة لعقد مجلس انفرادي تأثير أقوى بكثير من سابقاتها، جبهات “الرفض “و”الإنقاذ” و”الفصائل العشر” التي شكلت في السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، لأنها تأتي في وقت تمر فيه المنظمة بأسوأ أحوالها، ولا أحد من الأشقاء والأصدقاء معني حقًا بإحيائها أو تفعيلها، إن لم نقل أكثر من ذلك، فضلًا عن أن الأعداء يستهدفون ويسعون جاهدين للتخلص منها نهائيًا. كما أن عماد جبهة المعارضة هذه المرة ليس من مؤسسي المنظمة ولا من الحريصين جدًا على بقائها.
يمكن في هذا السياق، البناء عل ما خلصت إليه اللجنة التحضيرية التي عقدت في بيروت وتطويره، ويمكن أن تكون أحد قراراته المجلس العادي المتفق عليها مسبقًا عقد مجلس وطني توحيدي بعد ستة أشهر أو سنة كحد أقصى، على أن يسبقه إنهاء الانقسام، وتوحيد المؤسسات.
ليس الأهم أن يقرر كل فصيل وكل شخص أن يشارك أو يقاطع، بل كيف يكون فاعلًا بأقصى حد إذا شارك، حتى لا تكون مشاركته غطاء للوضع البائس الذي وصلنا إليه، والذي لن يقوى – رغم رفض “صفقة ترامب” – على الحفاظ على القضية وأداة تجسيدها المنظمة، وإحباط المؤامرات لتصفيتها، فهو بحاجة إلى خطة عمل متكاملة، ولا غطاء لاستمرار الانقسام، وحتى لا تكون مقاطعته طريقًا للعزلة واستشراء الشرذمة، وصب الماء في طاحونة أميركا وإسرائيل، وزيادة تأثير ودور المحاور العربية والإقليمية، التي تضغط من أجل تطويع الرئيس والقيادة الفلسطينية لصفقة ترامب التي لا تستهدف تسوية، وإنما تصفية القضية الفلسطينية.

بقلم: هاني المصري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة