جولة في الطبيعة ومع إستعارات اللباس

تاريخ النشر: 11/02/18 | 12:45

س_ورد في أثناء مطالعتي في كتاب الحُصْري: (جمع الجواهر في المُلح والنوادر) ما يلي:
“فلما انتبه الفجر نمت، فما أفقت حتى لفحني قميص الشمس”.
فما الاستعارتان هنا؟
الأولى: الفجر انتبه- استعارة مَكْنيّة، فالفجر كالإنسان ينتبه، فقد حذف المشبه به وكنى عن لفظ المشبه.
قميص الشمس هنا بمعنى مظهرأو صورة، فحذف المشبه، وصرح بلفظ المشبه به- القميص، فالاستعارة تصريحية.
..

نلاحظ كثرة استخدام اللباس استعارة أو تشبيهًا في الأدب بأنواعه، ولا بدع في ذلك، فالقرآن الكريم وصف الرجال والنساء باللباس – الواحد للآخر- {هن لباس لكم وأنتم لباس لهن} البقرة، 187.
واللباس هنا يعني أنّ الانسان هو الدفء والاحتواء والأمن والأمان، وانه الستر والزينة.
ويجمعها الملامسة.
وفي قوله- {جعلنا الليل لباسًا}- النبأ 10- يعنى السكن، واللباس هنا يعني خلاف ما ورد في الآية السابقة في نفس السورة- {وجعلنا النهار معاشا}.

القميص والرداء واللباس والغِلالة والوِشاح… في الطبيعة ومظاهرها نجدها كثيرًا، فمن النثر:

كتب الحسن بن وهب وهو معروف ببلاغة نثره، وهو الذي مدحه أبو تمام:
الحسنُ بنُ وَهْبٍ *** كالغيث في انسكابهْ
في الشَّرْخِ من حِجَاهُ *** والشرخ من شبابه
يقول الحسن:
“شربت البارحة على وجه السماء وعِقْد الثُّريّا ونِطاقِ الجَوزاء، فلما انتبه الصبح نمتُ، فلم استيقظ إلا بعد أن لبست قميص الشمس”.

وقد قرأت لابن المعتز الذي اشتهر بجودة الوصف ما يلي من مثل هذه الاستعارات “الرِّدائية”- إذا صح التعبير:
يقول ابن المعتز:

وجاءني فى قميص الليل مستترا *** يستعجل الخطو من خوف ومن حذر
ويقول:
فلو ترانا فى قميص الدجى *** حسبتَنا فى جسد واحد
ويقول:
لبسنا إلى الخمّار والنجم غائر *** غِلالة ليلٍ طُرِّزتْ بصباح
..
يقول ابو نواس:
فقد كاد ضوء الصبح أن يفضح الدُّجى *** وهمَّ قميص الليل أن يتمزقا
تميم الفاطمي:
حتى إذا رق قميص الدجى *** وابتسم الصبح وراء الإزار
مهيار الديلمي:
ويوم من الدم ساعاتُه *** قميص النهار به أحمر

ويقول ابن عَروس ساخرًا من المخاطَب لبرودته:

خفِّضْ عليك فلو كساك قميصَه *** تموزُ كنتَ فتى وحقِّك باردا

ولا نعدِم مثل هذه التعابير في شعر الصَّنَوبري- شاعر الطبيعة:

نُثرتْ على تلك الثرى حُللٌ *** مما يحوك الرعد والبرق
قِمْصان خِيرِيٍّ ملونةٌ *** وغلائلٌ من سندسٍ زُرقِ

وغير ذلك كثير وسأقف أخيرًا عند وصف ابن وكيع:

واشرب الراح خالعًا *** لثياب التنسك
ما ترى الصبح قد بدا *** في قميصٍ ممسَّكِ

ب. فاروق مواسي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة