وسيبقى الزّغلول يترغل

تاريخ النشر: 29/01/18 | 9:48

غاب عنّا يوم السبت الفائت في السابع والعشرين من كانون الثاني 2018 ملك الزجل زغلول الدّامور ( جوزيف الهاشم) عن عمر يناهز ال 93 عامًا.
غاب عنّا من لوّن سماء الشّرق بورد غزَله ورهيف حرفه وفوْحِ حِكمه وشموخ ردّاته.غاب من أعطى للزجل لونًا ومعنىً ونكهة فأبدعَ وعطّر الأرجاء بالزجل الجميل ، الذي كثيرًا ما فاق الشِّعْر الفصيح بصوّره وألوانه الزّاهية ومعانيه.
غاب عنّا بالجسد ، ولكنّه سيبقى حاضرًا فينا كلّما غرّد الحسّون على فنن الصنوبرة ، وسقسق البلبل على شُرفة الشّرق
غاب عنّا ولم يغب زغلول الدّامور هذا العملاق الذي حمل لواء القوافي وصولجان العطاء ، فغرّد على منابر الزّجل اغرودات العشق والحياة ، فكان الملك المُتوّج ، الذي بُحّت الحناجروهي تهتف له واحمرّت الأكف وهي تصفّق طربًا، في حين راح يرسم اللوحة تلو اللوحة ؛ مرّةً للصبيّة المغناج العاشقة والساجدة في محراب الحبّ ، وأخرى للشّاب الجميل يعاكس على العين أمّ الشّال العنابيّ ، وثالثة يرسم المجد والكرامة الوطنيّة ، ورابعة يرنو بها الى السماء الفادية ، وخامسة يرسم لبنان ” قطعة من سما ” يسرح فيها الحُسن ، وتجول في جباله ووديانه وتلاله خُضرة الحرف ورفيف المعاني.
وها هو في ذكرياته الجميلة مع عملاق آخرزين شعيب يقول :

: زين شاعر مرجلة وأنا شاعر نعومة.. كان زين يتمرجل ويهدّ ويقدّ.. فآتيه أنا على الناعم وروّحلو كل المرجلة.. مرة قال لي هذه الردة:
“معروف عني بالزجل والمقدره
شيخ الشباب وما رجعت فشخة لورا
بالمقبرة لو كان الي ميت سني
دعسة مرا بتقيمني من المقبره”
فجاوبته:
“زين اللي عنّو خبّر الدهر وروى
تزوّج خمس مرات بليالي الغوا
من المقبرة دعسة مرا بتفيقو
كيف الخمس نسوان لو مرقو سوا”.
حقًّا غاب من سربل المنابر بطلعته الجميلة وصوته الشجيّ فأطرب وانتزع الآهات من الحسناوات والرجال على حدّ سواء ..
رحل وسيبقى في النفوس ملكًا مُتوَّجًا يحكي عنه كلّ مَن علا المنبر ، وكلّ من قال قافية وردّةً وقصيدة ..
كثيرًا ما وقفت أمام ردّاته المُغنّاة حائرًا ..إنّه مطبوع فعلًا وحاضر في كلّ موقف ، كيف لا والزجل كلّ حياته.
فها هو في ” لحسة” واحدة من شهده :
ومش تاركتني للصلا افضى كتير
وكل يوم عينيها عا قلبي بيفطرو
وكل ما أنجرحت بعيّد العيد الكبير
لا تمنعو الحلوة ألانا مجنونها
تتمرد ويطلع عليي جنونها
القلب البدون جروح جسم بدون روح
والجرح طيّب من سهام عيونها.
تفتّحت قريحة الزغلول وهو بعد في التاسعة من عمره ، وكان آنذاك طالبًا في مدرسة جديدة المتن الكبرى ، فكان يفترش الارض تحت اشجار الصنوبر حاملًا قلمًا وورقة يُدوّن فيها ما يتفتق له من أبيات يُردّدها ، حتّى أصبح معلّموه ورفاقه يقولون فيه : ” هيْدا الصبيّ ابن الدّاموري مْزَغلل( بمعنى صغير) وعمْ بكتب شِعر”.
غاب الزغلول وما زال صدى صوته يترغل في نفوسنا ، وعلى اغصان الارز والصنوبر ، يُترغل مرّة ويحوم أخرى سائلًا هل هناك في السماء منبر للزجل نذبح عليه ومن خلاله ذبائح حمد لربّ الأكوان !!
زغلول الدّامور : نم مطمئنًا فقد نقشك الزجل على جبين المجد قصيدة جميلة.
زهير دعيم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة