الملاريا

تاريخ النشر: 24/11/17 | 18:42

تعتبر الملاريا من الامراض شديدة القدم عرفت بأعراضها وان لم تتخذ مسماها الحالي الا حديثا وهي مرض طفيلي معدي وخطير يصاب به الإنسان دون غيره من الكائنات الحية .
و تسببه كائنات طفيلية تسمي المتصورات (أو بلازموديوم)، ينتقل عن طريق لدغات بعوض (الانوفيلة او الانوفيليس) الناقل لها وتسمي نواقل الملاريا والتي تلدغ بين الغسق والفجر .وهناك خمسة أنواع من المتصوّرات تسبّب الملاريا البشرية، والاشد تهديدا من بينها نوعان هما: المتصوّرة المنجلية ( الأكثر انتشارا في القارة الأفريقية وهي مسؤولة عن معظم وفيات الملاريا على الصعيد العالمي) والمتصوّرة النشيطة ً( السائدة في معظم البلدان خارج أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى).
ولأن الطفيليات كائنات تتطفل علي الانسان في سبيل اتمام دورة حياتها فأن هذه المتصورات تتسلل داخل كريات الدم الحمراء في جسم الإنسان فتدمرها، ويترافق ذلك مع مجموعة من الأعراض أهمها الحمى،تضخم الطحال و فقر الدم ومع ذلك فالامر المدهش ان احد العوامل التي تقلل فرص الاصابة بالملاريا هي فقر الدم المنجلي ذاته !! ويعزو السبب في ذلك الي انه في هذا المرض تصبح خلايا الدم الحمراء منجلية الشكل مما يجعلها غير قادرة علي نقل الاكسوجين بشكل جيد وكذلك اقل قدرة علي العبور ضمن الشعيرات الدموية فيتمزق جدارها وتتحلل بينما طفيلي البلازموديوم يحتاج الي كريات دم حمراء سليمة ليتم دورته وبوجود فقر الدم المنجلي لايستطيع ان يتم دورة حياته .
كان اكتشاف الطفيلي مسبب مرض الملاريا في 6 نوفمبر 1880 في المستشفى العسكري بقسنطينة (الجزائر) بواسطة طبيب في الجيش الفرنسي يدعى (ألفونس لافيران ) والذي حاز بعد ذلك على جائرة نوبل في الطب والفزيولوجيا لعام 1907 عن اكتشافه هذا. اما عن اعراض الملاريا فتمر بثلاث مراحل مميزة:
المرحلة الاولي او الباردة: وفيها يعاني المريض من الشعور بالبرد والرجفان
المرحلة الثانية او المرحلة الحارة: وفيها يعاني المريض من الحمي والصداع والاقياء
المرحلة الثالثة او مرحلة العرق: وفيها يتعرق المريض فتعود درجة حرارته الي الطبيعي ويستمر الشعور بالتعب
هذا وتعتبر الملاريا مرض موسمي يبلغ ذروته أثناء موسم الأمطار وبعده مباشرة كما أنها اكثر شيوعا في المناطق المدارية وفي الاشخاص الذين يعانون من ضعف جهاز المناعة او يعيشون في محيط غير صحي وهي من الامراض الخطيرة التي ان لم تعالج فقد تودي بحياة الانسان. لذا فلا غرو ان نجد غالبية حالات الوفاة من الملاريا فى الأطفال لأن جهازهم المناعى لم يكتمل والحوامل لأن جهاز المناعة لديهن يكون مثبطا أثناء حملهن ولاسيما لو كان الحمل للمرة الاولي ،لذلك توصي منظمة الصحة العالمية- والتي خصصت يوم ٢٥ابريل من كل عام يوما لتسليط الضوء علي الملاريا- بتوفير العلاج الوقائي من مادة السلفاديوكسين – بيريميثامين للحوامل اللائي يعشن في المناطق التي تشتد فيها وتيرة الملاريا، وذلك في الشهرين الثاني والثالث من الحمل. كما توصي بإعطاء ثلاث جرعات من ذلك العلاج للرضّع الذين يعيشون في المناطق الأفريقية التي يشتد فيها المرض . وفي عام 2012، وضعت المنظمة استراتيجية اضافية للوقاية لمكافحة هذا المرض في مناطق شبه إقليم الساحل الافريقي بإعطاء مقرّرات شهرية من الأمودياكين زائد السلفاديوكسين – بيريميثامين لجميع الأطفال دون سن الخامسة خلال موسم اشتداد المرض.
في الدول التي يكون معدل المرض فيها مرتفعًا، يكونون عرضة للإصابة بعدوى الطفيلي مرات عديدة وبالتالي فبوسع جهاز المناعة التعامل مع الطفيلي، حيث ان الجسم قد قام بإنتاج أجسام مضادة لهذا الطفيلي من المرات السابقة وتستمر هذه المقاومة فعالة لسنوات وتنتهي ان لم يكن هناك تعرض مستمر لذلك فالملاريا اكثر خطورة علي السياح الوافدين الي هذه البلدان ممن لم يتعرضوا ابدا للطفيلي .
عرف المصريون القدماء الملاريا ويظهر هذا جليا في تسبيه بوفاة الفرعون توت عنخ امون ابن اخناتون في سن مبكر لم يتجاوز الـ19 سنة في 1324 قبل الميلاد بحسب دراسة امريكية شهيرة كما ان ثمة دلائل ان الاجراءات الاحترازية لمواجهة الملاريا كانت معروفة الي حد ما ف(سنفرو ) مؤسس الأسرة الرابعة، والذي حكم في الفترة 2613-2589 قبل الميلاد، استخدم الناموسية كحماية من البعوض ..كما لم تغب الملاريا عن العصور الاسلامية ومن الطريف في هذا السياق ان نسوق ترجيحا لبعض الكتاب من ان الحمي التي اصابت السيدة عائشة رضي الله عنها زوج المصطفي صلي الله عليه وسلم ومزقت شعرها كما ذكرت هي في بعض احاديثها انها حمي البرداء او الملاريا حيث كانت فاشية بأعراضها المعروفة بين اهل المدينة في ايام الهجرة ولو صحت رواية ابن السني عن عائشة رضي الله عنها من إنها أسقطت من النبي صلى الله عليه وسلم سِقْطًا ، ولم يثبت فربما كانت الحمي سببا في ذلك…كما كانت حمي الملاريا زائرة لشاعرنا ابو الطيب المتنبي والذي قال عنها:
وزائرتي كأن بها حياء *** فليس تزور إلا في الظلام
بذلت لها المطارف والحشايا *** فعافتها وباتت في عظامي
والظاهر ان علاقة الملاريا بالشعر والشعراء لم تتوقف عند ذلك فلقد كان للورد بايرون الشاعر الانجليزي الشهير صاحب مقولة :(غالبا ما تتحول الصداقة الي حب ولكن يستحيل ان ينزل الحب الي درجة الصداقة) موعدا مع النهاية بحمي الملاريا.
كان اعتقاد القدماء في الماضي أن الملاريا ينقلها هواء المستنقعات. لهذا كان الإنجليز يطلقون عليها حمى المستنقعات (بالإنجليزية: swamp fever) أما العرب القدامي فعرفوها بأسم البرداء لأنها تسبب الرعشة الشديدة.
اما الاسم الاسم الحالي (ملاريا) فمشتق من الكلمة اللاتينيه Malus Aria ومن الكلمة الايطالية Mala Aria أي”الهواء الفاسد” . حيث كان الرومان القدامي يتصورون أن مبعث هذا المرض هو الأبخرة الفظيعة الصادرة من المستنقعات و وبالتالي فكلمة “ملاريا” لها جذور في نظرية ميازما وهي النظرية السابقة علي جرثومية الامراض.
ثمة علاجات منزلية لمكافحة الملاريا مثل عصير الليمون ببطء مع ارتفاع درجة الحرارة وعصير الجريب فورت لاحتوائه علي مادة شبيهية بالكينين وكذلك القرفة واوراق الريحان والعشبة الهندية الداتورة والزنجبيل وبذور الحلبة والتي تعزز الجهاز المناعي فضلا عن ضرورة الاخذ في الاعتبار الاجراءات الوقائية اللازمه ومنها ارتداء ملابس ذات أكمام طويلة، وتغطية الساقين في الأماكن التي تنتشر فيها الحشرات، واستخدام الكريمات الطاردة لها.
و وضع شبك ضيق الفتحات على الأبواب والنوافذ لمنع دخول الحشرات واستخدام الناموسيات في حال النوم خارج المنزل وردم البرك والتخلص من أماكن وجود وتوالد البعوض كما تشير بعض الدراسات الي انزعاج البعوض الناقل للملاريا من رائحة الدجاج مما يدفعه للذهاب بعيدا كما يمكن استخدام سمك البلطي في المياه الراكده للتغذي علي يرقات البعوض و تجنب السفر الي اماكن تفشي الملاريا قدر الامكان .
وفي حال ضرورة السفر إلى المناطق الموبوءة بالملاريا يجب الحرص علي أخذ الجرعة الوقائية المقررة بأسبوع أو أسبوعين قبل السفر، وخلال فترة البقاء في تلك المناطق، ولمدة أربعة أسابيع بعد العودة.
يشتمل علاج الملاريا علي الكلوروكوين (والذي يسبب سقوط الشعر وزيادة الحساسية لاشعة الشمس الا ان دراسات حديثه تشير الي قدرته علي كبح جماح سرطان الكبد ) والكوينين او الكوينيدين ومن المفارقات المدهشة التي تتعلق بالكينين تلك الصدفة التي قادت الكيميائي الإنجليزي (ويليام هنري بيركن )عام ١٨٥٦الي اكتشاف طريقة اصطناعية لتركيب اللون الارجواني الذي كانت مسألة الحصول عليه من ضروب الخيال وذلك بطريق الخطأ وهو يحضر الكينين حيث كان اللون الارجواني قاصرا علي الطبقة الاستقراطية و كان مصدر الحصول عليه من الرخويات البحرية المسماة موركس وبالتالي فقد كان ثمن الصبغة يعدل وزنها ذهبا!!
وليس هناك ما هو ادل علي ندرة الحصول علي هذا اللون من الاسطورة اليونانية التي تحيط باكتشافه فتروى إحدى الأساطير اليونانية ان حورية سورية تدعى ( تيروس ) وقع في حبها هرقل ،وذات يوم بينما كانت تتجول على الشاطئ ،ومعها كلبها ،فإذا بها ترى لوناً أحمراً غريبا هو لون الأرجوان على فم كلبها بعد أن تناول الأرجوان من صدفة كانت على الشاطئ فطلبت من هرقل أن يصنع لها ثوباً بلون الأرجوان الذي شاهدته ،فجمع هرقل لون الأرجوان من الأصداف ،وصنع ، ثوباً جميلاً وقدمه لحبيبته الاثيرة لقلبه!!!
من العلاجات الاخري اتوفاكون- بروغوانيل والهيدروكسي كلوروكوين وميفلوكوين وكذلك الارتيميسينين Artemisinin. والذي استطاعت الباحثة الصينية (تو يويو ) ان تستخلصه من نبات الشيح الحلو واسمه العلمي (Artemisia annua) وهي نبتة معروفة ومنتشرة في الصين وقد وجدت مذكورة في مخطوطات تعود للقرن الثاني قبل الميلاد وتستخدم عادة علاجا للحمى المتقطِّعة التي ترافق الإصابة بمرض الملاريا لتفوز هذه الباحثة بجائزة نوبل عام ٢٠١٥لتصبح اول امرأة صينية تفوز بالجائزة.ولازالت الابحاث تجري علي الارتيميسينين كعلاج مبشر في حالات السرطان ..وبسبب مقاومة الطفيلي يمكن اضافة الدوكسيسايكلين او الكليندامايسين

د.محمد فتحي عبد العال
صيدلي وماجستير في الكيمياء الحيوية
كاتب وباحث مصري
.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة