الموت في قصص الأطفال عند نادر أبو تامر وميسون أسدي

تاريخ النشر: 03/10/17 | 11:48

موضوع الموت من المواضيع القليلة الشائكة التي يتجنب كتاب أدب الأطفال المحليين التطرق اليها ، لحساسيتها وخصوصيتها وصعوبة الولوج في تعرجاتها لأسباب أدبية وفنية ودينية واجتماعية ، إضافة ان دور النشر قد تستصعب تسويق هذا الموضوع ، القارئ والأهل عادة يبحثون عن قصص تتحدث عن الحياة والأمل والمستقيل والسعادة وانتصار الخير على الشر والخيال ، والنهايات السعيدة ،من اجل رفع معنويات الطفل والمساهمة في بناء شخصيته ، لكن هل يجب ان يتهرب أدب الأطفال من طرح المشاكل الحقيقية التي يعاني منها الطفل بشكل خاص أو المجتمع بشكل عام ؟ هل يجب التحايل على الطفل في طرح موضوع الموت ؟ والسؤال الأعمق كيف يمكن أن يطرح هذا الموضوع ؟ ويصل الى أطفالنا بأسلوب جميل وصادق .
في اعتقادي أن الموت جزء من الحياة ، ومن الطبيعي أ يطرح الموضوع بجسارة، لأن الطفل يعرف ان قريبه قد مات او جاره أو صديقه أو ابن بلده او أي انسان اخر ، كذلك في ظل الحروب الأهلية والإقليمية والطائفية المنتشرة في الشرق الأوسط ، والقنوات الفضائية ترصد لنا فصول الموت ببساطة وبلاهة وبرودة ، وقصف وموت الأطفال بنيران الحرب الشرسة ، وتحت الأنقاض ، والموت جوعا ، وغرقا في عمق البحار ،بلا قبر او جنازة او وداع ، وخاصة ان العالم أصبح قرية واحدة صغيرة ، والأطفال على اطلاع تام بكل ما يحدث في العالم الواقعي والعالم الافتراضي .
في هذه المقالة سوف نناقش قصة الكاتب والإعلامي نادر أبو تامر ” أجنحة الملائكة ” الصادرة عن دار الهدى للطباعة والنشر كريم 2001 ، بدون تسجيل سنة الإصدار ! عدد الصفحات 24 ( وهي غير مرقمة ) ، رسومات الفنان أيمن خطيب ، تتحدث القصة عن طفلة اسمها شوشو ، فقدت شقيقها واسمه عفيف ، عفيف كان يحب كرة القدم ، كان ليديه دمى جميلة ، كانت شوشو دائما تنظر الى أعلى ولا تركز اثناء اللعب ، صديقها رامي الذي يحب كرة القدم ، كان يظن ان شوشو تحدق في السماء لأنها تحب الطائرات ، شقيها عفيف مرض ثم نقل الى المستشفى لكنه سرعان ما فارق الحياة ، اخته الصغيرة لم تفهم لماذا يتجمهر الناس في بيتهم ، ولم تجد عفيف في غرفته ،سألت ابيها أين ذهب عفيف ؟ لكنه صمت طويلا مع أنه يحب الحديث مع جاره ، عانقها وقال لها ” لقد أتى الينا الملاك هذا الأسبوع ، وأعطى جناحيه لعفيف . أخوك مات ” . ثم همس في اذنها ” ذهب الى السماء يا بابا ” ومنذ ذلك الحين وهي تراقب الطائرات والسماء لعل عفيف أخيها يمر من فوق البيت ! .
قصة ابي لم يمت ، للكاتبة ميسون أسدي ، رسومات ، وفاء عبود ، اصدار أ.دار الهدى ، 2017 ، تقع القصة في 26 صفحة من الحجم الكبير .
تتحدث القصة عن طفلة اسمها أحلام ، كانت في الصف الثاني عندما غرق والدها في بركة ماء كبيرة تكونت بفعل المطر ، تعود أطفال القرية السباحة بها ، سببت لهم الامراض العديدة ، بينما كان عمها توفيق وكان فتى شقيا ، يسبح مع رفاقه كاد يغرق ، اتفق ان مر والدها قرب البركة وسمع الصراخ ، بالرغم من ان يده كانت مكسورة ، وملفوفة بالجبس ، قفز وأنقذ عمها توفيق ، لكنه غرق لأن يده علقت بين صخرتين . كل المحيطين بالطفلة أحلام اعلموها ان والدها سافر ، فكانت تتوقع عودته لكنه لم يأت ، ذلت يوم أخبرها عمها توفيق بأن والدها لن يعود لأنه مات ، أحلام كانت تعتقد أن الأشرار وحدهم يموتون كما حدثتها المعلمة ، وأخبرها عمها بان والدها سوف يبقى معهم بإمكانها استحضار طيفه والحديث اليه وهي تحدد الإشارة ليستمع اليها مثل فرك الاذن ، وفعلا جربت أحلام هذه الطريقة وقالت له ” أبي اشتقت اليك أنا وأمي وعمي توفيق يسلم عليك ” ثم أرسلت لأبيها قبلة بالهواء ،عادت أحلام مسرعة الى البيت وأبلغت والدتها أن ابيها لم يمت ، وأن عمها توفيق جعلها تتحدث اليه ، وعن وجود إشارة متفق عليها ، وفي نهاية القصة تحدثنا الطفلة أن أهل القرية طمروا البركة كي لا تتسبب بوفاة اخرين وتم انشاء حديقة العاب للأطفال مكانها .
– العنوان : عنوان القصة عند الأديب نادر أبو تامر ” أجنحة الملائكة ” العنوان غير مباشر يترك للقارئ والطفل المجال الواسع للتخمين ، وان وكان هنالك ترميز لمحتوى القصة ، حيث استعمل كلمة” الملائكة ” ، وهي كلمة ترمز الى الطهارة والموت والرسالة ، وهي كلمة ذات دلالات دينية . بينما استعملت الأديبة ميسون أسدي ” أبي لم يمت ” وهي جملة تقريرية تشار الى الموت ، وان كان المقصود انكار وقعوه بالنسبة للطفلة ولو بشكل مطلق .
– سبب الموت : في قصة نادر أبو تامر ، سبب موت الطفل عفيف هو المرض ، لا نعرف نوعه هل هو مرض مزمن ام مرض عضال ، لكنه نقل على أثره للمستشفى لم يلبث طويلا حتى فارق الحياة .
اما سبب الموت في قصة ميسون أسدي ، هو الغرق في بركة تجمعت بها مياه الأمطار ونتيجة الإهمال وعدم وجود برك للسباحة في القرى العربية لجا الأطفال والفتيان للسباحة في هذه البركة الراكدة التي نشرت الأمراض . والد أحلام فارق الحياة على الفور رغم محاولات اسعافه المتأخرة .
– شخصية المتوفى : في قصة نادر أبو تامر ، المتوفى هو طفل صغير اسمه عفيف ، أما في قصة ميسون اسدي ، الشخصية هي والد الطفلة أحلام ، الذي ترك خلفه طفلة في الصف الثاني ، وزوجة شابة واخ اسمه توفيق .
– التعرف على عالم المتوفى : في قصة نادر أبو تامر عرفنا بعض المعلومات عن الطفل توفيق ، له أخت اسمها شوشو ووالدين ، كان يحب لعبة كرة القدم ، لديه دمى جميلة كان مرحا رغم مرضه ، يتقاسم الغرفة مع أخته ، بينما في قصة ميسون اسدي بقي عالم المتوفى غامضا ، لا نعرف عنه الا أن يده كانت مكسورة وملفوفة بالجبس ، يحب ان يساعد لا نعرف اذا كان قفز للماء لأن الذي يكاد يغرق شقيقه ام لأنه يحب المساعدة ؟ له زوجة وطفلة اسمها أحلام ..
– مدة لإبلاغ الطفل عن حقيقة الموت : في قصة نادر أبو تامر استغرق الامر مدة أسبوع حيث قام الوالد بإبلاغ ابنته الصغيرة شوشو ان اخيها عفيف مات ، وان كان ابلغها بان ملاكا زار البيت ومنحه جناحيه ليطير الى السماء . وفي قصة ميسون أسدي استغرق الأمر وقتا طويلا لا نعرف بالضبط لكن استعمالها عبارة ” لم يعد عمي توفيق شقيا . اصبح هادئا وحيدا ” .تفيد انه مر مر وقت لس باليسير
– تقنية التواصل مع الميت : في قصة نادر أبو تامر ، شوشو تراقب السماء دوما والطائرات المحلقة عاليا ، على امل ان يمر عفيف من فوق بيتهم ، لكن المحاولات لم تنجح ،بينما في قصة ميسون اسدي ، كانت التقنية استحضار طيف الوالد المتوفى ، من خلال إشارة وهي فرك اذن الابنة أحلام ، عندها تقول له ما تشاء وتطلب منه ما تريد وعمها ووالدتها تحضر جميع الطلبات ! ، ترسل له القبلات الحارة .
– تقبل الموت من قبل الصغار والكبار : من الطبيعي ان يرفض العقل الواعي في البداية خبر وفاة اي شخص قريب لنا ، منعا للصدمة وفقدان العقل والاتزان ، لكن في النهاية فالموت حقيقة وجزء من استمرارية الحياة ، في قصة نادر أبو تامر الطفلة شوشو تتقبل الموت وتقبل تفسير والدها لاختفاء وموت شقيقها عفيف ، لكنها تظل ترقبه وتشتاق اليه . وفي قصة ميسون اسدي الطفلة أحلام تتقبل موت والدها وتعايش معه وبل تستغله نقل رسائل وحصول على هدايا وطلبات .
– اثر الموت على المحيطين : في قصة نادر أبو تامر ، عرفنا ان الناس تشارك في المواساة من خلال توافد الناس بكثرة على بيت الفقيد ، والوالد كان يصمت طويلا وقلل كلامه المعتاد ، لكننا صورة الحزن لم تنقل لنا كاملة ، كذلك لا ذكر لحالة الأم أو حتى صمتها ، في قصة ميسون اسدي ، عرفنا ان العم توفيق اصبح متزنا وحزينا ، لكن لم يكن تطرق لوضع الزوجة من خلال القصة ، وكيف واجهت الطفلة اليتم ، او حتى في حزن الطفلة أحلام التي فقدت والدها ، في البداية غضبت لأن الوالد لم يعد يزورها في المدرسة او يصحبها في مشاويره ، في القصتين هنالك تجاهل لمشاعر الحزن على فقدان فرد من العائلة ، ربما قصد كل الأديبين عدم شحن القصة بموجة من الحزن .
– غلاف القصة : في قصة نادر أبو تامر ” أجنحة الملائكة ” رسم الفنان أيمن خطيب لوحة لطفلة حزينة تنحدر من مقلتها دمعة حارة سخية ، وهي تمسك بيديها لعبتها ، صورة الغلاف توحي بحزن ، بينما في قصة ميسون اسدي ” أبي لم يمت ” أيضا رسمت الفنانة وفاء عبود ، لوحة لطفلة تجلس على كرسي ، تمسك بيد لعبتها الصغيرة ، وتداعب شعرها باليد الأخرى ، لكنها تبتسم ابتسامة عريضة ، وخدودها حمر ، صورة الغلاف لا توحي ان الطفلة فقدت والدها ، لا تعرف ان كان الفنانة بإيعاز من الأديبة ميسون اسدي ، قصدت تلك المفارقة ! .
– دلالات الموت ومراسم الدفن : في قصة نادر أبو تامر هنالك إشارة واحدة وهي تجمهر عدد كبير من لناس في بيت والد الطفل عفيف الذي فارق الحياة ، لكن لا إشارة للدفن او الجنازة او الصلاة على الميت ، وفي قصة ميسون اسدي هنالك قفز عن الموضوع ” ولم ادر بعدها الى أين حملوا أبي ” ص 7 ، بعدها تنقلنا الكاتبة الى فصل اخر كانه منفصل أو منقطع عن مشهد الأول الذي ينتهي بغرق وموت والد الطفلة .
– النهاية : في قصة نادر أبو تامر النهاية مفتوحة فالطفلة شوشو تترقب السماء على أمل أن يمر شقيها من فوق بيتهم ، أما في قصة ميسون أسدي النهاية تبدو سعيدة ، الطفلة احلام تنجح في التواصل مع طيف والدها وهي فرحة بهذا الحلم والانجاز العظيم الذي يبدد حزنها ويساعدها فهم وتبسيط فقدان الوالد ، إضافة ان أهل القرية فطنوا الى البركة التي تسبب الامراض والغرق ، فقاموا بطمرها وأقاموا حديقة عامة للأطفال ، أي تم تحويل الأمر السلبي الى أمر إيجابي ولصالح الاطفال.
– مصدر القصتين : مصدر القصتين هو واقعي ، قصة اجنحة الملائكة ، مصدرها مستوحاه من فقدان ابن صديق الكاتب ، فكتبها بعد ان دار بخلده عدة أسئلة حول الموت ، ( هذا ما صرح به الاديب نادر أبو تامر في احدى مقابلاته الصحفية ) اما قصة ابي لم يمت للأديبة ميسون اسدي ، أيضا قصة حقيقية وقعت مع عمها ( وفق ما صرحت به ) .
ملاحظات عامة حول القصتين :
– في قصة الأديب نادر أبو تامر أجنحة الملائكة تفتقد القصة الى تسجيل سنة الإصدار وترقيم الصفحات ، ( وان كنا نعلم انه كتبها عام 2007 ، وصدرت عام 2008 وفق تتبع خبر صدورها عبر وسائل الاعلام ).
– في قصة ميسون اسدي ورد في غلاف القصة ” حكاية ميسون اسدي ”
ما الفرق بين الحصة والحكاية ؟ كتب الباحث والناقد المغربي محمد داني حول الموضوع ما يلي : القصة تكتب للطفل وتوجه اليه ، وتراعي قدراته العقلية وعمره الزمني ومراحل نموه ، وميوله وميوله ومواقفه واتجاهه ، تعتمد الحدث والشخصيات والحبكة ، واللغة الخاتمة ” ” يقوم بها شخصيات بشرية أو غير بشرية ، تدور في اطار وزمان ومكان محددين ” أما الحكاية ” فهي تقوم على الحدث والشخصيات وزمان مطلق ومكان غير محدد ، بسيطة في أحداثها وأفعالها ، وتعتمد على الحكي والقص التقليدي ” ( المصدر : محمد داني ، أدب الأطفال دراسة في قصص الأطفال لسهيل عيساوي ، 2015 ) . من هنا يتضح انها قصة وليس حكاية .
خلاصة : تطرق كل من الأدبين نادر أبو تامر وميسون أسدي ، لموضوع الموت ، من خلال قصص الأطفال ، أمر في غاية الأهمية بسبب واقعية الموضوع وضرورة طرحه بأسلوب أدبي جذاب ، ورسومات تعبر عن الحدث بدقة وتنقل المشاعر بصدق ، وان كنت اعتقد أن القصتين بحاجة الى ضخ المزيد من مشاعر الحزن لتعكس الموقف الحقيقي لمرارة الفراق ولوعة الموت وانعكاسها على الأطفال، التفريغ من الغضب والحزن ، أمر صحي وطبيعي من أجل استمرار الحياة وتقبل الموت كجزء من حياتنا وواقعنا ، من اجل النهوض مجددا بعد نفض الغبار وازاحة جليد الحزن العميق المتراكم فوق حجيرات القلب الجريح. كما نشيد بلغة الكاتبين السلسة والملائمة للأطفال ، والتمهيد للموضوع بشكل جيد ، وطرح الموضوع بجسارة ومهارة .

بقلم : سهيل إبراهيم عيساوي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة