جَدّي سافرَ إلى السّماء

تاريخ النشر: 01/10/17 | 14:49

كان الوقت ضحى ، حينما رنّ جرسُ الهاتفِ في صفّ بستانِ الرّياحين، في البلدة الصغيرةِ والجميلةِ الغافيةِ بحضنِ الوادي ، فتردّ المُعلّمة ليلى، وسرعان ما يشحبُ وجهُها ، ولكنها تتمالك نفسَها لتتوجّهَ الى حيث تجلسُ الطفلّةُ ألأمّورةُ رَغْد، وكانت وقتها تُلوّنُ قوسَ قزح رسمته يطلُّ من بينِ الغيوم، فتروحُ تداعبُ شعرَها الاسودَ الجميلَ، وتطبعُ قبلةَ حنانٍ على جبينها.
جلست المُعلّمة على كرسيها حائرة بضع دقائق ثمّ فتحت فاها قائلة :
اسمعوا يا أولادي قصّة اليوم…بل قصّتي.
قبل سنين كثيرة ، وعندما كُنتُ أتعلّمُ في صفّ البستان كما أنتم اليوم، جاءت أمّي الى الصّف قبل أن ينتهي الدّوام ، ووشوشتِ المعلّمة ثمّ عانقتني بشدّة و اصطحبتني الى البيت .
وفي الطريق عانقتني مرّة أخرى بحرارة ، وأخبرتني انّ جدّي نجيب قد سافرَ الى السّماء في رحلة جميلة وطويلة ، ولن يعود .
وتابعت قائلة لقد طلبَ منّي قبلّ أن يُسافِر ، أن أخبرَكِ انّه لم يستطعْ أن ينتظرك، وأنّه يحبّك يا ليلى جدًّا جدّا ويُصلّي من أجلِكِ.
أخذتني أمّي الى بيت خالتي لأبيتَ ليلتي هناك مع أطفالِها .
نمت ليلتي وأنا متضايقةٌ .
وفي الصّباحِ جاءت أمّي وعادت بي الى البيت، وهي تقول: أخبرتك بالأمس يا صغيرتي الجميلة ، أنَّ جدَّكِ سافر الى السّماءِ ولن تجدينه اذا ما وصلنا الى البيت.
فهززْتُ برأسي وتابعت المسير .
وعندما وصلنا ، افلتُّ من يد أمّي وأسرعْتُ الى غرفةِ جدّي ورحْتُ أبحثُ عنه ، لعلّه قد عاد ، من يدري ! أو لعلّه ندم فرجع لكي يراني ثمّ بعد ذلك يسافر !
. ظنّي ولكن خابَ
فرفعت عينيَّ الى الحائط لأجدَهُ يبتسمُ لي من خلالِ صورتِه المُعلّقةِ في صدْرِ الغرفة ، وكأنّه يقول لي كما عادته :
… ليلى أنتِ حياتي
… ليلى انتِ الحُلمُ الجميل
ليلى أنتِ قويّةٌ يا صغيرتي ..
وتشجعْتُ… وابتسمت ، وإذا بي أدخل الى غرفة اختي الصغيرة ” أمل ” التي جاءت الى الدنيا قبل اشهر قليلة ، فوجدتها نائمة والبسمة تزيّن مبسمها ، فامسكت بيدها وأخذت أداعبها .
وتوقفتِ المعلّمةُ لتمسحَ بسرعةٍ دمعةً صغيرةً تلألأتْ في عينيْها .
وإذا بالباب يُقرع وتدخل أم رغد ، فوشوشت المعلّمة ، وشدّت المعلّمة على يدها بشدّة .
اقتربت الامّ من ابنتها رغد فشدّتها الى صدرها بحرارة وطبعت على جبينها أكثر من قبلة وقالت : علينا ان نعود الى البيت حالًا يا صغيرتي .
أمسكت الأمّ بيد ابنتها الصغيرة وخرجتا وعيناها تتجهان نحو الارض،
وغابتا خلف الاشجار.
ونظرتِ المُعلّمة ليلى الى الطلّابِ فإذا في عيونِهم الصغيرةِ والبريئةِ ألفُ سؤالٍ واستفسار..

زهير دعيم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة